عبد المنعم هلال
لا أعرف بالتحديد لماذا أكتب تلك الكلمات و لا أدرى لماذا أكتب بشكل عام.....قد يكون هروب لعالم آخر موازٍ أستطيع أن أجد فيه حياة أخرى يختلف فيها طعم الأشياء من حولى...
أتمكن من القيام بكل ما أعجز عنه فى واقع الامر و أواجه ما أخشى مواجهته فى الحقيقه..عالم الورقة و القلم هو عالم ليس له حدود أو نطاق ...تستطيع أن تحلق لتلمس السموات بيديك و تتحسس النجوم بأصابعك....
تصنع مملكة خيالية فى أعماق البحار لم تطأها قدم قبل قدمك و لا يعرف أحد عنها شيئا....تناجى الله من فوق قمم الجبال و تتأمل السُحب و هى تحيطك من كل الجوانب لتحجب عنك الأرض بمن عليها....تقع فى غرامك ملكة الجن و تطاردك الشياطين و تَغِير منك الملائكة....
ترتكب كل الآثام أو تكون نبى دون أن يلومك أحد أو يثنى عليك أحد....إنه عالم فسيح واسع لا ينتهى تعيشه داخل عقلك و قلبك فقط و تظهر معالمه فى هيئة حروف و كلمات تخطها يداك على أوارق تحسن الإنصات جيدا لكل ما تقوله عبر قلمك....
و لكنك ما أن تضع القلم و ترفع وجهك عن الأوارق فسرعان ما أن تعود مرة أخرى إلى عالمك المحدود...إلى الواقع الذى تتحكم قوانينه فى خيالك و تحسب قواعده أنفاسك و تُحصى خطواتك...الواقع أنك لن تُحلق إلى اى مكان بعيد...إنك لن تستطيع أن تلمس السموات أو النجوم بأصابعك أو أن ترى قمم
الجبال...أنت فى الحقيقة لا تقدر حتى أن تضع قدميك على أرض غير أرضك إلا إذا كنت تمتلك نوعاً آخر من الأوراق...نوع يسمى " نقــوداً "...ذلك النوع من الأوراق يختلف تماماً عن أوراقك الأخرى التى تنصت إليك جيداً...إن النقود أوراق ملونة أكثر جمالاً من أوراقك الأولى ألوانها تُشتت العين و تسلِب العقل و تُجبِرك على أن تنصت أنت لها بأنتباه فهى توسوس فى أُذنيك حتى تسلب إرادتك فتمضى وراءها كالمسحور.....
تتحكم فيك و تصنع بك ما تشاء فقد تحملك لأعلى المناصب و الأماكن رفاهية أو تنزل بك لأسفل المراتب و أكثر الأماكن وضاعة إذا ما تَخلت عنك.... تأخذك إلى قلب أجمل النساء و تجعل منك ملكاً أقوى من ملوك الجِن أو تَهبط بك إلى أقرب قسماً للشرطه لتصبح ممسحة لأحذية ضباط و أُمناء المباحث...
لو توفرت معك تلك الأوراق السحريه فسوف تقف بالفعل فوق أعالى قمم الجبال لتناجى الله و تحيطك السحب تماماً كما تخيلت فى عالمك المواز و لكنها إذا ما لم تتوفر معك فقد تجد نفسك و قد دارت بك الدوائِر و قد يشطَح بك تفكيرك لتشُكَ من مدى فقرك فى وجود الله و فى رحمته و قد تجد أيضاً من يتلقفك فى تلك اللحظات من ضعفك و تشتتك لُيقنعك بأن هناك طريق إلى الله و يسحبك وراءه لعالم لا تدرى ما هو نهايته هل وراء قُضبان المُعتقلات تُعانى من ويلات العذاب ؟
أم أشلاء جسدك ممزقة و متناثرة فى مقهى ما كان يضم مجموعة من البشر قد فجرت نفسك بهم ظناً منك أن هذا هو طريق الجنه التى لم تجدها على الارض ؟!!!...
النقود هى الواقع و العالم الحقيقى الذى تُحاول الهروب بقلمك منه فالنقود تستطيع أن تعبر بك أجمل البحيرات و المدن و تحملك كبساط الريح لتجد نفسك تتأمل فى حقول التيوليب الهولنديه أو تغضب عليك فتعبر بك مصرف المجارى أو مَقلب قمامة كبيير لتصل إلى موقف الميكروباص أو أقرب محطة مترو للأنفاق لتواصل تأملاتك داخل عربة المترو و أنت تتنسم رحيق إبط الواقف بجوارك فى زحام كَيوم الحشر و تسأل نفسك ماهو الأقوى عذاباً ؟ هل هو العذاب داخل القبر ؟؟
أم العذاب داخل أتوبيس 919 الساعة الثالثة عصراً ؟؟!!!...شيئان فقط لا ثالث لهما تعجز أمامهما تلك اللأوراق الماكره...شيئان لا تستطيع النقود أن تسخرهما لك...لا تمنحك قلوب الناس و لا توقف إنتشار المرض فى جسدك...
لن تقدر على شراء الحب الصاف النابع من القلب دون مقابل و لن تتمكن من أن تخلصك من آلام سرطانية تنتشر فى جسدك و عقلك و روحك بجنون...فى تلك الأوقات التى تتخلى عنك فيها النقود لن تجد أحداً هناك سوى أوراقك الأولى لتحنو عليك و قلمك يأتى طوعاً ليدخل بين أصابعك فى وفاء و قد غفرا لك و كأنك لم تتخلى عنهما من قبل...إنه التسامُح الذى قد نسيته فى رحلة الحياة مع النقود و جنون اللهفة و النشوه...
تنظر لأوراقك و قلمك بإبتسامة تختلط بدوع الندم و حكمة التجارب لتسرد مشاعرك و أحاسيسك و تنصت إليك الأوارق و يخرجها من داخلك القلم من جديد فتشعر ببعض من الحب و تتخلص من قدر ولو ضئيل من آلامك...تعود لآدميتك...
التى عادة ما تفقدها فى صفقتك مع النقود...تمسك بفنك و أحلامك و علمك...عندما تكتب و تحب و تفكر تنظر إليك النقود من بعيد فى غيرة حقد...إنها لم تنال منك...فيميز قلبها غيظاً و تعُض على شفتيها...قاوم و أكتب و أحب و تمسك بفنك و مبادئك...أكتب فقط لتبقى إنسانا...لتبقى حــــــــراً...
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com