ليس حراما ولا عيبا أن أعلن حسدى الشديد للدكتور سعد الدين إبراهيم، لأنه حسد حميد لا أبغى من ورائه زوال نعمة سعد، بل إننى أتمنى أن يزيده الله منها، وأن يكتب له أو عليه الجزاء المناسب.. إنه هو السميع العليم الخبير.
أحسد سعدا على سماكة جلده.. فشر.. يكاد يكون جلد سيد قشطة والتمساح وجبهة الفحل الجاموس! وأحسده على قوة تحمله ودأبه.. فشر.. يكاد يكون الجعران والحمار الحساوى، كما أحسده على شجاعته وانكشاف وجهه.. فشر.. يكاد يكون معلمة دق الوشم وطهور البنات، وكذلك بائع الأكفان والحانوتى!
وأحسد سعدا على فحولته التى أوقعت كثيرات فى غرامه لأول وهلة حتى وهو يمشى الآن على ثلاث: ساقيه.. ولا مؤاخذة عكازه، قبل أن ينصرف ذهن البعض إلى شىء آخر! وأحسده على جسارته، لأن الجسارة أعلى من الشجاعة فى الدرجة .. فشر ثعبان الكوبرا ونمر البنجال!
منذ سنوات طويلة انعقدت فى أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة ندوة أقامتها دار المستقبل العربى ومركز دراسات الوحدة العربية، والدار كان يملكها ويشرف عليها الرجل النبيل الأستاذ محمد فائق، والمركز يرأسه ويديره الدكتور خير الدين حسيب، وكان موضوع الندوة عن الناصرية والمستقبل، وحضرها عشرات من الشخصيات العامة والمثقفين والشباب، وكان منهم السادة: على صبرى وشعراوى جمعة وأمين هويدى وسامى شرف وعبدالمحسن أبوالنور ومحمد عروق وضياء داود وخالد محيى الدين وفؤاد مرسى وإسماعيل صبرى عبدالله ومحمود أمين العالم وعصمت سيف الدولة وأحمد يوسف أحمد وأسامة الغزالى حرب ومجدى حماد.. وأيضا سعد الدين إبراهيم، وتعقيبا على ورقة قدمها الأخير تحدث الدكتور عصمت سيف الدولة وبطريقته الصارمة أعلن فجأة وبصوت عال ومخارج ألفاظ سليمة واضحة: «بعد أن قرأت ما كتبته أقول لك الآن إنك يا سعد الدين إبراهيم عميل حقير للمخابرات المركزية الأمريكية بعد أن ظننا أنك جئت إضافة للفكر والحركة القومية». وصمتت القاعة صمتا مرعبا انتظارا لانفجار متلقى الاتهام الذى استبدل بالانفجار ابتسامة عريضة وتحريكة رأس من أعلى لأسفل وكأنه موافق.. وجاء رد الفعل الكلامى من خير الدين حسيب ومن أسامة الغزالى حرب!
وتكررت المشاهد المماثلة فى جلسات مغلقة وأخرى مفتوحة وعلى الشاشات وعلى صفحات الجرائد، وليظهر سعد وكأنه كائن قد صنع «قدّ» من حديد.. يتلقى الاتهامات والإهانات والتشكيك فى ولائه للوطن بجلد شديد السماكة، ويتابع عمله بدأب وقوة وقدرة، مثلما هو الجعران الذى قدسه المصريون للدأب والقوة، ومثلما هو الحساوى- نسبة إلى منطقة الحسا ولا بأس من أن يكون الحصاوى نسبة إلى الحصا أى الطوب الصلب- الذى يعمل طوال النهار وربما الليل كذلك دون توقف ولا طلب لأكل أو شرب، عدا تلقيه الضربات الموجعة ليسرع من خطاه!
ثم إننى التقيت سعدا عدة مرات منها واحدة فى مركزه الذى استلب له اسم ابن خلدون باعتبارهما- أى سعد وعبدالرحمن- صاحبى علم الاجتماع بلا شريك، وكنت حادا فى توجيه الاتهام نفسه ولم أتلق سوى الابتسامة والدعوة إلى البوفيه المفتوح، وكان الذى حاول الرد على كلامى هو رفعت السعيد الذى أعلن رفضه الحاد لاتهام سعد بالعمل لحساب أجهزة خارجية، وقال بالحرف تقريبا: «النهارده هتقولوا دا بتاع السى. آى. إيه.. وبكرة تقولوا علينا بتوع الكى. جى. بى»!
غير أن شجاعة سعد وانكشاف وجهه مرتبطان- إضافة لما سبق- بقدرته على خرق المألوف من عادات وتقاليد وأخلاق.. إذ من السهل جدا أن ينزل إلى قاعة الطعام المزدحمة بالنساء والرجال والأطفال فى فندق ينزل فيه ضيوف ندوة أو مؤتمر يشارك هو فيه مرتديا روب الحمام ومن تحته القطعة السفلى من الملابس الداخلية التى لا يظهر أنها مايوه أو لباس، فيما يتدلى كرشه ويتعرى صدره ويعلو صوته بحكايات من مختلف الأنواع والدرجات.. وكان من السهل عليه أن أنكشه فى الإسكندرية منذ عدة شهور فيما أحاوره على طاولة إفطار ملاصقة عن الذى كتبه فى مذكراته ويحكى فيه عن علاقاته النسائية، وتكاد الكلمات تفصح عن تفاصيل تمس سيدات بعينهن ذكر بعضهن بالأسماء، ولدرجة حكى فيها كيف استطاع أن يقتنص سيدة تنتمى لأسرة حاكمة خليجية ويحرم منها خير الدين حسيب!، وكان كلامى بمثابة زر انفتحت به بوابات التدفق الهائل عن غرامياته وحكايات أخرى، منها حكاية لقائه الأول مع حاكم قطر السابق وزوجته المشهورة، وكيف أنه لم يفلت مغازلتها غزلا مباشرا بدا عفيفا «ياه.. حضرتك جميلة جدا»!.. ثم تفاصيل بقية اللقاء الذى ضمه مع الحاكم والشيخة والفنانة ماجدة الرومى، وكيف أن الزوجة الشيخة سخرت من زوجها أمام سعد وماجدة سخرية لا يحتملها رجل، فما بالك عن حاكم لدولة!
وأصل إلى بيت القصيد، وهو جسارة سعد، الذى استطاع أن يسب رئيس جمهورية مصر علنا وبالأب على شاشة القناة التى تملكها الدولة التى يحكمها ابن الحاكم الذى قبِل أن تهينه زوجته- والعهدة على سعد- أمام الناس، وتعلل سعد بأن المذيع استدرجه، وأنا أشك فى هذا العذر، لأن سعدا اشتهر بجهازه العصبى الذى لا يستجيب إلا بإرادة صاحبه ولا يستفز حتى وإن وصل الأمر إلى اتهامه صراحة وعلنا بالعمالة الحقيرة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية مثلما حدث من الدكتور عصمت سيف الدولة فى الندوة إياها!.. ثم يعتذر سعد ويحاول أن «يكفى على الخبر ماجور»، ولكنه لا يلبث إلا قليلا ليكتب منذ أيام مقالا يقحم فيه اسم الرئيس السيسى وهو بصدد تبرير وتسويغ التمويل الأجنبى لجمعيات وأشخاص! حيث اعتبر سعد أن تلك الجمعيات تفعل ما تفعله الدولة المصرية ومن ثم لو أن هناك جريمة أو اتهاما فإن السيسى واقع فى المحظور نفسه باعتباره رئيسا للدولة!
جسارة عالية أن يتجه سعد إبراهيم لجر شكل الدولة ورئيسها، فيما آثار سبابه للرئيس ولأبيه مازالت ماثلة قائمة قابلة لفتح التحقيق!
ثم إننا لو مددنا خيط سعد عن التماثل بين الجمعيات والدولة فى مسألة التمويل الخارجى لوجدنا أنه وفق المعايير السعدانية يمكن لجمعية أو فرد أن يقوم باتصالات غير معلنة مع جهة خارجية فيما يتصل بشؤون عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، مثلما تفعل الدولة عبر أجهزتها السيادية.. ويمكن لجمعية أو فرد أن يقرر تصفية شخص أو جماعة للاختلاف معهم حول أمور يعتبرها جوهرية وتمس أمنه وأسرته وجماعته ومركزه، مثلما تقوم الدول أحيانا بتصفية من تعتبره خائنا أو جاسوسا أو إرهابيا يهدد أمنها الوطنى ولا تستطيع القبض عليه.. وهو ما فعله كثير من الدول منها إسرائيل والولايات المتحدة أصدقاء سعد إبراهيم.. وللحقيقة فإن جسارة سعد مكنته من أن يعلن فى مذكراته التى تنشرها إحدى الصحف المحلية المصرية أنه استعدى الإدارة الأمريكية على نظام مبارك، وطالبها بأن تربط بين استمرار المعونات وتحولات الديمقراطية.. وهى الجريمة نفسها التى عوقب عليها مصطفى أمين عندما طلب من الأمريكان ربط توريد القمح لمصر بتنفيذ عبدالناصر المطالب الأمريكية.
المساحة قاربت على الانتهاء وقد وددت لو استكملت، ولكننى أكتفى وأختم بأن أصرخ فى وجه سعد بنصف اسمى!
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com