يا له من مشهد مخيف بحمرة الدماء القانية التي تصبغه في كل بقعة من العالم، مثل شريط سينمائي من أفلام الرعب تتعدد صوره مثلما تتعدد ضحاياه. في أستراليا مسلم ذو سوابق جنائية يقتحم مقهى في سيدني ويحتجز زبائنه رهائن لمدة 16 ساعة، ثم يقتل منهم اثنين ويصيب آخرين ويبث الخوف في المدينة. في بيشاور تذبح «طالبان باكستان» أكثر من 100 طالب ومعلم داخل قاعات مدرستهم. عشرات القتلى في العراق بيد الجهاديين والمتطرفين. «داعش» يعدم 150 امرأة في الفلوجة ويقتل10 أطفال بعد تهجير عائلاتهم.تفجيرات وأشلاء بشرية في سورية تمزّقها بنادق متطرفي «داعش» و«النصرة» وقوات «نظام الأسد» والعالم يفشل في حمايتهم. إرهاب «بوكوحرام» في نيجيريا،
وآخرها خطف 191 امرأة وطفل وقتل 35 شخصاً بهجوم على قرية غومسوري النائية. وفي الصومال تنفّذ جماعة «الشباب الإسلامي» أعمالاً إرهابية وآخرها ذبح 22 راكباً في باص. في اليمن، انتحاري من عناصر «القاعدة» يفجّر حزامه الناسف قرب باص تلميذات مدرسة ابتدائية، فيقتل 20 تلميذة. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2013 انتحاريو «القاعدة» يقتحمون مستشفى العرضي العسكري ويقتلون 56 طبيباً وممرضاً ومراجعاً ويصيبون 176 شخصاً. وفي السعودية، «داعشيون» يقتلون 9 مواطنين ويجرحون 19 شخصاً في قرية الدالوة بالأحساء (شرق المملكة).
وفي قرية تابت في دارفور (غرب السودان) جنود الحكومة «الإسلامية» يقتحمون المنازل ويغتصبون 200 امرأة. من لا يموت بأسلحة المتطرفين يجب أن يحمل العار إلى الأبد بأفعالهم الفظيعة وجرائمهم المنكرة.قفزت المشاهد الدموية خلال حديث الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز قبل أيام في حفلة تسليم جائزة الأمير سلطان بن عبدالعزيز العالمية للمياه، عن الإرهاب، محذّراً من أنه لا يزال يرتع والمواقف تراوح بقوله: «الإرهاب لا يزال يرتع في كلِّ مكان، ولا توجد دولة واحدة في منجى منه، فضلاً عن تلونه في أساليبه ووسائله وأشكاله وصفاته، وإن كان هدفه الأساسي ظلّ ثابتاً لم يتغير، وهو: هدم الدولة ومؤسساتها، أو تقسيمها وتشتيت شعبها، أو فرض أفكاره ومعتقداته»، مشيراً إلى «دول بلا رئاسة أو قيادة، وأخرى انقسمت إلى دويلات وميليشيات، ودول على شفا حرب أهلية. فُقد الأمن الاجتماعي، وعاد الزمن إلى عصور سحيقة مظلمة، فالنساء تُغتصب وتُسْبى باسم الشريعة، والفتيات والفتيان يباعون جواري وعبيداً، والأطفال يختطفون إلى معسكرات يُربَّون على غلظة القلب وقسوته، والقتل على الهوية أو المعتقد جائز، بل واجب شرعي، والكل يتمسّح بالإسلام العظيم، وشريعته السمحاء، وهو منهم براء، فهم يعرفون اسمه، ولا يدركون حقيقته».
ولعلّ حديث الأمير خالد بن سلطان وآخرين يُغني عن كل مشهد وصورة، ويؤكد أن العالم يواجه حالاً غير مسبوقة من التوتر والاضطراب، نتيجة ظهور حركات إسلامية إجرامية لا تؤمن إلا بالقتل والتكفير والتفجير والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة.هل نكتفي بالتحول إلى متفرجين وحريق التطرف ينتاشنا في كل بقاع العالم باسم الإسلام؟ هل نكتفي بترديد أن الإسلام ليس تربة للإرهاب، وأن أهله ليسوا متطرفين إرهابيين؟ وأن الإرهاب لا يعدو أن يكون ظاهرة عابرة وسحابة صيف لا تلبث أن تنقشع؟ يجب أن نثبت للإنسانية صدق تلك الحقائق، فقد تعدى ضرر التطرف واختطاف الإسلام حدود العالمين العربي والإسلامي، وأضحى يستهدف الإنسانية جمعاء في كل مكان وزمان.
لا بد من القيام بالجهد الكافي والملموس، للخروج من حالنا اليوم الذي يصطبغ بالوهن والهزيمة والارتداد للوراء والنكوص المخيف، ونبذ خطاب العنف والكراهية والتحريض والفرقة الطائفية والمذهبية، بالتصدي للقتلة الإرهابيين وللفكر الزائف، وتجديد الخطاب الديني صدقاً لا تسويفاً. لقد سبق أن حذّر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز المشايخ والدعاة بقوله: «ترى فيكم كسل وفيكم صمت وفيكم أمر ما هو واجب عليكم». وعلى رغم ذلك هناك من يعاني من متلازمة «الكسل» ولم ينبس ببنت شفة!!
الحالة الراهنة تقتضي المكاشفة بالحقيقة، وأن نصدع بالقول بلا مواربة، فالمشكلة أضحت تهدد وجودنا، بل تهدد العالم كله، إننا يجب ألا نقتل الجناة ونترك أفكارهم حية تجول وسطنا، وعلى مرأى ومسمع من الأنظمة والحكومات التي تخشاهم أكثر من مواطنيها المسالمين. القضاء على المتطرفين لن يتحقق بقتلهم وحدهم، بل يجب أن نقتل معهم أفكارهم المشوّهة، وعقائدهم الضالة، وفتاواهم المنحرفة. وهي مسؤولية تتعدى حدود مسؤوليات الدول والتكتلات، لتطرق أبواب عقولنا وتحضنا على التفكير الجماعي في أنجع السبل لقتل التطرف في مكمنه. إنها مسؤولية المجتمع العربي المسلم في كل مكان، وإلا فإن الكارثة مقبلة لتدمرنا في كل قرية ومدينة على ظهر هذا الكوكب.يجب أن يتحرك الجميع، وأن تشارك الغالبية الصامتة في الدفاع عن دينها، وإيضاح حجم خطأ ما تتبناه الحركات المتطرفة والجهادية. يجب عدم التوقف عند كلمة «الإرهاب لا يمثلنا» بل ما يحدث اليوم هو باسم الإسلام، أين نحن من مواجهة هؤلاء الذين أساؤوا لصورة الإسلام وألصقوا به كل التهم وحاولوا تشويهه في كل مكان!!
إن ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية من ترويع للآمنين، وقتل الأبرياء، والاعتداء على الأعراض والأموال وانتهاك الحرمات «شيء مروّع وفظيع»، تهدف من ورائه تلك الجماعات لاستهداف الأوطان والبلدان وصولاً إلى التشويه والتفتيت، حتى لا يبقى إسلام، ولا تبقى دول. ويبقى فقط إسلام يفصّلونه على «مقاسهم» يدّعي أولئك المتطرفون القتلة أنه وحده الإسلام.
أيضاً، لا بد من مواجهة المتلونين والمبررين والمتعاطفين والمنافقين والمتخاذلين، والعمل على تفكيك الخطاب المتطرف ومواجهة أصحابه، وكشف المناخات والأرضيات التي تحتضنه، وفضح رواده وشيوخه ومن يبرر لهم أو يتعاطف معهم، لأن هدفهم هو مص الدماء وخطف الأمن والناس والبلدان.
نقلا عن إيلاف
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com