إعداد:ماجد كامل
مقدمة :-
لعبت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية بإبائها العظام دورا هاما وخطيرا في تشكيل اللاهوت المسيحي خلال القرون الأربعة الأولي من انتشار المسيحية ؛ والمؤسس الأول لهذه المدرسة هو القديس مارمرقس الرسول ؛ وفي هذا المقال سوف نعرض للدافع إلي إنشاء هذه المدرسة ؛ثم سمات وملامح ومنهج هذه المدرسة ثم اشهر مديري هذه المدرسة وأخيرا نعرض للقديس كليمندس السكندري كنموذج تطبيقي لهذه المدرسة .
أولا :- الدافع إلي إنشاء المدرسة :-
كان يوجد أصلا مدرسة الإسكندرية الوثنية بمكتبتها ذات الشهرة العالمية ؛ وكانت توجد حاجة ماسة إلي نشأة مدرسة مسيحية لمواجهة هذه المدرسة ؛ وكان المؤسس الأول لها هو القديس مار مرقس الرسول وذلك عام 61 م تقريبا .
سمات وملامح ومنهج هذه المدرسة :-
1- بدأت هذه المدرسة تضم الطلبة من كل الاجناس ؛يهودا وأمم ؛ رجال ونساء ؛ أسياد وعبيد
2-لم تقتصر المدرسة في دراستها علي اللاهوت وحده وإنما قامت الدراسة فيها علي الموسوعية الشاملة فكانت تدرس الفلسفة والعلوم بجانب دراسة اللاهوت
3- أخذت المدرسة بمبدأ التدرج في الدراسة . فكانت تدرس في السنة الأولي علوم الفلك والطب والفنون والطب ؛ وفي السنة الثانية كانت تدرس الفلسفة بجميع مدارسها
وفي السنة الثالثة كانت تدرس اللاهوت وعلوم الكتاب المقدس
4- امتازت هذه المدرسة بعدم الفصل بين الدراسة النظرية والحياة الإيمانية التقوية. فكان الأساتذة مع التلاميذ يمارسون الصوم والصلاة الجماعية مع الدراسة.
5- انفتاح المؤمن الدارس بالحب علي كل البشرية ؛والاشتياق الي خلاص الكل .
6 -عرفت المدرسة بتفتحها العقلي علي جميع المدارس الفلسفية المعروفة في عصرها دون تزمت أو ضيق أفق وهذه الصفة كانت اشد ما تكون وضوحا عند القديس كليمندس السكندري تحديدا .
7- عرفت المدرسة باهتمامها بالبحث العلمي ؛ فلم يكن الأساتذة مجرد محاضرين يلقنون الطلبة مواد محفوظة ؛ بل كانوا يحثونهم علي التفكير والبحث والمناقشة .
8- - قامت المدرسة علي العلاقات الشخصية بين الطلبة والأساتذة فكان الأساتذة يجتمعون مع الطلبة في البيوت وهكذا ارتبط الطلبة بالأساتذة أكثر من المبني
9-- - اشتهرت مدرسة الإسكندرية باحترامها الشديد للفلسفة واشتهر آبائها بالموائمة بين الفلسفة واللاهوت فكانت المدرسة هي البوتقة التي تمت فيها هذه المواءمة .
10- كان التعليم فيها بطريقة السؤال والجواب ؛ وهو ما عرف في كتب التاريخ بالكاتشيزم Catechism ؛ فلم يعتمدوا في التعليم علي النصوص الكتابية وحدها ؛بل دعت الي إعمال العقل واستخدام البراهين المستمدة من الطبيعة وقوانين الفكر الضرورية .
11--من حيث منهج التفسير اشتهرت مدرسة الإسكندرية اللاهوتية باستخدام منهج التفسير الرمزي في دراسة الكتاب المقدس عكس منهج مدرسة إنطاكية التي التزمت بمنهج التفسير الحرفي ولقد أثبتت الخبرة العملية حاجة الكنيسة إلي مناهج تفسير كل من المدرستين
- من قلب مدرسة الإسكندرية اللاهوتية خرج ما يعرف في التاريخ الكنسي بالآباء المدافعون 12 الذين تولوا الدفاع عن الديانة المسيحية ضد هجمات الوثنيين واليهود .
12– اشهر معلمي مدرسة الإسكندرية هم :-
ا- يسطس – اثيناغوراس
ب- بنتينوس – كليمندس
ج-كليمندس – اوريجانوس
د- ياروكلاس – ديونيسيوس
هـ-القديس ديديموس الضرير
القديس كليمندس السكندري
150 -215
مولده ونشأته :-
ولد القديس كليمندس واسمه بالكامل هو "تيطس فلافيوس كليمندس" بمدينة الإسكندرية من أبوين وثنيين ومن شدة حبه للمعرفة طاف بلاد العالم المشهورة بالمعرفة مثل أثينا وروما وفلسطين . وعند عودته إلي مدينة الإسكندرية اهتم بحضور محاضرات القديس بنتينوس الذي امن بعبقرية تلميذه فهداه إلي الإيمان المسيحي حتي امن واعتمد ؛ وبعد وفاة بنتينوس صار هو مدير المدرسة .
هروبه من الاضطهاد :-
في أثناء اضطهاد سبتميوس ساويرس عام 202 هرب القديس كليمندس من الإسكندرية ليس عن خوف ولكن حرصا علي استمرار رسالته في المدرسة اللاهوتية وعاد بعد نهاية الاضطهاد ؛ واستمر في التعليم وإدارة المدرسة حتي تنيح بسلام عام 215 أو 216 علي وجه التقريب .
أهم ملامح فكره :-
يذكر التاريخ عن القديس كليمندس السكندري أنه قرأ كل كتب زمانه تقريبا ؛حتي أن أسماء الكتب التي أشار اليها في كتبه المحفوظة لدينا تملأ أكثر من 45 صفحة من القطع الكبير . ولقد استشهد بالعهد القديم في كتاباته أكثر من 1500 مرة ؛ وبالعهد الجديد أكثر من 2000 مرة ؛وبالأدب اليوناني شعرا ونثرا أكثر من 360 مرة . وعندما واجهه بعض المتشددين وقالوا له " إن العلم والمعرفة قد يزعزعا الإيمان " رد عليهم وقال " إن إيمانا بمثل هذه السهولة والبساطة خير له أن يضيع " .
أهم كتاباته :-
للقديس كليمندس ثلاثة كتب رئيسية وهي :-
1-نصيحة للوثنيين
2-المربي
3-المتفرقات
ويلاحظ من ترتيب هذه الكتب الثلاثة مبدأ التدرج الذي يتطابق مع مبدأ مدرسة الإسكندرية وهذا التدرج قائم علي :-
1-اهتداء الوثنيين إلي المسيحية"نصيحة إلي الوثنيين"
2-ممارسة الحياة المسيحية طبقا لتعاليم للإنجيل "المربي"
3-تعليم المسيحي بلوغ ما اسماه بكمال المعرفة الإنسانية "المتفرقات"
أولا :- نصيحة للوثنيين :-
ويثبت فيه تفاهة الوثنية وسمو المسيحية ويحض الأمم علي ترك الوثنية والإيمان بالمسيح
ثانيا :- كتاب المربي :-
وهو امتداد للكتاب الأول ويتكون من ثلاثة أجزاء :-
ا- الجزء الأول يعلن فيه عن شخصية المربي
ب-الجزء الثاني يعالج فيه بعض المسائل السلوكية مثل الطعام والشراب والملابس الثمينة
ج- الجزء الثالث يعالج فيه مفهوم الجمال الحقيقي والفن الحقيقي وأهمية ممارسة التمرينات الرياضية
ثالثا المتفرقات :-
ويعتبر من أهم كتبه ويتكون من مجموعة من المقالات المتناثرة واسماه بالسجادة ويتناول فيه أهمية المعرفة والفلسفة في تثبيت الإيمان المسيحي Stromata
:- نماذج من كتابات القديس كليمندس السكندري
+ الإنسان المسيحي يلتهب شوقا نحو المعرفة
+ لا إيمان بدون معرفة ولا معرفة بدون إيمان
+أن كثرة معرفة الحق سوف تمنح من يملكها حياة
+الذي ادعوه عالما بحق ذلك الذي يسخر كل الأشياء لدعم الحق وإظهاره من خلال علوم كالهندسة والموسيقي والنحو والفلسفة منتخبا منها ما هو ذو فائدة يسعى لحماية الإيمان والدفاع عن العقيدة ضد من يهاجمها
+عندما نستعرض تلك العقائد والنظريات التي تعتنقها تلك المدارس الفلسفية سوف نجد فيها بعض الحق ؛ وليست كلها بعيدة عن الصواب
+ الفلسفة بصفته بحثا مستمرا للوصول إلي الحقيقة هي تساهم في إدراك وفهم الحقيقة
+ كان يسخر من الآباء الذين يخافون من الفلسفة ويشبهم بخوف الطفل من لابس القناع
سمات الغنوسي في كتابات القديس كليمندس السكندري :-
الغنوسي الحقيقي يجب ان يتسم ب :-
1- محب للمعرفة ؛بل يلتهب قلبه شوق نحو المعرفة
2- يطلب الصلاح لأجل ذاته وليس خوفا من العقاب
3- ل يخضع الإنسان الغنوسي لألام النفس فلا يستطيع أي أمر أن ينزع منه محبة الله ؛ ولا يغضب بسبب أي ألم نفسي إذ يري الله خلف كل تجربة
4- يجب ان يكون ممتليء حبا ؛ فبالحب تدخل النفس الي كمال معرفة الله فتنسحب من سيلبيتها التي كانت تعيشها سابقا
5- يجب ان يهتم اولا بخلاص نفسه ؛ ثم بخلاص نفوس الآخرين معه
6- لا يخشي الإنسان الغنوسي الموت لأن له الضمير الصالح المتهييء قلبه لمعاينة الله في كل وقت
7- يجب ان يكون رجل صلاة ؛فحياته كلها يجب أن تكون صلاة وحديث مستمر مع الله
8- الغنوسي إنسان شهيد بدون سفك دم ؛ لأن الإستشهاد لا يعني فقط الموت انما الشهادة الحية لأسم السيد المسيح .
والخلاصة أننا إذا أردنا أن نحدد سمان فكر القديس كليمندس السكندري يمكن أن نقول عنه :-
1- 1- أبو الصلاة الدائمة والروحانية النسكية التي وضحت أكثر من بعده في تلميذه العلامة أوريجانوس .
2- هو رجل الحوار والمناقشات دون المساومة علي عقيدته .
3- هو مرب من الطراز الممتاز ؛علي غرار معلمه السيد المسيح .
4- هو رجل الإيمان والكتاب المقدس .
5- هو رجل الدقة والوضوح في تعاليمه التي أرشدت الكثيرين إلي السيد المسيح وإلي الكنيسة .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com