بقلم: مهندس عزمي إبراهيم
دام الاستعمار العربي لمصر من عام 641م حتى سنة 877م حين استقل بها أحمد بن طولون استقلالا تاماً عن الخليفة العباسية. 236 سنة فقط هي كل مدة علاقة مصر بالحكم الاستعماري العربي مباشرة.
ليست هناك أمة على سطح الأرض، كبيرة أو صغيرة، مَجيدة أو لا مَجد لها، قوية أو حتى مستضعفة، تستسلم لمستعمِرها بعد زواحه عنها بقرون. وتلتصق به وتمجده وتفخر بانتمائها وبتبعيتها له بعد أن اغتصبها بحد السيف وسفك دماء مواطنيها. وسلب خيراتها ونهب أموالها ومواردها وأذل رجالها وهتك أعراض نسائها. خاصة أن المستعمِر أقل منها حضارة وتاريخاً وعرقاً ومجداً وثقافة وإنتاجاً وإبداعاً. وأنه جاء إليها حافياً جائعاً جاهلاً متوحشاً... إلا إذا كانت أمة فقدت وَعيها، ووصل بأفرادها الغباء والعَته والخنوع العقلي والنفسي.
ولمن يريد أن يغضب من وصفي لتلك الحالة بالعَته، أقدم له بعضاً من معنى كلمة "العَته" فهو "انحطاط غير طبيعيّ للملكات العقليَّة والتَّوازن العاطفيّ نتيجة مرض أو خلل في الدماغ " وهذا ما تعانيه بضعة ملايين من المصريين يقولون أننا عرباً!! ملايين فقدوا الإحساس بالولاء لوطنهم والانتماء لأصولهم، أي فقدوا الفخر الوطني والقومية الذاتية، أهدروا فخرهم المستحق لوطن من أعظم أوطان العالم شعباً وآثاراً وأعرقها إسماً وحضارة، وتمسكوا بأهداب صحراوية مهلهلة لا حضارة لها إطلاقاً. ومن يقول "الديــن" أقول الدين إيمان وعلاقة بالله وليس حضارة.
العرب استعمروا مصر كما استعمرها الهكسوس والأشوريين والفرس والاغريق والرومان والأتراك والفرنس والانجليز. اغتنموا جميعاً من مصر ما اغتنموه وسلبوا ما سلبوه. ورغم بغضائنا للإستعمار في مُجمَله وبأي صورة يأتي ومن أي جنس يكون، فالغربيون منهم، وأقصد الدولتين المتحضرتين، الفرنس والإنجليز، بينما اغتنموا واستفادوا.. فقد أفادوا.
وكان العرب أكثر المستعمرين استغلالا لمصر وإذلالاً للمصريين. يذكر لنا التاريخ أن قوافل الإبل المحملة بخيرات مصر المرسلة لشبه الجزيرة العربية كان أولها يصل الحجاز وآخرها ما زال بمصر. حتى إغتنى بيت المال من مصر أكثر من أي بلد استعمره العرب. وحيث أثرى الخلفاء في شبه الجزيرة ودمشق وبغداد وحاشياتهم ومحظياتهم وجواريهم في قصور وثراء ومجون وخمر وغلمان وغواني. في حين أجهدوا مصر نهباً وقصموا ظهور المصريين فقراً وجوعاً وإذلالاً.
دام الاستعمار العربي لمصر 236 سنة فقط. في تلك الفترة أهدروا دماء الأبرياء من أبناء مصر، حتى من أسلم منهم!! وأهدروا كرامة رجالها بصلفٍ وغلظة وظلم واستعباد واستبداد. فلم ينصبوا مصرياً واحداً، ولا حتى ممن أسلموا، والياً على مصر طوال هذه السنين. وباستقلال أحمد بن طولون بمصر أنهي عصر حكم العرب الاستعماري الخارجي واحتفظ بخيرات مصر داخلها ولأبنائها.
الغزاة نوع من عصابات لصوص وبلطجية مهما كانت جنسياتهم وأديانهم. فهم مغتصبو أوطان غيرهم مهما برروا غزوهم!! فمتى نقدر نحن، كمصريين، كرامة مصر ونحتفل في قلوبنا وعقولنا بجلاء الغزاة عن وطننا مهما كانت أديانهم ولغاتهم وجنسياتهم بلا استثناء. ومتى ندرك أن مصر جغرافياً دولة أفريقية أما العرب فأسيويين. وأن المصريين أصلاً وعرقاً "حاميون" والعرب واليهود "ساميون" نسبة إلى حام وسام أبناء نوح. فلا قرابة جغرافية أو سلالية أو عرقية بين مصر وشبه الجزيرة، ولا بين المصريون الفراعنة والعرب!!
ومتى ندرك أن الدين ليس رباط وطني ولا قومي ولا جغرافي ولا سياسي. وأن الأديان جميـعاً تنتشر بين شعوب دول العــالم على سعته. هل ارتباطنا بالعرب في الدين يفقدنا هويتنا المصرية الفرعونية، ويجعلنا عرباً؟؟ مخطئ بل جاهل أو مغرض من يظن ذلك. فنسبة 32% من شعوب العالم تعتنق المسيحية، ولم يصيروا، أو يدّعوا، أنهم فلسطينيون أو كنعانيون. ونسبة 48% من هؤلاء يتبعون الكنيسة الكاثوليكية ولم يصيروا، أو يدَّعوا، أنهم فاتيكانيون إيطاليون. وكذلك اللغــات، فعشرات الدول تتحدث رسمياً باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الأسبانية، ولا يدّعوا أو يفتخروا بأنهم إنجليز أو فرنس أو أسبان، أو ينتمون إلى انجلترا إو فرنسا أو أسبانيا.
فلا الدين ولا اللغة رباط قومي. إما جاهل أو مخدَّر أو مغرض من يظن ذلك. فمن الفقرة السابقة، نجد أن فخر الشعوب، الحرة المنطلقة والمتطلعة للتقدم، بقومياتهم الخاصة بهم وبأوطانهم حيثما ولدوا أو يقطنون، تعلو وتغلب فوق الاشتراك في الدين أو في اللغة أو في كليهما.
وهنا أسأل.. هل لو مواطن صيني أو أرجنتيني أو فيتنامي أو إسرائيلي، اعتنق الدين الإسلامي يصير عربياً؟؟ بالطبع لا!! فبين مواطني معظم بلاد العالم من اعتنق الإسلام، هل ندعوهم عرباً في أوطانهم لمجرد أنهم صاروا مسلمين؟؟ بل هنا في مصر، ملايين المصريين المسلمين يفخرون بمصريتهم ولا يدَّعون أنهم عرب، بل لا يقبلوا أن يُدعوا عرباً!!
وهل لو مواطن صيني أو أرجنتيني أو فيتنامي أو إسرائيلي، تحدث أو أتقن اللغة العربية يصير عربياً؟؟ بالطبع لا!! فهناك مسشرقين أجانب درسوا العربية بعمق وتكلموها بطلاقة، ولم ينقلبوا عرباً. وهناك كثيرون من الجاليات الإيطالية واليونانية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية والتركية والشامية والسودانية عاش أفرادها بمصر وتعلموا اللغة العربية وتعاملوا مع المصريين بها، ولم ينقلبوا عرباً. ولو نظرنا حولنا هنا يمصر نجد ملايين من المسلمين والمسيحيين بمصر يتحدثون العربية ولكنهم ليسوا عرباً ويفتخرون بأنهم ليسوا عرباً.
العالم أجمع، عظماء دولِهِ وأبسطها، ما عدا العرب وأذناب العرب، يقر أن مصر الفرعونية أمة عظيمة عريقة، ولدت مع بدء الزمان، وسطرت التاريخ بالذهب، لا بالسيف ولا بالدماء ولا بغزو الجوار. سجلت إنجازاتها ومبادئها الإنسانية في صفحات من جبالها وعلى شطوط نهرها وفي قلوب أبنائها. وبنت حضارة رائعة، ما زالت معالمها ومنشئاتها راسية شامخة لم يسبر علماء وخبراء العالم الكثير من أغوارها وأسرارها بعد!! حضارة رائعة، أرست قواعدها على الإيمان والإنسانية والعلم والفكر والفن والموسيقى والعمل والإنتاج والإبداع، في وقت كان العالم بأجمعه، والعرب ضمنه، يحبو في ؤظلام الوجود المعرفي والإنساني.
نحن مصريون فراعنة. ومخطيء من يقول أننا عرب. ومخطئ من يقول أن مصر إسلامية. فمصر وطن، مساحة من الأرض بحدود جغرافية، شخص معنوي لا يعقل ولا يأكل ولا يقرأ ولا يصلي ولا يصوم ولا يسجد ولا يفقه الفرق بين الإيمان والإلحاد. وطن لجميع من يعيش فيه، من يحمل ديناً ومن بلا دين!! مصر دولة حرة لا تلقَّب بدين، ولا يحتكرها دين. فكل دولة احتكرها الدين أو حكمها الدين هبطت إلى قاع المستنقع الحضاري والثقافي والأمني والإنساني والأخلاقي، بل والديـــني. وهذه حقيقة يدركها المسلمون قبل غيرهم!!
كانت مصر في عظمتها عروس العالم ونجمته وزهرته إلى آلاف السنين، وكانت وما زالت سيدة الشرق جميعه بلا استثناء. عرباً وغير عربٍ. بئس من يهدر قوميتنا ويمحو هويتنا، فنحن "الأمة المصرية" أعظم أمة بالشرق، وأكرم من أي أمة بالشرق، وأصولنا فرعونية بحتة وهويتنا مصريون فقط، ولا حرف زيادة على ذلك. نحن مصريون بغالبية مسلمة ومصر ليست عربية ولا مسلمة بأي منطق. والقول بغير ذلك محض زيفٍ وتزوير مغرض .
أما آن الأوان أن يحتفظوا بإسلامهم ما شاؤوا، ولكن يفوقوا من تأثير تخديرهم لأنفسهم، عقولاً وضمائراً، بأفيون العروبة الوهمية، وأن يخرجوا من الخيمة (او الخيبة) العربية المهلهلة. هل ننسى ما يكنه العرب لمصر من شر وحقد مهما أبدو غير ذلك من نفاق وتقية؟؟ ففي الوقت الذي يقدس العالم حضارة مصر ويدرسها في أعلى مدارسه وجامعاته ويقدمها في أعظم محافله ومتاحفه، يأتي الوهابيون السلفيون زبانية السعودية العربية، ينادون بتحطيم وازالة أبو الهول والأهرامات وتماثيل ومعابد الفراعنة، تلك الكنوز التي هي مصر ذاتها ومعالم حضارتها ومن دعائم اقتصادها وحوافز الفخر لأبنائها لاستعادة مجدها. ولكنهم، جراد الصحراء، يريدون مصر "جارية ملك أيمانهم"، إمارة من إمارات خلافة وهمية، ونجداً قفراً من نجاد صحراء شبه الجزيرة، بلا حياة ولا مجد ولا علم ولا فن ولا حضارة ولا استقرار.
بين من يعشق كل ذرة من تراب مصر، وبين من نادوا بهدم آثار مصر الروائع، وقالوا ببجاحة وصفاقة أن مصر "حفنة من تراب عفن" و "طظ في مصر واللي في مصر".. نحن مصريون لا عرب.
نعـــم، بين سلف حضاري مجيد أنشأ وشيَّد مصر، وسلف صحراوي متخلف يهدم تراثها ومنشئاتها ويدمر عقول شبابها ويحتقر المرأة التي كان منها ملكات حاكمات عظيمات لها.. نحن مصريون فراعنة.. لا بدو عـرب!!
ومن يغضب من كلامي لا يستحق أن يُدعى مصريّ، وليس أهل لأن يحمل شرف الجنسية المصريةا!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com