للشربينى الاقصرى
من رواية(مقتل جملات)...للشربينى الاقصرى. [عندما يقف الموروث الدينى الخرافى والموروث الشعبى الوهمى حائلاً وحاجزاً ضد الحياة وضد سعادة الانسان]. 1
-الشيخ أبوالمعارف. كان والدها إماما وخطيبا(لمسجد القرية). ومحفظاً لكتاب الله(القرآن الكريم) فى(كتاب القرية) .وبالتالى فهو العالم والفقيه بأمورالدنياوالدنيا وهو الحافظ لعلوم الدين دون سواه من أهل قريتنا.
أهل القرية يرجعون إليه فى كل كبيرة وصغيرة من أمورالحياة. يطيعونه طاعة عمياء ومن يخالف أوامره ونواهيه ينال سخط أهل القرية فى الدنيا وعذاب الله فى الآخرة حيث جهنم وبئس المصير .
وعلى نمط مقولة : (لا يفتى ومالك فى المدينة ) كان أهل قريتنا يقولون: لا يفتى والشيخ ( أبو المعارف) فى القرية. بفتوى منه يحلل الحرام .وبفتوى أخرىيحرم الحلال.
بفتوى منه تدخل الجنة .وبفتوى أخرى تدخل النار.بفتواه الشهيرة حرم بنات(القرية) من التعليم .
وكانت إبنته الوحيدة واسمها (جملات)هى الضحيةالأولى لهذه الفتوى الجائرة. فتعليم البنات كما أفتى مولانا الشيخ(أبوالمعارف) يوجد فيه إختلاط بين البنين والبنات والإختلاط فى نظره حرام شرعا فقيل له يامولانا الشيخ: سوف نجعل فصولا دراسية خاصة بالبنين وأخرى خاصة بالبنات فقال:أقسم بالله الجبار: حتى لوجعلتم مدارس خاصةبالبنين ومدارس أخرى خاصة بالبنات فلايجوزتعليم المرأةلأن خروج المرأة من بيتهاعورة.وابتسامتها عورة وصوتها عورةحتى لو ارتفع بذكر الله.
بل إن ذكر اسم المرأة أمام الرجال عورة .ثم يهمس فى أذن من يكون بجواره(النساء ناقصات عقل ودين )هكذا وصفهن نبينا الكريم .ومن أقواله الشهيرة عن المرأة ما يلى : 1
-النساء شياطين الدنيا2
-وحطب جهنم فى الآخرة. 3
-المرأة تغلب الشيطان .وللنساء عند مولانا الشيخ (أبو المعارف) ثلاثة أسماء شهيرة ولكل اسم من هذه الأسماءسبب ومعنى كما جاءفى فقه الشيخ :
1-فهن (نساء)لأنهن ينسين الود والمعروف .
2-وهن(حريم)لأنهن يحرمن الأخ من أخيه . 3-وهن(عذارى)لأنهن لا يقبلن عذر من يقع تحت أيديهن.
وكان الشيخ (أبوالمعارف ) فقيهاً من هؤلاء الفقهاء الذين يفتون( بنصف) علم فهو لم يفلح فى دراسته بالمرحلة الأولى بالأزهروبالتالى فهولم يكمل تعليمه.
ولمجرد دخوله الأزهرإتخذ ذلك حجة على الناس بأنه الفقيه والعالم بأمورالدنيا والدين. بل كان مولانا الشيخ من أمثال هؤلاء الشيوخ الذين يسخرون الفتوى لمصالحهم الشخصية والدنيوية يقول أهل الفكاهة من قريتنا عندما يجلسون تحت شجرة (اللبخ)الكبيرةفى(الوسعاية) التى أمام مسجد القرية والقريبة من كتاب الشيخ(أبوالمعارف) وبيته يقولون:إن الشيخ يشبه الفقيه الذى سئل عن الحائط الذى (بال )عليه الكلب فقال: أعوذ بالله .. أستغفر الله ..
إن (بول)الكلب نجاسة لا يطهرها إلا هدم الحائط وبنائه سبع مرات متتاليات . فلما قال له السائل: يامولانا الشيخ إن هذا الحائط هو الحائط الذى
بين بيتى وبيتك ويجب عليك أن تساهم معى بنصف تكاليف البناء. عند ذلك ضحك الشيخ وقال له: (لا بأس يا بنى فإن قليلا من الماء يطهره).
وكان الشيخ (أبوالمعارف) خطيبا لمسجد قريتنا يلقى خطباً شهيرة فى المآتم ينوح فيها كما ينوح غراب البين ولا يستشهد من كتاب الله الكريم إلا بآيات العقاب والعذاب الشديد والآيات التى فيها ذكرجهنم وبئس المصيرويقرأ أيضاًالآيات التى تقول: أن الله جبار ومتكبروشديدالعقاب وأن بطشه لشديد .
ويلقى خطباً فى الأفراح يصدح فيها كما يغرد البلبل الصداح . يمدح فيها الطعام والشراب ويثنى على أولئك الذين يطعمون الناس ويستشهد بأيات الزكاة والصدقات وأن الله كريم يحب كل كريم كى يستجدى أهل القرية لصالحه.
ولأهل قريتنا طرف وملح مضحكة عن أمثال هؤلاء الخطباء يتندرون بها من حين الى حين عندما يجلسون فى (الوسعاية) التى أمام المسجد تحت شجرة (اللبخ)ويلتفون حول عم (فخرى أبو النور) بائع البطيخ وبائع الطرف وصانع الضحك.
فهو يبيعهم البطيخ ويضحكهم بالملح والنوادرالطريفة والغريبةويحكى لهم عن مغامراته فى فلسطين وفنارة والسويس. يحكى عم (فخرى أبو النور) حكاية الخطيب الذى قرأ من كتاب الخطب المنبرية خطبة بها أن المؤمن (كيس فطن ) قرأهاالخطيب: ( المؤمن كيس قطن ) وحكاية الخطيب الذى قرأ الحديث الشريف: (المؤمن من أتى إلى المسجد بسكينة ووقار) قرأها (المؤمن من أتى إلى المسجد بسكينة وفار) والخطيب الذى قرأ(الحبة السوداء خير لكل داء) قرأها (الحية السوداء خير لكل داء ). يتفكه أهل القرية بنوادر(فخرى أبو النور) فيضحكون ويضحكون وعم( فخرى أبو النور) يكسب رزقه من أهل القرية ببيعه إياهم البطيخ الصالح والبطيخ الفاسد تحت ستار هذا الضحك فكأنه يضحكهم ويضحك عليهم .
وكان أهل الفكاهةمن قريتنا يقولون عن الشيخ(أبو المعارف)وأمثاله: عندما يموت أحدهؤلاء (الخطباء)كأمثال الشيخ(أبو المعارف)فإن إبليس يحزن عليه مدة أربعين يوما وليلة لأنه أى (إبليس ) قد خسر داعية من أفضل دعاته الذين يضلون الناس ضلالا مبينا نيابة عنه .
وذات مرة تأخر شيخنا(أبو المعارف) عن صلاة المغرب فالتفت المصلون فى مسجدقريتنا وقالوا لى: تقدم أنت للإمامة بدلا من الشيخ (أبو المعارف) لأنك رجل متعلم وتذهب إلى مدارس المدينة وفى ذهن أهل قريتنا أن كل من ذهب إلى المدينة لطلب العلم فهو عالم بأمور الدنيا والدين
. بين شد وجذب من أهل القرية وتمنى وتمنع منى ورغبة وخوف غامرت وتقدمت للإمامة وكأنى فارس يتوج لقيادة حرب وهو غير أهل لها ولا علم له بفنون القتال .
تقدمت للصلاة وأنا أرتعش من شدة الخوف لأنى لأول مرة أتقدم إماماً للمصلين وفيهم من هم أكبر منى سناً وربما أفضل منى علماً وأكثرمنى مواظبةً على الصلاة ومعرفة بأمور الدين وحفظاً لكتاب الله الكريم. وكان خوفى الأكبر من الشيخ(أبو المعارف) الذى سوف يظن أنى أشاركه فى إمامة الناس للصلاة وقيادتهم فى أمور دينهم ودنياهم وبالتالى ربما يفقد سلطانه وهيبته أويفقد تربحه من هذه الإمامة التى وظفها لرزقه.
وفى نهاية الركعة الأخيرة جاء الشيخ (أبو المعارف) ثم التفت إلى المصلين بسخرية وتهكم لأنهم لم ينتظروا قدومه ولأنهم جعلوا تلميذاً صغيراً من تلاميذه يؤمهم للصلاة وحدثته نفسه أن هذاالتلميذ الصبى الصغير غدا سوف يصيررجلاً كبيراً وينتزع منى إمامة المسجد فهو ابن عائلةكبيرة فى القرية وذو حسب ونسب أما أنا فرجل غريب عن هذه القرية وجدودى من خارج هذه القرية . هكذا دارت الوساوس الشيطانية فى عقل مولانا الشيخ (أبو المعارف) .
نظر إلىّ بكل قسوة وادعى أنه فى حالة غضب من موضوع عائلى ولكن غضبه كان من أجل صلاتى إماما بأهل القرية.ألقى علىّ السلام بنية الحرب ثم مد يده ليصافحنى ولكن بضغطةمن يده الغليظة صارت يدى كعود قمح بين يده وبدا كأنه يداعبنى قائلا وابتسامة صفراء تعلو وجهه: ( عال ...عال ...الحمد لله )أبنائنا صارواً رجالاً وصاروا أئمة) ونحن كبرناوصرنا شيوخا نتوكأ على العصا .
وبعدما انصرف جميع المصلين اقترب منى شبه مداعباً ثم قرصنى قرصة شدية فى أذنى وقال لى : كيف تصلى ياولد(إماماً) بدون عمامةعلى رأسك والرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه قال: (تعمموا فإن الشياطين لا تعمم ).
ثم أطال معى الحديث كى أنسى قرصة أذنى وكى لا أخبر والدى فيمنعى عن الدراسة عنده فى الكتاب وبالتالى سوف يخسر (رغيف خبز)أو نصف قرش يومياً وهذه كانت أجرته عن كل طالب يدرس فى كتابه .
ومن يومها للآن وأنا أبحث عن حديث الشيخ(أبوالمعارف) الذى قاله لى عن الشياطين التى لا تعمم فلم أجد أثرا له فى كتب الدين. ومن يومها أيضا وأناأخاف خوفاً شديداً من إمامة المصلين بل وأخاف حتى من الوقوف فى الصفوف الأمامية فى المساجد. حتى وإن كنت مرتدياً عمامة لأن صورةالشيخ العابس سرعان ما كانت تظهر لى فى المحراب.
ولأنه كان فقيها محافظاً وحافظاً لكتاب الله أغلق جميع الأبواب وجميع الشبابيك التى يمكن لأبنته الوحيدة (جملات) أن تطل منهاعلى(الحياة) أى على هؤلاءالبشرمن أهل القريةوخاصة هؤلاء الصبية من شباب أهل القرية الذين كثيراًما كانوايجتمعون تحت شجرة (اللبخ )الكبيرةفى الوسعاية التى توجد بين بيت الشيخ (أبو المعارف) ومسجد القرية.
والتى كان يتخذها( فخرى أبو النور) مكانا لبيع البطيخ ومسرحاً للفكاهة والحكايات.
مولانا الشيخ الحافظ لكتاب الله والذى يقوم بتحفيظه لأبناء قريتنا(رغم حذره الشديد)نسى أن يغلق (ثقباً) صغيراً كان بالجزء الأسفل من باب الكتاب وعادة كان يترك الباب الذى بين بيته وبين الكتاب مفتوحاً وخاصة بالليل حيث لا يوجد طلاب يرون زوجته وابنته وضيوفه من هذا الباب .
بعدما تنتهى دروس تحفيظ القران الكريم بالكتاب يهرول الطلاب مسرعين إلى منازلهم أو إلى مشاكلهم أوتحديات بعضهم البعض فى حفظ القرآن وتجويده وربما مر بعضهم على حقول الزرع لمساعدة والده. أما(جملات )الأبنة الوحيدة للشيخ (أبو المعارف) والتى حرمتها فتوى والدها من التعليم فكانت عقب إنتهاء دروس الكتاب تنظرمن هذا الثقب الصغير الموجود فى باب (الكتاب ).
هذا الثقب الذى نسيه الشيخ مفتوحاً دون أن يدرى.
ومن هذا الثقب المفتوح كانت (عطيات ) تنظر وتتأمل ثم تغطى هذا الثقب بقطعة قماش قديمة كى لا يراه الشيخ الفاضل مفتوحاً .
من هذا الثقب الصغير كانت (جملات) ترى العالم الكبير فى (الوسعاية)تحت شجرة (اللبخ) الكبيرةهذا العالم المحرومةوالمحجوبة عنه .
كان هذا العالم المحجوب عنها عالم تفوح منه رائحة أزهار شجرة (اللبخ )العطرة ممزوجة بضحكات الشباب وعرق الرجال وتفوح منه رائحة غريبة تشمها (جملات)فقط وهى الوحيدة التى تميز هذه الرائحة إنها رائحة ثياب (حنفى) المعطرةبعطر يسمى عطر( بنت النيل)وعليه صورة فتاة سودانية كرمز للوحدة بين أبناء النيل فى مصر والسودان . وكرمز(لحنفى) عاشق (جملات )بنت النيل . إلى اللقاء مع الجزءالثانى.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com