هناك مشكلة ما بين السلطة وأهالى سيناء تعوق قدرة الشرطة والقوات المسلحة على القضاء على الإرهاب المستحكم فى هذا الجزء الغالى من أرض مصر. وكما تعلم فإن أغلب سكان «سيناء» من البدو، وعبر التاريخ الحديث قام البدو بموجات تمرد عدة كانت تبلغ فى بعض الأحيان حد الثورات التى تعاملت معها السلطة المركزية فى القاهرة بما هو معهود عنها فى مثل هذه الحالات. تقلّب السيناويون على أحوال عديدة، لكنهم دائماً ما كانوا ينطلقون من قاعدة أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج المصرى، حتى فى الحالات التى كانوا يغضبون فيها من بعض ممارسات السلطة، وعلينا أن نعترف أن شرخاً ما فى العلاقة ما بين أهل سيناء والسلطة بدأ يحدث خلال فترة حكم الرئيس الأسبق «مبارك».
فبعد سلسلة من الأعمال الإرهابية التى شهدتها سيناء منذ عام 2004 اتخذت السلطة المصرية العديد من الإجراءات القمعية التى عانى منها أهل سيناء أشد المعاناة، مطاردات واعتقالات وقتل وتضييق فى الأرزاق نتج عنها حالة محسوسة من الغضب والاحتقان تجلّت فى المشاركة الفاعلة لأهالى سيناء فى ثورة يناير 2011، شأنهم فى ذلك شان المصريين الذين عانوا كثيراً من سياسات «مبارك»، ولما يئسوا من فساده واستبداده ثاروا ضده. ومثلهم مثل أهل بلدهم حلم السيناويون بتغيير الأوضاع التى سممت حياتهم قبل ثورة يناير، لكنهم واجهوا ما واجهه المصريون من إحباط وتثبيط للآمال العريضة فى التغيير التى علقوها على الثورة.
أهالينا فى سيناء ليسوا جزءاً شارداً عن الوطن، وأحزن كثيراً عندما يصفهم البعض بأوصاف لا تليق. ولست أتفق مع ما يذهب إليه عدد من السياسيين والكتّاب والمفكرين من أن بعض السيناويين يشكلون حاضنة شعبية للإرهاب. فأوضاع الإرهاب فى سيناء مثل أوضاع الإرهاب فى باقى المحافظات، مع الفارق الكمى والكيفى بالطبع، كما أن أوضاع الأهالى فى سيناء مثلها مثل أوضاع المواطنين فى مصر القبلية والبحرية وفى القاهرة. وإذا أردت أن أجتهد فى تشخيص حال الكل فدعنى أقول لك إن الشعور «بالمظلومية» هو لسان حال الجميع. ودعنى أشرح لك كيف؟
بعد ثورة يناير كان لدى الجميع حلم بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، حكم الإخوان فخانوا الحلم وتنكروا للمطالب، وانطلقوا يؤخونون، فتخلص منهم المصريون، ومن بينهم السيناويون، ودعم الجميع «السيسى». ونتائج الانتخابات الرئاسية التى وصلت به إلى الحكم تقول إن نسبة تزيد على 95% ممن لهم حق التصويت بشمال وجنوب سيناء أيدوه، شأنهم فى ذلك شأن باقى المحافظات المصرية. وقد يكون من المفيد أن ننتبه إلى أن نسبة من المصريين غير مرتاحة إلى الأوضاع الاقتصادية التى سادت خلال الفترة الأخيرة، والأخطر أنها تحس فى أحيان أن السلطة الحالية تمارس بطريقة تتشابه مع الطريقة التى أدت بها سلطة مبارك على مستوى الأمن. نعم الكل يستوعب أن ثمة مواجهة أمنية مصيرية تخوضها البلاد ضد الإرهاب، لكن توسيع دائرة الاشتباه، وافتقار الأداء الأمنى إلى الاحترافية فى بعض الأحوال يؤدى إلى تغير فى مواقف البعض، لكن ذلك لا يعنى بحال التحول إلى حاضنة شعبية للإرهاب، إنهم فقط يغضبون. ومن واجب السلطة أن تعالج أسباب هذا الغضب.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com