يمكن للشعور بالذنب أن يجعل الأشياء التي تثير رغبتنا تبدو أكثر إغراء. فهل يمكن أن نتخلى قليلا عن بعض قواعد الحمية الغذائية التي نتبعها مثلا، ثم يكون في ذلك فائدة صحية ونفسية لنا؟ الصحفي ديفيد روبسون يحاول الإجابة عن هذا السؤال.
هذا العام، ستتخذ قراراتي للعام الجديد منحى مختلفاً عما كان في أشهر يناير/كانون الثاني الماضية. سوف أتخلى عن أهدافي المعتادة المتعلقة بشرب خمر أقل، وتناول فاكهة أكثر، وممارسة الرياضة في إحدى الصالات الرياضة بدلاً من الإكثار من مشاهدة التلفاز. وعوضاً عن ذلك، هناك أمر واحد سأتخلى عنه في عام 2015: وهو مشاعر الذنب تجاه ما يعطيني الاحساس بالمتعة.
لا أناقض نفسي هنا، فأنا أتبنى وجهة نظري هذه من إشارات لعدد من الخبراء. فقد وجد علماء النفس أن الشعور بالذنب تجاه ما نأكله مثلا أو تجاه نمط حياتنا لن يساعدنا كثيرا كي نعيش حياة أفضل أو أكثر صحة. فبدلاً من تجنب الأشياء التي تغرينا، غالبا ما يدفعنا ذلك الشعور بالذنب تجاه تلك الأشياء التي تحقق لنا المتعة.
ربما تنشأ هذه المفارقة لأسباب عديدة محتملة. أحد الآراء هو أن أشكال الشعور بالذنب قد ترسخت في أذهاننا إلى درجة أنها أصبحت تدفعنا إلى تحقيق المزيد من تلك الرغبات التي أصبحت كامنة في الدماغ.
ولإثبات أن اللاوعي يعمل حقاً بهذه الطريقة، قدمت الباحثة كيلّي غولدسمث بجامعة نورثوإيسترن في إيفانستن بولاية إيلنوي الأمريكية، بعض الكلمات لعدد من المتطوعين من خلال مشاركتهم في لعبة ما. بدايةً، طُلب منهم حل رموز بعض الجُمل التي احتوت على ألفاظ مثل "خطيئة" أو "ذنب" أو "ندم"، بينما احتوت جمل أخرى على مصطلحات أكثر إيجابية.
في الجزء الثاني من الاختبار، أعطي المتطوعون كلمات غير كاملة مثل "ت م - -" أو "م ت - -" وطُلب منهم إكمال الحروف الناقصة. والنتيجة هي أن أولئك الذين كانوا قد أكملوا سابقاً كلمات أو جملاً تدل على الخطايا كانوا لاحقاً أكثر ميلا إلى أن يملأوا الفراغات بكلمات مرادفة للرغبات مثل ’تمتع‘ أو ’متعة‘ مقارنة بغيرها من الكلمات الأكثر إيجابية. وبمعنى آخر، بدلاً من صرف التفكير بعيداً عن الخطيئة، بدأ اللاوعي الخاص بهؤلاء في التفكير بشكل أكثر ميلا للمتعة.
ما هو أهم من ذلك أن غولدسمث وجدت تلك المشاعر وقد تُرجمت إلى أحاسيس حقيقية مجرّبة. على سبيل المثال، قال أولئك الذين يحققون رغباتهم ويشعرون بالذنب بدرجة كبيرة أنهم استمتعوا بتناول الحلويات أكثر من غيرهم مثلا.
وقد تحقق نفس الشيء حتى عندما ذكّرتهم غولدسمث بشكل بارع بتبعات ذلك على صحتهم، فكان إطلاعهم على مجلات اللياقة البدنية قد زاد من شعورهم بالذنب، وفي نفس الوقت زاد من متعتهم بتذوق الحلويات أيضا. ولم يقتصر الأمر على الحلويات؛ فقد جعلت كلمات مثل "الذنب" و "الإثم" و"الندم" المتطوعين يستمتعون أكثر بالنظر إلى الصور الجنسية على مواقع التعارف بين البالغين على الانترنت.
تأثير "اللامبالاة"
إلا أن المفارقة في تقلبات الشعور بالذنب لا تتوقف هنا. فبالإضافة إلى تعزيز انجذابك إلى المُغريات، فقد يسبب ذلك الإحساس لديك تأثيراً آخر، وهو الشعور باللامبالاة. وقد درست هذه الظاهرة النفسية بإسهاب، وهي تقدم تفسيرا لعدم توقفك عند قطعة واحدة من الكعك مثلا – إذ تعتقد أنك ما دمت فشلت مرة، فربما لا بأس من أن تستسلم بالكلية.
الباحثتان رولين كاير وجيسيكا بويس، في جامعة كانتربري بنيوزيلندة، بحثتا مؤخراً في طِباع تناول الطعام، على سبيل المثال. وقد توصلتا إلى أن الذين ربطوا طبيعياً بين كعكة الشوكولاتة والشعور بالذنب لديهم إيمان أقل بالقدرة على التحكم في أنفسهم من أولئك الذين ربطوها بأحاسيس أكثر إيجابية، كالإحتفال بمناسبة مثلا.
طوال الأشهر الثلاثة التالية، وبعد أن أصبحت تلك الظاهرة كنبوءة تتحقق؛ كان من الواضح أنه رغم أن نواياهم ظلت كما كانت، كان أولئك الذين شعروا بذنب أكبر عند التفكير في الشيكولاتة أقل نجاحاً في خفض أوزانهم، مقارنة بأولئك الذين كانوا ينظرون إلى الشيكولاتة بشكل إيجابي، وليس كمصدر لليأس.
وانطبق نفس الشيء على مجموعة أخرى كانت تحاول الحفاظ على وزن صحي؛ على مدى 18 شهراً، وتبين أن أولئك الذين استمتعوا بطعامهم بشكل إيجابي كانوا أيضاً أقل عرضة لاحتمال زيادة الوزن.
تؤكد غولدسمث على أن هذه النتائج لا تستطيع أن تفسر جميع إخفاقاتنا الشخصية. كما أنها تشك في أننا سنشعر بالذنب بشكل أقوى إذا ما أسأنا إلى شخص آخر. على سبيل المثال، إذا ما انصرفت عن زيارة جدتك وذهبت إلى مكان آخر مثل حفلة غنائية. ربما تكون هناك أحاسيس أكثر سلبية لديك مرتبطة بذلك النوع من الشعور بالذنب، إذا ما قورنت بالشعور بالذنب فيما يتعلق بك أنت، وليس بشخص آخر.
إلا أن ما كشف عنه قد يلقي الضوء على مشكلة مع بعض حملات التوعية الصحية. تقول غولدسمث: "إن كنت تمارس نشاطاً لم يكن يرتبط بالشعور بالذنب، وفجأة ينتابك شعور قاس، فان ذلك يعزز من الشعور باللذة. وعلى نفس المنوال، وجدت إحدى الدراسات أن علامة "ممنوع التدخين" تبدو وكأنها تزيد من تعطش المدخنين.
وكما تشير كاير وبويس في مقالتهما، ربما ليست صدفة أن مستوى السمنة في الولايات المتحدة الأمريكية هي أكثر منها في فرنسا. وهذا بالرغم من حقيقة أن الناس يراودهم الشعور بالذنب عندما يتناولون طعامهم أكثر مقارنة بما يعاني منه الفرنسيون.
ورغم أن أحدا لم يختبر وسائل لتطوير حملات التوعية تلك، تتساءل غولدسمث فيما لو كان الأمر سيصبح أكثر فعالية عند التركيز على الجوانب الإيجابية، أي التشديد على فوائد الاختيار الصحي بدلاً من إغراق الناس بحقائق عن مخاطر الأشياء المحرمة.
أسلوب أقل حكمة
قد تعيق مثل هذه الأمور قراراتنا نحن أيضاً – لهذا السبب قررتُ أن أكون أقلّ تزمتاً هذا العام. لا أقصد القول إنني سأتعمد مخالفة نمط حياتي، بل أعني محاولة الاستمتاع بالملذّات كما هي، بدلاً من حمل همٍّ كبير للتبعات على المدى الطويل.
في النهاية، قد يكون إشباع رغباتك عن قصد بين الفينة والأخرى أمرا أساسياً للحفاظ على قوة إرادتك تجاه أهداف أكبر. وكما يوضح لنا ليونارد راينيكَ من جامعة ماينز بألمانيا: "كلما توجّب علينا ضبط أنفسنا، مثل أن نقاوم إغراءً أو أن نواصل أمراً بغيضاً، فإن قوة الإرداة لدينا سوف تستنفد. ومن تبعات ذلك أنه سيكون أصعب علينا أن نقاوم رغباتنا في مواقف أكثر أهمية فيما بعد."
خذ مثلاً إنغماسي بمشاهدة برامج التلفاز المفضلة لدي. فقد أقضي أمسية كاملة وأنا أشاهد بشغف حلقة بعد أخرى من هذا البرنامج أو ذاك، حتى وإن جعلني ذلك أشعر بقليل من الاشمئزاز من نفسي. وقد وجد راينيك أن الترفيه بشكل قد يبدو أقل حكمة ومنطقية هو وسيلة رائعة، لإعطاء فترة راحة لما يسميه "عضلة قوة الارادة" وإعادة شحن للقدرة على ضبط النفس.
إن مسامحة النفس عند أخذ قسط من الراحة، أو متعة عرضية يعني إمكانية أن تستعيد نشاطك في وقت أسرع، وعليك بعدها أن تستجمع إرادتك للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية في اليوم التالي مثلا. ونحن غالباً ما لا نركز على مثل هذا النهج من التصرف، حسب قول غولدسمث.
وتضيف غولدسمث: "أعتقد أن ما قد يُهمل هنا في هذا الشأن أمر واحد: وهو أنه لا بأس من أن ندلل أنفسنا، فمن الجميل أن ينتابنا شعور بالمتعة نتيجة الانغماس فيما يجلب اللذة. إن كنت تأكل ما هو مناسب في معظم الأوقات، فلا داعي لأن تقلق بشأن الآيس كريم الذي يسبب لك الشعور بالذنب. تمتع بتلك اللذة بقدر ما– فالأمر على ما يرام."
وهذا بالضبط ما أنوي القيام به.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com