اليوم هو الذكرى السنوية لثورة يناير العظيمة، التى يريد لها البعض أن تتوارى فى كتاب التاريخ خلف باب المؤامرة فى فصل العملاء والخونة. والتاريخ مجرد كلمات على سطور، ومن يُرد معرفة الحقيقة فعليه أن يبحث وراء الكلمات ويفتش بين السطور، لأنه ليس كل ما يُعرف يُقال، وبالتالى ليس كل ما يحدث يُدون، ولذلك تتعدد تفسيرات الحدث الواحد، ومنها ما يوصف بالتفسير البسيط الذى لم يهتم به التاريخ. ولعل نهايات حياة شخص أو معركة حربية أو إمبراطورية كبرى توضح لنا أن للتاريخ أسباباً خفية أيضاً.
الصحفى والشاعر المصرى المهم «كامل الشناوى» غنى له كبار مطربى العالم العربى، محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ وغيرهم. كما عُرف بكتابة الشعر، وامتلك قدرة فائقة على تدبير المقالب فى أقرانه، وكان حاضر الذهن، شديد الموهبة فى إلقاء النكتة. صحياً كان الرجل بدين الجسد، ولبدانته تداعيات قتلته فى سن الخامسة والخمسين، أما نفسياً فيرى «مصطفى أمين» أن الرجل مات حباً. وبعيداً عن تلك التفسيرات هناك سبب بسيط ساعد على اعتلال صحة الرجل بشدة، فقد كان «كامل الشناوى» متطرفاً فى استخدام المبيدات الحشرية، وكانت الكميات التى يستنشقها منها يومياً نتيجة مطارداته للحشرات أكبر بكثير من أن نهمل دورها فى القضاء عليه.. وفى زمان آخر ومكان مختلف، وتحديداً فى منتصف عام ١٨١٥، عسكر الجيش الفرنسى على موعد مع التاريخ فى منطقة «واترلو» إلى الجنوب من العاصمة البلجيكية «بروكسل». واجه «نابليون بونابرت» أربعة جيوش تفوقه عدداً بأكثر من مرة ونصف، لكنه واجه أيضاً سوء الحظ، حتى إن الإنجليز بعد ذلك كانوا يصفون الشخص الذى يعانى من الحظ العثر بأنه قد مر على واترلو.. بعيداً عن الأسباب المعروفة لهزيمة الجيش الفرنسى بتلك المعركة، فقد كانت هناك أسباب خفية تتعلق بصحة القائد، فقد كان من المحتم على «نابليون» فى معركته تلك أن يظل فوق صهوة جواده لست ساعات متواصلة فيما يعانى من البواسير، بجانب آلام حصوات المثانة والتى أدت فى هذا الوقت لإصابته بداء عسر البول، الذى جعله يترك المعركة مراراً، فرغم قدرته الفائقة على إدارة ميدان القتال كان «نابليون» فاقد القدرة على التحكم فى مثانته التى قد تحالفت، فيما يبدو، مع جيوش أعدائه.. وبمد خط الهزائم باستقامته للخلف نجد أن عادة بسيطة ساهمت فى القضاء على الإمبراطورية الرومانية العظيمة، وبطل هذه الواقعة هو معدن الرصاص، وقد كانت علاقة الرومان بالرصاص علاقة وثيقة متأصلة، فقد أكلوا فى أوانِ من الرصاص، وشربوا ماء يمشى فى أنابيب من المادة ذاتها، وصنعوا منه كذلك النقود والأصباغ ومواد التجميل والتماثيل والتوابيت، صنعوا منه كل شىء تقريباً! ترك الرصاص أثره فى الجسد الرومانى عبر الأجيال وأصيب القادة والنبلاء باللامبالاة والخمول فتعطلت آلة الإدارة العليا. فى الواقع كانت الإمبراطورية الرومانية تعانى من التسمم المزمن بالرصاص، ومن ثم الموت البطىء.
مبيد حشرى قتل رجلاً، ومثانة غيرت تاريخ أوروبا، ومادة أسقطت إمبراطورية. هذا ليس التاريخ المعروف الذى نبحث عنه، ولكنه التاريخ الخفى الذى لابد أن نبحث فيه. وعلينا الانتباه إلى أن ضبابية المشهد فى بعض الأحداث، أو سوء نتائج أحداث أخرى، لا يبرر نعت ثورة يناير بالمؤامرة. كل عام وحضراتكم بخير واذكروا محاسن ثوراتكم.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com