ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

في الغرفة خافتة الإضاءة

بقلم: عالى سالم | 2015-01-27 10:48:19

أستحضر أحداث الماضي أملا في أن تساعدني على فهم الحاضر. وأنا أعتمد في ذلك على ما يمدني به مخزون الذكريات من مشاهد غير قابلة للنسيان. وأحدثك اليوم عن غرفة في بيت في حي الحلمية الملاصق لحي السيدة زينب. في هذه الغرفة خافتة الإضاءة توجد مائدة صغيرة فوقها مصحف ومسدس. إنها الغرفة التي يقسم فيها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المنضمين للنظام الخاص على السمع والطاعة. والنظام الخاص هو ذلك التشكيل المكلف أداء الأعمال الخطرة، أقصد الخطرة على الناس وليس على أعضاء النظام، وبلغة هذه الأيام، هذه الجماعة التي تقسم على المصحف والمسدس في تلك الغرفة، كانت مكلفة أداء الأعمال الإرهابية من تفجير وقتل.

والآن استعد لتلقي الصدمة.. جمال عبد الناصر وخالد محيي الدين، دخلا هذه الغرفة وأقسما على المصحف والمسدس على السمع والطاعة لجماعة الإخوان المسلمين، هذه المعلومة الغريبة والخطيرة كشف عنها الأستاذ خالد محيي الدين في كتابه «الآن أتكلم»، رحم الله الجميع. هكذا نفهم أن جمال عبد الناصر لم يكن فقط عضوا في جماعة الإخوان بل هو عضو في النظام الخاص ذي السمعة السيئة. هذا ما يفسر لنا وقوف الجماعة معه في صراعه مع محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر وذلك في مارس (آذار) 1954. لقد نزلوا إلى الشارع ضد نجيب ولأول مرة في تاريخ الجنس البشري، تهتف الناس في مظاهرة «تسقط الديمقراطية» وهو الهتاف الذي يوضح مدى صدق الجماعة مع المصريين ومع نفسها.

لم نعرف حتى الآن ما هي التكليفات التي صدرت لعبد الناصر، غير أني أتصور أنه انضم لهم في هذه المرحلة السابقة على حركة الجيش لكي يضمن قوة شعبية كبيرة تسنده في الشارع. ولا بد أنهم رحبوا بانضمامه لهم متصورين أنهم كسبوا عميلا مهما داخل القوات المسلحة، كل منهما كان يتصور أن الآخر يعمل لحسابه. ومن ذلك يتضح أن فهمهم لحركة التاريخ قاصرة للغاية، الزعامات الثورية لا تعرف الشراكة وهناك مثل مصري شعبي يقول: «زي الفريك.. ما يحبش الشريك»، والفريك لمن لا يعرف هو حبوب القمح قبل نضجها ويحشى بها الحمام. إذا لم تكن أكلت حماما محشيا بالفريك من قبل فأنت شخص مسكين تستحق العطف والرثاء.

كما أن الحكم لا يعرف الصحوبية أو القيم الإنسانية العليا من وفاء وشهامة ونبل، في الثورات والانقلابات إما أن أحكم أنا أو تحكم أنت. هذا ما كان يجهله محمد نجيب فدفع الثمن غاليا.. سجنوه لسنوات طويلة إلى أن توفاه الله بعد سنوات قليلة من الإفراج عنه.
لم تكن علاقة عبد الناصر بالجماعة زواجا مشهرا بل علاقة تكتنفها السرية، وعندما اكتشفت الجماعة أنه تمرد عليها وأنه يحكم باسمه وليس باسمها، يعني لا سمع ولا طاعة، أرسلوا بمن يطلق عليه الرصاص في الإسكندرية، وفي سرادق به الآلاف لم يصب أحد بطلقة واحدة، وصاح عبد الناصر: أنا الذي علمتكم العزة والكرمة.. وبدأت رحلة جماعة الإخوان السياحية التقليدية إلى السجون..

نقلا عن الشرق الاوسط

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com