مهندس عزمي إبراهيم
"المجـدُ للـه في الأعـالي... وعلى الأرضِ السـلام... وبالنـاس المَسَـرَّة"
"وعلى الأرض السلام" ما أعظمها من بُشرى وما أوقعها من أمل لكل البشر، أو لمعظمهم!! فالسلام هو السلامة والسِّلْم والأمن والأمان والاطمئنان في ظل الحق والعدل، أي انعدام الخطر والخوف منه. وإذ نخطو الخطوات الأولى في عام 2015، وإذ يخطو نحونا عيد ميلاد السيد المسيح، يتعلق ملايين البشر بخيوط التفاؤل راجين من ربّ السلام أن يحل على الأرض السلام. ومتسائلين: متى يَحِلّ على الأرض السلام!؟
ولن يَحِلّ على الأرض السلام إلا عندما تشعر "البشرية كلها"بأنها قد فاض بها من مصائب الحروب ومآسيها، ومن مُعاناة الترعيب والتخريب، والإرهاب والاغتصاب للأرضِ والعرضِ، وأنها في حاجةٍ ماسة للسلام، فترفع الرجاء لربّ السلام أن يُحِلّ سلامه على "البشرية كلها" بإخلاص وبإيمان صادق... وسيستجيب!!
«وكان في تلك الكورةِ رُعاة متَبَدّين يحرسون حراسات الليلِ على رعيتهم. واذا ملاك الربِّ وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفا عظيماً. فقال لهم الملاك لا تخافوا. فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب. إنه وُلِدَ لكم اليوم في مدينة داود مخلصٌ هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمَّطا مضجعا في مذودٍ. وظهر بغتة مع الملاك جمهورٌ من الجندِ السماويّ مُسبحين الله وقائلين: المجدُ لله في الأعالي، وعلى الارضِ السلام، وبالناسِ المسرة.» (لوقا 2: 1-14)
لم تعرف البشرية في تاريخها داعياً للسلام والحب والإخاء كيسوع المسيح. هو "الكلمـة" موجودٌ منذ البدء، في الله الواحد، مولودٌ غير مخلوق. أما ميلاده فكان في ليلة من عظيمات الليالي، صافية السماء باهرة النجوم غَلَّفها الهدوء والأمن والسكينة والطمأنينة، ليلة عصماء مُنْبِئَةً بحدثٍ عظيم. ليلة ميلاد النور والحب والسلام والرحمة والحكمة والوقار والقوة والوداعة والطهارة والعفاف والتواضع والعطاء.. كلها جميعاً في شخص القدوس الوَليد.
وكان مولده، ليلة الميلاد المقدس، بشارة ببداية العهد الجديد للبشرية جميعاً. بـدء انطلاق "موكـب النـور" قوَّته في وداعته، مَبَشّراً بـ "الكلمـة" لا غـزو ولا سبي ولا إكراه ولا اغتصاب ولا ترويع، ولا سيف ولا رمح ولا دمـاء ولا ضحايا. فتح باباً واسعاً لساحة إنسانية رحبة. سماؤها العدل وأرضها المحبة وما بينهما السلام. ودعا الجميع إلى الدخول قائلاً "أنا هو الطريق والحق والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا". هو "الكلمـة" واكتسبَ بـ "الكلمـة" الملايين من أمَمٍ وشعوبٍ، عَوامٍ وعلماءٍ، خدمٍ وملوكٍ.
هل في وصفي للسيد المسيح مُغالاةٍ؟؟... لا، فهاهي رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي، المسلم المؤمن، ينشد فيها عن السيد المسيح والمسيحية بأكثر وأروع وأدق وأصدق مما وَصَفتُ أنا. يصف شوقي ميلاد المسيح وشخصيته وحياته ودعوته. كما يذكر إيمان وأعمال تلاميذ السيد المسيح ورسله وتابعيه، وأيضاً دخول المسيحية إلى مصر وقبولها بين المصريين بترحاب واختيار واقتناع.. لا عُنـف ولا قسر ولا جِـزية ولا إكـراه:
وُلِـــدَ الرفــــقُ يـــومَ مولــــد عيــسى *** والمــروءات والهــــــدى والحـيــــاء
وازدهى الكـــون بالوليــــد وضــاءت *** بســنــاه مـن الـثـــــــرى الأرجـــــــاء
وسـرت آيــــة المسيــح كمــا يســري *** من الفجــــر في الوجـــــود الضـــياء
مـــــلأ الأرض والعـوالـــــــم نــــــوراً *** فالـثـــــرى مائــــــجٌ بــها وَضَّـــــــاء
لا وَعـيـــــدٌ، لا صَــــولة، لا انتـقــــامٌ *** لا حـســـامٌ، لا غــــــزوة، لا دمــــــاءُ
ملـــِـــكٌ جــــــاور التـــــرابَ، فـلمّــــا *** مـَـــلَّ.. نابـــت عن التـــراب الســماءُ
وأطـاعـتــــه في الإلــــــــه شـيـــــوخٌ *** خـُشــَّـــعٌ، خُضـَّـــعٌ لـــه، ضعـفـــــاء
أذعَــــنَ النـــاس والملـــــوك إلى مــا *** رسـمــوا، والعـقــــــول والعـقــــــلاء
فـلـــــهم وقـفـــــــة عـــلى كــل أرض *** وعـــلى كــــل شـــــــاطئٍ إرســـــــاء
دخلــــوا ثـيـــــــبة فأحســـن لقـيـــــــا *** هـــم رجـــــــالٌ بثـيـــــــبةٍ حُـكــَــماء
فهمـوا الســرَّ حيـن ذاقـــوا.. وسهــلٌ *** أن ينــــــال الحـقـائــــــق الفـُهــَـــماء
فــإذا الهيــــــكل المقــــــدَّس دَيـْــــــرٌ *** وإذا الـدَيـْـــــــرُ رونـــــــقٌ وبهــــــاء
وإذا ثـيبـــــــــة لعيــــــسى ومنفـيــــــ *** ــــس ونيــــــل الـثــــراء والبطحـــاء
إنمــــا الأرض والـفضــــــاء لـــــربّي *** وملــــــوك الحقـيـــــــقة الأنبـيـــــــاء
لهــم الحـــــب خالصـــا من رعــــــايا *** هــم، وكــل الهــــوى لهـم والــــولاء
إنمــــا يُنــْـــكـِرُ الـديانــــــات قـــــــومٌ *** هــم بمـــا ينكـــــــرونـه أشـقـيــــــاء
(ملحوظة: "ثيـبة" و"ممفيس" هما "طيـبة" و"منـف" من عواصم مصر الفرعونية)
بعد تلك اللوحة البديعة من أمير الشعراء، أعـود وأختم بالعامية المصرية:
نـزل الإلــَــه.. مـن سَـمــاه
مولـود.. وفي مـذوِد بقــَـر
وقــت الميــلاد
يا بهـــاه
كانت النجـوم سهرانة ما مَلـِّـت سَهـَر
ماليـة السـما كأنها.. عيــون ملايكـة تمجـِّـدُه
بتغَـنِّي للعهـد الجـديـد لحـن السـلام، وتـردِّدُه
وتهني أركان الوجـود بنـور نزولـه ومَولـِـدُه
مَلـِـك الملـُوك... مَلـِـك السـلام
رَبّ السـلام
جَمـَع البشـر على المَـوَدة والوئـام
والتعامـل باحتـرام
بَشَّـر بفَضْـل الحـُـب.. حـتى للأعـادي
والصِّفح.. حتى للي بـادي
والمغفـرة للخاطئين ورحمتــه للتـائبيـن
راعَـى الفقيــر وأكـــرَمُه
ورعَى البسيـط وقَيــِّــمُه
سـاوَى الرجال مع النساء
سـاوَى الخطـاة والأبريـاء
وسـاوَى وزن العَبـْـد يبـقى زي وَزن سـَيـِّـدُه
مَلـِـك الملـُوك... مَلـِـك السـلام
أتــــانا واكتسح الظــلام
فرش على الدنيــا المحبـة والسـلام
ما كان لـه مـال.. ولا شـال سـلاح
ولا كـان لـه جيـــش يحتـاج إليـه ليسْـنِدُه
أرسى معــالم الطريــق، للي يآمِـــــن بالطريــق
وقال: "أنـا هـو الطريـق"
والحــق مضمون الحيــاه، رَسَـمُـه طريــق ومَهــِّــده
والعَـــدل دسـتور الإلـــــه، أرسي قَـواعـدُه وأيـــِّـــدُه
وقــال لقيصَـر ما لقيصَـر، وللإلــَــــه.. مـا أوجَـــــدُه
صـار الجميـع حتى الملـُـوك تسجــد أمــامه وتعبـــدُه
يا ملـك السـلام
في عيــد ميــلادك نرفــع رجاءنــا إليـك
يا ملـك السـلام.. أعطنـا سلامَـك
افتــح عيونـنا وقلوبـنا وضمائـرنا
حتى نلجـأ إليـك.. وأنت وحـدك.. لا سواك
نرجـو سلامـك
اعـطِ مصــر والمصرييـن.. سلامَـك
اعـطِ شعــوب العــالم أجمعيـن.. سلامـك
المجد للـه في الأعالي.. وبالناس المسرة
وعلى الأرض السلام
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com