بقلم د. ناجح إبراهيم
حكم مبارك وصدام والقذافى وبن على بلادهم فترة طويلة.. كان صدام يهوى القتل، حتى إنه قتل أصهاره ووزير الصحة، وضرب الأكراد بالأسلحة الكيماوية.. وفعل قريبا من ذلك القذافى.. فقُتِل الرجلان. وكان بن على يهوى طرد معارضيه ونفيهم.فطُرد من تونس مع أسرته.
أما مبارك فقد كانت هوايته المفضلة سجن خصومه، حتى إن عدد الذين اعتقلوا أو سجنوا فى عهده كانوا بالآلاف.. حتى إن الرهائن فى التسعينيات بلغ عددهم ألفا.. والرهائن هم أقارب أو أصدقاء أو جيران المطلوب القبض عليه.. وتُنسى الرهينة فى المعتقل سنوات.. وكانت هناك أسر بكاملها فى السجن.. فكان هناك أب وأربعة من أولاده.. أو خمسة أشقاء أو عشرة من أسرة واحدة.. وقد حكم مبارك بالطوارئ ٣٠ عاما متواصلة.. ولم يكْفِه قانون الطوارئ، فكان يتم الالتفاف عليه.. فجُوزِىَ بمثل عمله.. وسُجن مع ولديه.. وقد تحسنت السجون فى آخر عهد مبارك، وأُفرج عن الآلاف وأُحسن إليهم.. فأحسن الله إليه بالفرج بعد اليأس، ليريه الحالتين.. فكل رئيس منهم عوقب بفعله «والجزاء من جنس العمل»، «وكما تدين تُدان».
ومبارك حاول اختصار حرب أكتوبر فى الضربة الجوية، وظلم رؤساءه وزملاءه فيها بإقصائهم من التاريخ.. فإذا بآخرين يقصونه منها بعد الثورة.. وكأنه لم يكن موجودا.. ليتكرر الإقصاء المتبادل عبر أزمان مصر كلها.
لقد بدأ مبارك حياته عسكريا منضبطا كفئا يواصل الليل بالنهار عطاء واجتهادا وتوج ذلك الجهد بقيادته سلاح الجو المصرى فى نصر أكتوبر.
فاستمر مشواره العسكرى ٣٠ عاما كاملة.. أعقبها تربعه على عرش مصر.
فخرجت له شياطين السلطة التى لا تترك عسكريا ولا مدنيا ولا إسلاميا ولا ليبراليا إلا وتخرج له.
ثم ظهر له شياطين حول جمال مبارك وأتباعه، فحولوا الحسنات القليلة فى أول عهده إلى سيئات وتدهورت مصر بشدة وأصبح ربع المصريين يعيشون تحت خط الفقر وتفشى الفساد والرشوة والمحسوبية وتوريث الوظائف لمن لا يستحقها.
وغلبت الواسطة أو الرشوة على الكفاءة والأمانة.. وتمت خصخصة الوظيفة العامة وبزنسة كل شىء، حتى فى رئاسة الجمهورية نفسها.. وزُوّرت الانتخابات حتى بلغت فجاجتها قبل الثورة بقليل.. وأُهملت سائر الخدمات.. وتخلفت الصناعة والزراعة والبحث العلمى وتوقفت المشروعات الكبرى ودخلت مصر ثلاجة التجميد.. ومن يريد أن يدرك حجم ما أصاب مصر فليقارنها بإسرائيل التى استغلت سنوات السلام بقوة.. فأصبحت صادراتها الزراعية أضعاف صادرات مصر وثلاث دول عربية.. رغم أنهم لا يملكون حتى ترعة.. فى الوقت الذى لوثنا فيه نهر النيل، وهو من أنهار الجنة.
ولم تتقدم مصر إلا فى ضحايا حوادث الطريق، فأصبحت الأولى.. ونالت الرقم الأول فى الإصابة بالفيروسات الكبدية.. ونسبة الأمية زادت على ٣٠%، فى الوقت الذى لا يعانى فيه الشعب الفلسطينى المحاصَر من الأمية.
والخلاصة أن مبارك أحسن فى ثلاثين عاما وأساء فى مثلها.
وكأن الله قد قال له: أعطيتك مقابل ثلاثين البذل والعطاء الحكم مثلها، لتُصلح، فأفسدتَّ.. فانتهى رصيدك عندنا.
وانتهت أعظم فرصة أعطيت لحاكم.
ومبارك لم يكن يحب العفو، حتى إنه قال: لم أعف عن أحد»، وكأنه فخر.. مع أن العفو زكاة للقدرة والملك والحكم.. فسجن قائده العظيم/ الشاذلى.
رغم أن خلافه كان مع السادات.. وتركه يمضى العقوبة كأى سجين.. وكأنه لص لا صانع لأعظم نصر مصرى.
ومن قبلها أعاد امرأة سجينة للسجن لتقضى بقية فترتها، بعد أن سلمها جائزة حفظ القرآن فى حفل ليلة القدر، دون أن يدرك عرف كل الرؤساء والملوك إذا صافحوا سجينا أو معتقلا، فمن العار أن يعود للسجن.
لقد كان شحيح العواطف، نادر العفو، حتى عن الأبطال والعظام، وكأن قلبه قُُدَّ من صخر.
وإذا بالملايين لا تلتفت لسنه وصحته ولا ترغب فى العفو عنه جزاء وفاقا.. فمَن لم يعفُ عن الناس يجازَ بمثل عمله.
إنها حياة ثرية بالعبر أسوقها لنفسى ولغيرى دون شماتة.
فالقلوب المريضة هى التى تشمت فى الآخرين أو تفرح لسجنهم، حتى لو سُجن أسرهم وأهلوهم.
إننى أدعو مبارك إلى أن يستغل الباقى من عمره ليتحلل من تلقاء نفسه من كل مظلمة فعلها، قبل أن يأتى «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com