بقلم د. سعد الدين إبراهيم
شاهدت مساء الجمعة ٧/١١/٢٠١٤ برنامجاً حوارياً، تبارت فيه مُقدمة البرنامج وضيفاها فى الهجوم على منظمات المجتمع المدنى، واتهامها بالخيانة، لأن بعضها يتلقى مساعدات تدريبية أو مالية من منظمات أجنبية!
١- لم يذكر أى من الثُلاثى الحنجورى فى البرنامج الذى استمر ساعة كاملة دليلاً واحداً، أو قرينة واحدة، تؤيد ادعاءاتهم.
٢- لم يُدرك الثُلاثى الجهول أن المجتمع المدنى ومنظماته التطوعية، أصبح شريكاً ونِداً للدولة والقطاع الخاص فى كل البُلدان المتقدمة، المعروفة باسم العالم الأول ـ مثل السويد والنرويج والدنمارك وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة... وكذلك الحال فى دول العالم الثانى الناهضة ـ مثل الهند، وكوريا، وماليزيا، والبرازيل، والأرجنتين، وشيلى. والتى كانت عالماً ثالثاً، مثلنا، إلى أن تخلفت أو هُمشت، مثل هذا الثُلاثى العبيط.
٣- أن مصر بقطاعيها العام والخاص تتسابق مع بُلدان أخرى، فى العالمين الثانى والثالث لاجتذاب الأموال الأجنبية، إما كإيداعات فى بنوكها، أو كاستثمارات فى اقتصادها الوطنى.
٤- أن الحكومة المصرية، أى الدولة، التى يرأسها فى الوقت الحاضر، السيد عبدالفتاح السيسى، هى أول وأكبر من يتلقى تمويلاً أجنبياً، فى شكل مساعدات أو منح، أو قروض. فإذا كان ذلك الثُلاثى العبيط لا يُدرك هذه الحقيقة فهى «مُصيبة»، أما إذا كانوا يُدركونها، ويسكتون عنها، فإن ذلك يجعل المُصيبة أعظم.
٥- إن الثُلاثى التليفزيونى الجهول الذى قضى ساعة كاملة يُشكك فى وطنية، أو الذمة المالية لنُشطاء المجتمع المدنى، لم يُدرك أنه فى نفس اليوم، وربما فى نفس وقت إذاعة ذلك البرنامج، كان عشرون من النُشطاء يُدافعون عن الحكومة المصرية فى مؤتمر جنيف لحقوق الإنسان. وهم الذين شاركوا الوفد الحكومى فى الرد على انتقادات مائة دولة لسجل الحكومة المصرية فى التعامل مع المُعارضين المصريين، منذ فض اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة، وأحكام الإعدام التى صدرت بالجُملة بعد جلسة واحدة من أحد محاكم الصعيد، وبسبب قانونى التظاهر والجمعيات. وليست هذه هى المرة الأولى أو الوحيدة، التى يقوم فيها نُشطاء المجتمع المدنى بإسعاف الحكومة المصرية فى المحافل والمُنتديات الدولية، حيث حدث ذلك فى المؤتمر الدولى للسُكان والتنمية (بالقاهرة)، والمؤتمر الدولى للمرأة فى بكين، فى منتصف تسعينيات القرن الماضى.
ويفخر مركز ابن خلدون للدراسات الديمقراطية، بأن مُديرته الناشطة الحسناء، داليا زيادة، كانت ضمن الوفد الأهلى الذى شارك فى حوارات المجلس الدولى لحقوق الإنسان. ولم يكن، بل ليس مطلوباً، أن يكون مُمثلو المجتمع المدنى نُسخة كربونية للوفد الرسمى الذى رأسه، وزير العدالة الانتقالية، المستشار إبراهيم الهنيدى، بمعنى أن يُدافع هذا وذاك عن أداء وسلوك حكومتهم، ظالمة كانت أو مظلومة ـ تنفيذاً لمقولة ساذجة، فحواها أنه لا ينبغى أن ننشر غسيلنا القذر فى الخارج، حتى لا يشمت فينا الأعداء! ففى عالم اليوم مع ثورة الاتصالات، قد يعرف العالم كله ما يحدث فى أى قرية مصرية، قبل أن يصل الخبر إلى بقية المصريين.
وقد حذر باحثو ابن خلدون مُديرتهم، ألا تقع فى هذا الفخ الساذج. وتحديداً، إذا كان هناك ما يستوجب النقد للحكومة فى سياساتها ومُمارساتها فى قضايا حقوق الإنسان والحُريات العامة، فلا ينبغى أن تسكت عنها، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. ومركز ابن خلدون، لم يكن أبداً شيطاناً أخرس، بل إن مشكلته الأزلية مع الحكومة والنظام، هى الصراحة التامة، حتى لو كانت مؤلمة. وهى الصراحة التى أدت برئيس مركز ابن خلدون، وعشرين من العاملين فيه فى الماضى (٢٠٠٠-٢٠٠٣) إلى ثلاث مُحاكمات، وإلى أحكام بالسجن وصلت إلى سبع سنوات، قبل أن تنصفهم محكمة النقض، أعلى محاكم الديار المصرية، وتُبرئهم من كل الاتهامات، قبل أن ترُدّ المحكمة نفسها، وتوجه نقداً مُبرحاً إلى الحكومة (أى السُلطة التنفيذية) التى لفقت كل القضايا ضد العاملين فى مركز ابن خلدون.
بهذا التراث الخلدونى، أى عدم الخوف فى قول الحق من لوم أى لائم، قالت داليا زيادة فى جنيف ما لقيصر (أى ما لحكومة السيسى) وما لوجه الله (أى الحالة الحقيقية للحُريات وحقوق الإنسان فى مصر). ومن ذلك أن الإرهاب هو إجرام جماعى ضد المواطنين، سواء كان مصدره الحكومة أو المُعارضين لها. وضمن ما عرضته داليا زيادة فى جنيف، تقريراً موثقاً عما ارتكبته جماعة الإخوان المسلمين من مُمارسات العُنف ضد مؤسسات الدولة وشخوصها، كما ضد المواطنين الأبرياء.
وهكذا يكون التوازن والاتزان فى تناول الشأن العام، سواء داخل مصر أو فى الخارج.
وبهذه المُناسبة، لا بد من كلمة عتاب لحكومتنا، التى لا تتذكر منظمات المجتمع المدنى، إلا فى وقت الأزمات. فلا يخفى أن وفود أكثر من مائة دولة، كانوا قد قدموا قُبيل مؤتمر جنيف، أسئلة واستفسارات اتهامية للحكومة المصرية، حول أوضاع حقوق الإنسان فى مصر. وربما كان وراء هذا الكيل من الأسئلة، جماعة الإخوان المسلمين، وأنصارها، المُنتشرون فى أكثر من ستين دولة، وذلك بقصد إحراج وتشويه الحكومة، بعد أن أسقط الشعب والجيش نظام الرئيس الإخوانى، محمد مرسى. وحسناً، سمحت لهم السُلطات فى جنيف أن يفعلوا ذلك
وبنفس الطريقة التى سمحت بها سُلطات مدينة نيويورك لهم بتنظيم مظاهرات ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أثناء إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ عدة أسابيع مضت. ويومها أيضاً، استعانت الخارجية المصرية بنُشطاء المجتمع المدنى، ذوى المصداقية العالية فى الخارج، وفى مقدمتهم الناشطة الحسناء، داليا زيادة، مُديرة مركز ابن خلدون. أما فى غير أوقات أزمات الحكومة فى الخارج
فإن أجهزتها الأمنية فى الداخل تقوم بمُضايقة العاملين بمركز ابن خلدون، وبإطلاق أبواقها الإعلامية، للتشكيك فى وطنيتهم، خاصة إذا تلقوا دعماً مالياً من الخارج. هذا فى الوقت الذى تكون الحكومة المصرية نفسها هى أكبر من يتلقى دعماً مالياً أجنبياً ـ من مصادر عربية وأوروبية وأمريكية. ولهؤلاء المسؤولين الحكوميين، نقول إذا كانت بيوتكم من زجاج... فلا تقذفوا نُشطاء المجتمع المدنى بالحجارة.
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com