واجهت الحكومة الائتلافية في إسرائيل مصاعب جمة من أجل التوصل إلى سياسات متماسكة إزاء سلسلة من التحديات خلال فترتها القصيرة والمضطربة، لكنها تمكنت من تلبية أحد التوقعات على الأقل، وهي أنها لم تدم طويلا في إدارتها لشؤون الحكم.
ظهرت خلافات علنية بين شخصيات رئيسية في الحكومة حول طريقة خوض حرب الصيف الماضي في قطاع غزة، وبالرغم من أن الحكومة تمكنت من ترشيح أحد الوزراء للتحدث للفلسطينيين، فإنها لم تتفق مطلقا على ما يمكن أن يطرحوه لهم.
منحت الأحداث المثيرة على الساحة السياسية في الأيام القليلة الماضية الناخبين في إسرائيل رؤية أكثر وضوحا حول شكل الحكومة في العامين الأخيرين، وهي حكومة منقسمة ومختلة وتعاني من شكوك متبادلة.
ويشكو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أن وزراء كبارا في الحكومة، مثل يائير لابيد (وزير المالية)، وتسيبي ليفني (وزيرة العدل) كانا يخططان للتخلص منه، وتقويض سياساته وتجاهل تعليماته.
ورسم الاثنان صورة لرئيس وزراء يرأس انهيارا فوضويا بدون شخصية قوية.
ونقلت تقارير عن لابيد قوله كيف أنه أمر بطلب قهوة كوزير للمالية واكتشف قبل أن تقدم له أنه أصبح زعيما للمعارضة.
وقالت ليفني إنها قضت 45 دقيقة في مناسبة عامة مع نتنياهو دون أن يتحدث معها مطلقا طوال هذه الفعالية، لكنه اتصل بها هاتفيا في وقت لاحق ليقيلها من منصبها فور عودته إلى سيارته.
وليست هذه هي القصة الوحيدة بشأن تلاقي الأفكار الأيديولوجية التي سارت في مسار خاطئ، بل إن الأمر يتعلق بزواج مصلحة مضطرب.
شخصية معروفة
في أعقاب الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2013، وجد بنيامين نتنياهو نفسه للمرة الثالثة في وضع يمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية، وواجه خيارا محددا.
وبجانب شريك سابق، هو حزب "إسرائيل بيتنا" الذي ينتمي إليه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، الذي أشرف على قائمة مشتركة من الناخبين مع حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو، كان أمام نتنياهو خيارات عديدة تسمح له بتحقيق الحد الأدنى المطلوب لتحقيق أغلبية برلمانية.
كان بإمكان نتنياهو التحالف مع أحزاب دينية صغيرة تمثل اليهود المتشددين، أو اختيار تحالف علماني يميل قليلا إلى الوسط. وفي النهاية، استقر على الخيار الثاني.
كل من لابيد وتسيبي ليفني يقولان إنهما أقيلا من الحكومة بدون سابق إنذار.
وكان هذا يعني التحالف مع تسيبي ليفني، وهي وزيرة خارجية سابقة كانت تتبنى مواقف أكثر ليونة نسبيا إزاء القضية الفلسطينية، ومع يائير لابيد، وهو اسم شهير في إسرائيل كمذيع تلفزيوني.
نجح لابيد في أول مساعيه لدخول البرلمان رئيسا لحزب "يش عتيد"، الذي شكل حديثا، في أن يتبوأ موقعا بارزا ومؤثرا على الساحة السياسية.
ولا يوجد توافق ايديولوجي طبيعي بين كل من تسيبي ليفني ولابيد من ناحية، ورئيس الوزراء نتنياهو من ناحية أخرى، ولذا كانت التناقضات، التي أسقطت التحالف، موجودة منذ البداية.
ولا يمثل أي من هذا كله صدمة في عالم السياسة الإسرائيلية، فالحكومة الائتلافية الحالية هي الحكومة الـ33 التي تشكل على مدى 66 عاما منذ تأسيس إسرائيل.
ويمكن لاستطلاع رأي واحد على الأقل أن يوضح أن معظم الإسرائيليين غير مقتنعين بالفعل بضرورة حل البرلمان، وذكرت صحيفة "هآرتس" التي تتمتع بنفوذ قوي بأن الانتخابات القادمة لا داعي لها.
مفاوضات صعبة
لكن فكرة وجود حكومة قصيرة الأمد لا تمثل صدمة هنا؟
يراهن نتنياهو بشكل واضح على أنه من خلال إجراء انتخابات مبكرة سيضع نفسه في موقف يمكنه من تشكل ائتلاف جديد يمكن أن يثبت قدرته على الحكم لفترة أطول.
ونتنياهو بالفعل هو ثاني رئيس وزراء يشغل أطول فترة في هذا المنصب في تاريخ إسرائيل.
وإذا تمكن البرلمان المقبل من البقاء لفترة كاملة لخمس سنوات، وهو أمر غير محتمل بشكل كبير جدا، فإن نتنياهو سيزاحم حينها أول رئيس وزراء لإسرائيل وهو ديفيد بن غوريون كرئيس وزراء شغل منصبه لأطول فترة.
تسيبي ليفني اتهمت نتنياهو بالجبن حينما قرر إقالتها من منصبها.
والمسار الأكثر احتمالا لأن يسلكه نتنياهو سيكون بشكل شبه مؤكد هو إعادة الأحزاب الدينية المتشددة بجانب نفتالي بينيت وزير الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينتمي لحزب البيت اليهودي المتشدد، ثم إضافة مجموعة من الأحزاب الصغيرة من خلال منحها حقائب وزارية جذابة أو تبني واحدة أو اثنتين من سياساتها.
ويمكن رؤية السبب في التكهن بأن الجولة المقبلة من مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي ربما تكون أصعب مما هو معتاد.
لكن المشهد السياسي في إسرائيلي مليء بالأحداث وشديد التقلب.
قبل إجراء الانتخابات الأخيرة عام 2013، كان يتوقع بصورة شبه مؤكدة إلى أن نتنياهو سيكون في وضع يمكنه من بناء ائتلاف جديد في هذه الانتخابات.
وويبدو هذا في عام 2015، أكثر احتمالا من أي نتائج أخرى، لكنه يبدو أيضا غير مؤكد بشكل كبير.
أحد العوامل التي تجعل المستقبل السياسي القريب في إسرائيل ضبابيا هو سرعة زوال بعض الأحزاب السياسية في إسرائيل التي توصف بأنها أحزاب تكتسب شهرتها وفقا "لمزاج عام" طارئ، أو التي تكتسب "شهرتها لفترة قصيرة فقط".
غموض
أحدث وأقوى الأمثلة على هذه الأحزاب هو حزب كاديما الذي ينتمي لجناح الوسط والذي كان الحزب الرئيسي في الحكومة في عام 2009، لكن عضوين فقط من كاديما موجودان الآن في الكنيست الحالي، وقد يختفي وجوده السياسي تماما بسهولة في الانتخابات القادمة.
وجاء "يش عتيد" الذي ينتمي إليه لابيد بالفعل للساحة السياسية بصورة مفاجئة في الانتخابات الأخيرة ليأخذ بعض أصوات حزب كاديما وليشكل وجودا برلمانيا قويا.
وقد يتراجع وجود "يش عتيد" بقوة في انتخابات عام 2015 في الوقت الذي يستعد فيه حزب آخر جديد ومؤثر حاليا بقيادة الوزير السابق موشيه كحلون للدخول في المنافسة.
وكحلون هو وزير سابق من حزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو، اكتسب شهرة من خلال خفض الأسعار الهائلة للهواتف المحمولة في إسرائيل حينما فتح سوق الهواتف خلال فترة توليه منصبه وزيرا للاتصالات.
الوزير السابق موشيه كحلون قد يكون عنصر المفاجئة في الانتخابات المتوقعة عام 2015.
وذكرت تقارير أن كحلون بدأ تأسيس حزب جديد، وقد يكون هو المفاجئة للساحة السياسية في إسرائيل هذه المرة كما فعل لابيد المرة السابقة.
ويساعد وجود كحلون في إضفاء قدر من الغموض على الوضع السياسي بالإضافة إلى إجراء تقني جديد، وهو زيادة الحد الأدنى المطلوب لدخول الحزب للبرلمان بواقع 2 في المئة ليصل إلى 3.25 في المئة من الأصوات، وهو ما يجعل توقعات استطلاعات الرأي حتى أصعب من المعتاد.
هناك الكثير مما يجب متابعته في الفترة القادمة.
فقد تتجمع الأحزاب التي تمثل الفلسطينيين في إسرائيل في قائمة واحدة هذه المرة، وهو ما قد يزيد من تأثيرها، لكنهم سيظلون يمثلون جزءا من العملية السياسية، وليس جزءا من صنع القرار.
والوضع السياسي في إسرائيل مثير دائما، لكن أيا كانت تطورات الوضع في المستقبل المنظور فإن رئيس الوزراء سيواجه نفس المشاكل التي أرقت من سبقه، وهي الاقتصاد، والقضية الفلسطينية، والأوضاع المتقلبة والمضطربة في الشرق الأوسط.
هناك بعض الأشياء لا تتغير مطلقا.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com