هل يمكن ألا تستدعى واقعة إغلاق مقهى بدعوى أن رواده من الملحدين واقعة أخرى قديمة تكاد أن تتطابق مع هذه الواقعة الأخيرة مع الاختلاف فى التفاصيل، وهى واقعة القبض على عبدة الشيطان، وهم مجموعة من الشباب تم اتهامهم بممارسة عبادة الشيطان.. وإن اختلفت التفاصيل إلا أن المناخ السياسى المصاحب يكاد أن يتفق، فقد تزامنت قصة عبدة الشيطان مع إعلان الحرب على الإرهاب فى التسعينيات، تماما كما تتزامن قصة إغلاق مقهى الملحدين مع مواجهتنا للإرهاب فى حرب أكثر حدة وضراوة من التسعينيات، لكن هل يستقيم أن نواجه هذه الحرب بنفس الطريقة ونفس الأسلوب الذى اتبعناه فى التسعينيات، بل بنفس الأخطاء التى ارتكبتها الأجهزة الأمنية فى ذلك الوقت، والتى تلخصت فى السقوط فى هاوية الابتزاز الذى يدفعها للتأكيد على أنها أكثر تمسكا بالدين والعادات والتقاليد ممن يواجهونهم؟.
الأسوأ حقا أن نجد الشرطة والأجهزة تطارد رواد مقهى، بدعوى معتقداتهم التى تتلخص فى الإلحاد، كما قيل، وكأنما نحن نفتش فى العقول والقلوب لنخرج ما فيها بينما مازال الناس يقتلون فى شوارعنا من العصابات التى تهاجم الأفراد للاستيلاء على السيارات، كما حدث فى الواقعة الأخيرة التى حدثت أمام كارفور المعادى، والتى أودت بحياة طفل صغير كان بصحبة والده على يد من حاولوا سرقة السيارة وأطلقوا عليهم النيران.
لم تُجد قصة عبدة الشيطان شيئا فى الماضى، كما لن تجدى قصة مقهى الملحدين شيئا الآن سوى التأكيد على أن الأجهزة الأمنية ليس لديها جديد فى أسلوب مواجهة الإرهاب إما لأنها تخضع لنفس الابتزاز وإما لأنها تتصور أن مثل هذه القضايا تؤثر على الناس بتشتيت انتباههم بعيدا عن كثير مما يجرى. الواقع أن هذه القصة وما سبقها من قصص- ليس آخرها ما سمى بحمام الشواذ- لا يثير سوى الإحساس بالقلق لدى الكثيرين عن حقيقة أولويات الأجهزة الأمنية، وهى تواجه حربا أشرس من أى حرب خاضتها من قبل، حيث تواجهها فى أوج ضرباتها كما تواجهها على مختلف الجبهات، مما يستتبع التركيز الشديد على أخطر ما يواجهنا وليس محاولة التأكيد على الالتزام الدينى والالتزام الأخلاقى بعيدا حتى عما يتطلبه القانون المعمول به والمطلوب تطبيقه.
لقد مررنا من قبل بنفس السيناريو، لذا يبدو الأمر وكأنما نشاهد فيلما سبق أن عشناه وليس شاهدناه فقط، ونعرف تماما نهايته المأساوية التى لا تصب فى مصلحة الحرب على الإرهاب ولا فى مصلحة بناء دولة مدنية حديثة، والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هو: هل من المنطقى أن نعرف نحن المشاهدين نهاية هذا الفيلم المعاد وألا تعرفه الأجهزة التى سبق أن ألفته وأخرجته وعرضته لنا؟.
لا نملك فرصة الوقوع فى الخطأ، بل لا نملك فرصة تكرار نفس الأخطاء، فلم يكن مفهوما من قبل أن تسقط الأجهزة الأمنية فى هوة الابتزاز، ولا أن تلجأ لحيلة استخدام مثل هذه القضايا لتشتيت الانتباه، ولا يمكننا أن نفهم الآن فى هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا أن يتم اللجوء لهذه الأساليب البالية، بل أن يكون هناك أدنى تصور أن تأتى بنتائج حقيقية.. كل ذلك لا يؤكد سوى شىء واحد هو أننا لم نتغير بعد، وأن الصمت على تكرار الأخطاء يجرنا أكثر وأكثر إلى العودة لما كنا عليه من قبل.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com