مهندس عزمي إبراهيم
أقتباس من موقع إسلامي: ((في الحديث "المكر والخديعة في النار". وتفسير ذلك أن من يتخذهما سبيلاً في الحياة مآله النار، أي جهنم، في الآخرة. لأنهما من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار" ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في سياق هذا الحديث "وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة" وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة.))
وهنا أسأل الشيخ أحمد الطيب ووكيله ومستشاريه وعلمائه، أليس في هذا الحديث إقرار صريح لا لبس فيه أن المكر والخديعة من أخلاق الكفار لا أخلاق المؤمنين الأخيار؟؟ وأليست أفعال داعش في مُجملها مكر وخديعة وخيانة؟؟ أضف إلى ذلك ما تقوم به داعش من إجرام كسفك دماء أطفال وكهول ومقعدين ونساء ورجال أبرياء، وقطع رؤوس وجز رقاب وحرق أحياء وهتك أعراض واغتصاب أوطان. هل بتلك الموبقات والمُقيّئات ما زالوا مؤمنين رغم أنف الحديث أعلاه؟؟
اتضحت الأمور واستشرت نارها أخيراً حتى طالت ليس فقط غير المسلمين بل والمسلمين، والسنيين أيضاً. وإن أردتم الصراحة كانت سلوكياتهم واضحة كالشمس منذ عقود وقرون وأغمضتم عيونكم عنهم وعن أمثالهم: القاعدة وبوكوحرام والسلفيين وأنصار بيت المقدس والأخوان وغيرهم عندما كان خطر وجودهم ضد غيركم، أي بعيد عنكم، فاعتبرتموهم وأمثالهم "مؤمنين"... وأي إيمان!!؟؟
تغاضيتم عنهم وعن شرورهم ضد الآخرين الأبرياء، بل أبرزتموهم في جامعتكم ومعاهدكم ومجامعكم ومساجدكم ومنابركم وأسقيتموهم من نبع العنف وأطعمتموهم من نصوص صفراء حاقدة باغضة مقيتة، ظناً منكم أنها لن تطولكم، حتى أوشكت على أعتابكم، وأوشك دخان نارهم أن يخنقكم ولهيبها أن يلسعكم بل يحرقكم ويهدد مناصبكم ومحض وجودكم!!
تلك العناصر الإرهابية هي صنيعة يديكم لمحاربة الآخرين الأبرياء، وكما يقال، انقلب السحر على الساحر.!! عن ابن عباس أن كعبا قال له: إني أجد في التوراة "من حَفَر لأخيه حفرة وقع فيها". فقال ابن عباس: فاني أوجدك في القرآن ذلك. قال كعب: وأين؟ قال: فاقرأ "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" (فاطر:43)
((وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تمكر ولا تُعِن ماكرا فإن الله تعالى يقول "ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" فاطر:34. ولا تبغ ولا تعن باغيا فإن الله تعالى يقول "فمن نكث فإنما ينكث على نفسه" الفتح:10 وقال تعالى "إنما بغيكم على أنفسكم" يونس:23))
ومن أمثال العرب "من حفر لأخيه جُبّا وقع فيه مُنكَبّا". وقالوا "مَنْ حَفَرَ لأَخِيهِ قَلِيبًا أَوْقَعَهُ اللَّه فِيهِ قَرِيبًا". وأيضاً "يعدو على الْمَرْء مَا يأتمر". وقال حكيم "يا أيها الظالم في فعله، والظلم مردود على من ظلم". وقال أخر "ومن يحتفر بئرا ليوقع غيره، سيوقَع يوما في الذي هو حافر"
ويقول الكثيرون اليوم عنكم يا شيوخ المسلمين وحكام بلادهم في شماتة أو لا شماتة "على الباغي تدور الدوائر" و"هذه بضاعتكم صدرتموها للعالم ورجعت إليكم" و"هذا زرعكم رُدًّ حصاده إليكم" و"هذا سكينكم في نحركم". وقفتم في الـ 1400 عاماً مواقفا غير مشرفة وغير إنسانية، لا عادلة ولا منصفة لغير المسلمين في عقر بلادهم. وتغاضيتم عن مرتكبي فيض الظلم والجرائم والمذابح ظناً منكم أنكم في مأمن منهم.
وما أشبه موقفكم بموقف "جحا" في إحدى قصصه الشهيرة. جاء رجال القرية لجحا قائلين "صاحبك يعبث بنساء القرية"، قال لهم جحا "مادام بعيد عن حارتنا خلاص" قالوا "إنه يعبث بحارتكم" قال "ما دام بعيد عن بيتي خلاص" قالوا "يعبث في بيتك" قال ما دام بعيد عن مراتي خلاص" قالوا "بل مع زوجتك" قال "ما دام بعيد عن ط...ي ما يهمنيش"
في 27 ديسمبر 2013، نشرت مقالا بعنوان "مَن يتغاضى عن عنف طفله صغيراً..". وكانت تكملة العنوان في صُلب المقال هكذا " مَن يتغاضى عن عنف ابنه تجاه أطفال الغير صغيراً، سيمارس الطفل عنفه على أبويه كبيراً."
وكان المقال بمناسبة الذكرى السنوية لـ (واحدة) من مئات المجازر والمذابح والحرائق والتفجيرات والتهجيرات والتكفيرات والإهانات وازدراء المقدسات التى قام بها مسلمون مصريون ضد الأقباط (المصريين). والتي تغاضى عن جميعها، بل تضامن مع مرتكبيها، كل من الأزهر المُدَّعي الوسطية والحكومات المدعية العدالة، حيث لم يحاكم أو يعاقب فرداً واحداً من مرتكبي تلك الجرائم. وذلك استناداً على المبدأ الظالم اللا إنساني "لا يؤخذ مسلم بدم كافر"
لم يكن بمقالي معلومة أو معلومات لا يعرفها كل مصري مسلمٌ أو غير مسلم، مؤمنٌ أو كافر (التعبير التمييزي الذي يستعذب ترديده وتدريسه الأزهر الوسطي الشريف الذي يعرف جيداً أن الكافر مستحق القتل!!). بل هي معلومات أحداث إجرامية غير إنسانية تقف في مقدمة أمام ذاكرة الأقباط ولا تختفي عن أذهانهم لحظة ولا طرفة عين.
صفحات صفراء بل دموية حمراء لجرائم إرهابية ممنهجة متتالية نقشت حروفها وجدلت خيوطها وحاكت نسيجها ونفذتها يَـد اللا-إنسانية وأصابع العنصرية والبغضاء بالفكر الأسود والدم المسكوب باسم الدين.. باسم الإسلام!! ولا من دافعٍ خلف تلك الجرائم إلا الكفر ذاته بسماحة الله ومحبته للبشر خليقته. صفحات أحداث هولٍ عاشه ويعيشه أقباط مصر، وتلقاها "الإنسانيون" المعتدلون من مسلمي مصر بعيون دامعة وقلوب مفجوعة
أحداث تركت خلفها آلافاً من الأقباط المواطنين الأوفياء الودعاء المسالمين الأبرياء ضحايا بين ثكالى ويتامى وأرامل وأموات وعجزة وجرحى وحزانى. أحداث خطط لها ونفذها ارهابيون مسلمون لكي يدخلوا الجنة!! هل نلومهم!؟ نعم، نلومهم وندينهم. ولكنهم، للأسف والعجب، ما نفذوا إلا ما غَرَسَ شيوخُ الإسلام بعقولهم وقلوبهم وضمائرهم بآيات ونصوص وفتاوي تطرفية عنصرية من قلب الأزهر المدعي الوسطية، لا يغفلها قاريء ولا يرضى بها ضمير إنساني!!!
أحداثٌ رهيبة، في الأربعة عشر قرنا الماضية، هزت مشاعر وضمائر العالم أجمع إلا ضمائر شيوخ الإسلام ومن استقوا على أيديهم ما في منابع السلف من عنف وبغضاء وجواز (بل تشجيع وتزكية) سفك دماء الآخرين!!! فهي أحداث دموية ممنهجة متعمدة من (إسلاميين أو متأسلمين)، أو هي في الحقيقة وبمنتهى الصراحة، بلا مواراة ولا مجاملة ولا طبطبة، أحداث إجرامية متعمدة من (مسلمين) ضد الأقباط أبناء مصر المسالمين.
ورغم مرور سنوات، بل عقود، بل قرون، على تلك الأحداث لم تحرك الدولة بحكوماتها وشرطتها وقضاتها ونياباتها (وكلهم أيضاً مسلمون) إصبعاً لمحاكمة وإدانة ومعاقبة مجرم مسلم (ولا واحد) من المسئولين والمتورطين في تلك المجازر!! ولم يحرك الأزهر الشريف إصبعاً لتكفير ذاك العنف وتلك الجرائم البشرية بل أفتى شيخه الكريم بأن داعش وأمثالهم "مؤمنون" ولم يكمل باقي فتواه بأن للمؤمن حق قتل غير المؤمن (الكافر كما أقرها شيخ الأزهر نفسة)... لا إدانة ولا عقاب!!
نعم هم قبل أن يكونوا متأسلمين متطرفين هم مسلمون وهابيون، ولا داعي لتغطية الإجرام بقناع لا يستر عورة. فعين اللـــه التي تخترق الظلام لا يصعب عليها اختراق الضمائر والقلوب والأقنعة. فكما قال كتاب المسلمين "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مُبين." (سورة الأنعام 59) فالله إذن لا يخفى عليه مقصد أو نية.
من يتغاضى عن عنف ابنه تجاه أطفال الغير صغيراً، سيمارس الطفل عنفه على أبويه كبيراً. فها نحن اليوم، أخيــــراً، بعد صمتٍ مشينٍ طويــــل، وتغاضٍ وتهاون سافر عن المتطرفين المسلمين، بل وتواطؤ صريح من شيوخ وحكومة وقضاء وشرطة ونيابة ومعظم أجهزة الدولة، حكومة تلو حكومة، مع الإرهابيين في أفعالهم الغير بشرية تجاه فصيل مسالم من أبناء مصر... أقول أنه بعدما طالت أصابع الفوضى الدينية والأخلاقية سُمعة الإسلام، وطالت نار العنف والإرهاب سلامة المسلمين وأوطان المسلمين. هب بعض الشيوخ في كلمات رخوة مائعة بتشجيب أفعال داعش وأخواتها.. مجرد كلمات وما أسهل وأرخص الكلمات.
حقيقة أولى: ليس هناك "ديــن" على سطح البسيطة من الأديان السماوية أو غير السماوية، إلا الإسلام، يُحرِّض تابعيه للتفجير والتهجير والتدمير والحرق وسفك دماء الأبرياء المسالمين لمجرد أنهم يدينون بدين آخر أو يتبعون عقيدة أخرى، حتى لو كان الضحايا "مشركين وكفاراً وملحدين". فيا مسلمين ويا قـادة الإسلام وشيوخه الأجلاء، لقد حان الوقت أن تفتحوا عيونكم وأفكاركم وقلوبكم وتدركوا أنكم في عصر المشاركة والتعايش وتعدد العقائد والاحترام المتبادل، لو تفقهوا، فتبذروا المبادئ "الإنسانية" السامية السمحاء في عقول وقلوب المسلمين جميعاً!!! لو تعدلوا وها هو قول عدل من كتابكم "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" (الكهف:49). هذا هو نموذج للعدل الإلهي، والقصاص الرباني، حيث لم يخص بعدله ديناً بعينه ولا طائفة بعينها، بل عدل الله للبشرية جميعها بلا تمييز. أما آن الأوان أن تنتقوا من الآيات أطيبها، ما يصلح لكم ولغيركم.
وحقيقة أخرى: إن المسيحيين، الأقباط، أبناء مصر البكر، لا مهاجرين إليها، ولا وافدين عليها، ولا خائنين لها، عانوا على مدار عقود بل قرون الكثير من ظلم وإرهاب المسلمين والمتأسلمين معاً. جدود الأقباط وشهداؤهم من ذرات تراب هذا الوطن الحبيب. وليس لإنسان على سطح البسيطة أحقية في مصر وخير مصر وحكم أكثر مما يستحقه الأقباط.
والحقيقة الصخرية والصارخة: الإصلاح والتغيير للأفضل مستوجبان "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم" الرعد:11. أربعة عشر قرناً ولم تتقدم الأمة الإسلامية إلا تعداداً وفقراً وجهالة!! ويبدو أن هذا يرضيهم!! وسيظل العالم الإسلامي يفور غضباً وبغضاً وعنفاً وسفك دماء، حتى في الدول التي لا يوجد بها مواطنون غيرمسلمين كالصومال واليمن ووأفغانستان وغيرها!!
فلصالح مصر ولصالح المصريين من كل دين، لابـد لأخوتنا المسلمين في مصر أن يصحو فمصر عظمت وازدهرت عندما كانت بوتقة أديان، لا دين يعلو عن دين، بل تجانس وتعايش ومودة وانتاج تحت لواء الدستور المدني العادل (عدالة القانون)، لا عدالة الدين (عدالة القبيلة)، وتحت الوحدة الوطنية الحقيقة لا الشكلية المزيفة.
قد يُغضِب مقالي بعض المسلمين الطيبين الخيّرين. فلهم أقول: ما ساءنا إرهاب الشريرين قدر صمت الخيِّرين عليه. فالساكت عن الشرير شريك له في شرِّه. وفي هذا المجال يحضرني قول مارتين لوثر كنج "لست فقط محاسباً على ما تقول، أنت محاسبٌ أيضاً على ما لم تقل حيث كان لابد لك أن تقول." وكذلك قوله الحكيم "في النهاية لن نذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا."
وختاماً، كم أثمِّن قول الشاعر السوري المسلم، علي أحمد سعيد، المعروف باسم أدونيس "ليس هناك ما هو أكثر جحيمية من أن يَقتل إنسان إنساناً آخر، لا لشيء إلا لكي يَدخل الجنة."
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com