ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

البطالة مفرخة الإرهابيين

بقلم: سامي البحيري | 2015-01-02 08:10:51

(٦) حلول مبتكرة لمقاومة الاٍرهاب والتطرف
كان شقيقي الأكبر ( رحمه الله) مثل معظم أفراد أسرتنا متعاطفا مع الاخوان المسلمين منذ ان كان في الجامعة في فترة الخمسينيات، وفي أواخر أيامه في عمله اطلق لحيته وظهرت في جبهته زبيبة كبيرة من اثر السجود اثناء الصلاة واشترك في العديد من الاعمال الخيرية، وعندما كان يسأله رجال الأمن الذين يعملون معه اثناء فترة ارهاب التسعينيات في مصر عن الحل في مقاومة التطرّف والارهاب كان يقول لهم: "اذا وفرنا لكل شاب وظيفة ووفرنا لهم إمكانية الزواج والسكن، لن يكون لديهم وقت حتى للذهاب للمسجد"

أنا شخصيا جربت مرتين ان أكون بلا وظيفة عندما فقدت وظيفتي وأخذت ابحث عن وظيفة اخرى وهو شعور بائس ومحطم رغم ان ذلك قد حدث لي بعد ان تخطيت مرة الشباب، والبطالة أسوأ كثيرا من الفقر، العمل مع الفقر يعطيك أمل بالتقدم والترقي، والعمل يعطيك احساس بأنك إنسان منتج ويعطيك احساس بالانتماء للمجتمع الذي تعيش فيه.

البطالة على النقيض من ذلك يمكن ان تعطيك إحساسا بأنك منبوذ وربما تجعلك تحقد وتكره المجتمع الذي تعيش فيه، والكراهية هي بداية التطرّف والارهاب، لان الانسان الذي يصل به الامر الى ايذاء وقتل الاخر هو إنسان وصلت به الكراهية الى منتهاها، وكثير من المجرمين العاديين كان من الممكن ان يكونوا مواطنين عاديين يندمجون بالمجتمع ولكن البطالة تجعل الشخص مواطنا مهمشا لا لزوم له، بمعنى انه اذا اختفى من المجتمع فلن يتاثر المجتمع، بل على العكس ربما يرتاح منه المجتمع، لذلك اذا استمع هذا الشاب الى احد فقهاء الاٍرهاب وأقنعه بانه اذا قتل عددا من "كفار" المجتمع فانه سوف يتخلص من تلك الحياة الفانية ومن هذا المجتمع الكافر الذي لا ينتمي اليه ليس هذا فحسب ولكنه سيصعد الى الحياة الدائمة حيث جنة الخلد والحور العين في انتظاره.

البطالة من الممكن ان تقود الشاب الى مرحلة انه لا يوجد ما يبكي عليه او يخسره فليس له وظيفة وليس لديه أسرة وليس لديه منزل ، والإنسان عندما يصل به الامر الى هذه المرحلة فمن الممكن تجنيده لعمل اي شيء، ممكن تجنيده لتوزيع وبيع المخدرات وممكن تجنيده في عصابة سرقة بالاكراه وممكن تجنيده لعمل اعمال بطولية و"استشهادية" لخدمة الله والدين وما اجمل من الاستشهاد في سبيل الله والدين، وفقهاء الاٍرهاب يجدون ضالتهم في مثل هذا الشباب اليائس والبائس والذي لا حاضر له يبكي عليه ولا مستقبل يأمله الا ان ينخرط في منظمة ارهابية ناهيك على ان تلك المنظمات مثل داعش ليس فقط تعدهم بالشهادة والجنة والحور العين ولكن تعطيهم مرتبات بالدولار (عملة الكفار) و تعطيهم ايضا سكنا وزوجة من السبايا ويصبح الشاب مجندا في تنظيم داعش وما عليه الا إطلاق اللحية ولبس عمامة غريبة الشكل ويصيح من حين لآخر الله اكبر.

عرفنا مشكلة البطالة كأحد أسباب التطرّف والارهاب، فكيف يمكن تقليل نسبة البطالة في المجتمع؟ الحقيقة ان مشكلة البطالة هي مشكلة عالمية وهي اخطر ما يواجه المجتمعات في هذا القرن، لان التكنولوجيا الحديثة وثورة المعلومات تسببت في إلغاء العديد من الوظائف القديمة وفتحت المجال للعديد من الوظائف الجديدة والتي تتطلب تعليما تقنيا عاليا صعبا في معظم الأحيان، وهناك عدد من الوسائل التي يمكن اتباعها لتقليل نسبة البطالة وخلق فرص عمل جديدة:

اولا: يجب تقليل الزيادة السكانية لاقل ما يمكن في البلدان فقيرة الموارد وفقيرة في إدارة تلك الموارد، والزيادة السكانية في العديد من البلدان الفقيرة تلتهم خطط التنمية ويزداد الفقراء فقرا، وانا اعتقد ان احد أسباب نجاح الصين المذهل في الثلاثين سنة الاخيرة هو انها استطاعت فرملة الزيادة السكانية بسياسة مولود واحد لكل أسرة، أضف الى هذا حسن إدارة الموارد فظهرت تلك القفزة الهائلة في الاقتصاد الصيني حتى اصبح ينافس الاقتصاد الامريكي كأقوى اقتصاد في العالم، وإذا قارنا هذا بالهند مثلا والتي كانت تسبق الصين في التقدم والتنمية الا انها فشلت في سياستها السكانية والتي حاولتها انديرا غاندي في القرن الماضي ولكنها فشلت فشلا كبيرا وأخذت الهند في الزيادة السكانية الرهيبة والتي تضيف حوالي عشرين مليونا من البشر كل عام الى الإعداد المتخمة والفقيرة وتعداد الهند سيزيد ان لم يكن قد زاد بالفعل عن تعداد الصين.

ثانيا: اعادة النظر في سياسة التعليم لكي تتماشى مع احتياجات المجتمع، وكما ذكرت من قبل، ان كان المجتمع في حاجة الى مائة الف عامل فني ومهني سنويا في العشر سنوات القادمة، فيجب ان تكون هناك مدارس ومراكز تدريب تتولى تأهيل هذا العدد، ولا يصح ان يقوم المجتمع بتخريج مائة الف محاسب بينما لا يحتاج لأكثر من عشرة آلاف محاسب، لان هذا يخلق تسعون الف محاسب عاطل، والجامعي العاطل أسوأ كثيرا من العاطل الغير حاصل على شهادة جامعية، فالجامعي العاطل يأنف من ممارسة أعمالا كثيرة وخاصة اليدوية منها اما الغير متعلم او نصف المتعلم فلا يأنف من ممارسة اي عمل لانه يعرف جيدا ان هذا قدره.

ثالثا: اعادة التاهيل: يتوقع الكثيرون ان في هذا القرن ومع التطور التكنولوجي السريع ربما يضطر الفرد الي تبديل مهنته او تطويرها اكثر من مرة حتى يستطيع مسايرة العصر، لذلك يجب التوسع في انشاء معاهد تدريب مهنية وحرفية لتدريب العاطلين على مهن وحرف جديدة يحتاجها المجتمع اثناء تطوره السريع.

رابعا: التنمية: التنمية وتشجيع استثمارات القطاع الخاص هي أفضل وسيلة لمحاربة البطالة، لانه ببساطة شديدة القطاع الخاص هو اكبر أمل لتقليل البطالة، ودور الدولة هو ان توفر له المناخ الجيد لكي يعمل بدون معوقات وبدون بيروقراطية، وهذا لن يتأتى الا بالإقلال من حجم الحكومة لانه كلما تضخمت الحكومة كلما أدى هذا الى عرقلة استثمارات القطاع الخاص، ومرة اخرى اضرب مثلا بالصين والتى رغم انها نظريا دولة ذات عقيدة شيوعية حيث كانت الدولة تسيطر على كل وسائل الانتاج تحولت في الثلاثين سنة الاخيرة الى الاقتصاد الحر والمراقب وأفسحت المجال للقطاع الخاص والمبادرات الفردية في المجتمع مما أدى الى تلك الطفرة الرهيبة في زيادة الانتاج.

خامسا: تشجيع البرامج الاجتماعية والجمعيات الخيرية على العناية الموقتة بأسر العاطلين، وكذلك البدء في تدبير تأمين العاملين ضد البطالة، لان في هذا حفظا لكرامة الفرد اذا فقد عمله

سادسا: تشجيع المشروعات الصغيرة في القرى والاحياء الفقيرة، وممكن ان يقوم الأغنياء ورجال الاعمال بذور هام في هذا المجال، ولنا أسوة حسنة في تجربة الاقتصادي البنجلاديشي الدكتور محمد يونس والحائز على جائزة نوبل للسلام لانه ابتدع ما يسمى ببنك الفقراء، ويتلخص مشروعه في إعطاء قروض صغيرة للفقراء لعمل مشروعات صغيرة تفيد مجتمعهم وتخرجهم من الحلقة الجهنمية للبطالة والفقر.

وقد تبدو هذه حلولا بسيطة على الورق ولكنها تحتاج جهود جبارة واستثمارات هائلة، ولو انفقت أمريكا والغرب نصف ما أنفقهوه على حرب العراق وافغانستان في التنمية ومحاربة البطالة لما كان لدينا اليوم داعش واخواتها!
نقلا عن إيلاف

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com