بقلم - مدحت بشاي
في الجزء الأول من المقال («قاهرة» سيد محمود ــ 1) حول الصحافة المعنية بالشأن الثقافي والتنويري بشكل عام وجريدة «القاهرة» التي تصدرها وزارة الثقافة كل ثلاثاء من كل أسبوع بشكل خاص، وبرئيس تحرير جديد «سيد محمود»، الذي أدلى لعدد من الصحف والبرامج حول أطروحاته ورؤاه التي يراها مناسبة للتماهي والتفاعل مع الواقع الثقافي الحالي لكي تتبناها «القاهرة»، ومن بين تلك الرؤى
ما طرحه «سيد محمود حسن» في حلقة من برنامج «ستديو الثقافة» الذي تقدمه المذيعة المثقفة والكاتبة المستنيرة «بسنت حسن» على هواء «الفضائية المصرية».. تحدث في رؤوس أقلام مهمة عن الثقافة الينايرية الجديدة في ميادين الحرية، وكيف لم يتم استثمارها وتنميتها (غناء وموسيقى وجرافيتي) لشباب مبدع، وأهمية العودة للتفاعل الثقافي مع ما ينتجه المبدع العربي في كل الدنيا.. طالب بما أطلق عليه «العدالة الثقافية» وكيف يصل دعم المثقف المصري إلى مستحقيه في كل ربوع المحروسة.
واليوم أرى أهمية العودة لمقال مهم كتبه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي الكاتب المبدع الكبير الراحل يوسف إدريس، بأمل أن يسامحني للسطو على عنوانه ليكون عنوان الجزء الثاني لمقالي «أهمية أن نتثقف يا ناس».. وأرى التذكير بما جاء في الفقرة الأولى من مقاله أمر ضروري بالمناسبة.
يقول مبدعنا الكبير إدريس: «جاء علينا حين من الدهر كانت كلمة مثقف فيه علامة أن المواطن هو فعلاً صاحب مقام رفيع. كان احترام الثقافة والمثقفين جزءاً لا يتجزأ منة قيم شعبنا وتقاليده الراسخة، بحيث إن عامة الشعب حين كانت تريد أن ترفع من قيمة المتعلم أو المثقف تميزه بكلمة أفندي وتسمي العامل الكفء المثقف أسطى أو بمعنى حقيقي أستاذ.. وهذا الحين من الدهر كان مستمراً طوال حياة الشعب المصري
حين كان المثقف في العصور الوسطى هو الشيخ أو مولانا أو سيدنا ومن نفس المشايخ برزت الفئة المثقفة الجديدة مع بداية مصر الحديثة في عصر محمد علي، ومن رفاعة رافع الطهطاوي إلى محمد عبده وخالد محمد خالد، تلك الكوكبة من العقول المضيئة التي ظل مجتمعنا ينظر إليها كما ينظر إلى مصادر الضوء تنير له وجوده وحياته ويرفعها إلى مستوى التبجيل العظيم والقيمة الخالدة».
وبعد أن قام الكاتب بتشريح سلبيات الواقع الثقافي بموضوعية وبلغة بسيطة غير التي يستخدمها أهل التشنج والحذلقة الخايبة، يؤكد الكاتب منبهاً صارخاً «إننا ننحدر ثقافياً، وبالتالي سلوكياً بدرجة خطيرة، والغوغائية نتيجة لانعدام الثقة تسود إلى درجة تهدد باكتساح وجودنا كله، ومع وجود هذه الكميات المخيفة من البشر في هذا الحيز الضيق للوجود، فإننا ذاهبون إلى كارثة محققة لا قدر الله إذا لم نول رفع المستوى الفكري والثقافي للشعب الأهمية القصوى الجدير بها، فالثقافة أخطر من أن تكون من كماليات الحياة، فالحياة نفسها هي الوجود المثقف للكائنات».
أتذكر كم من معارك خاضها الكاتب مع السلطة ووزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، لما كان للمقال الصرخة من رد فعل في الشارع، وبشكل خاص في شوارع الثقافة والتنوير.
وددت أن أعيد على مسامع كل أجهزة الثقافة ووسائطها الإعلامية تلك الصرخة ونحن نحلم بالذهاب إلى مصر جديدة، أن تعالوا نوجه رسالات داعمة مخلصة لشعبنا العظيم في كل ربوع أم الدنيا لتطوير المفاهيم التربوية والسلوكية والإنسانية والجمالية.
في بداية تلك المقالات، أتوجه لجريدتنا «القاهرة» الرائعة لتبني حملة «الثقافة بالغمر» إذا صح أو كان التعبير ملائماً، فلم يعد لدينا رفاهية «الثقافة بالتنقيط»، باستعارة تعبيرات أهل الري والفلاحة.
ليس وقته تلك الرسائل الثقافية الاستعلائية النبرة، والإغراق في التغريب ولوي عنق الكلمات واستخدام المصطلحات الاستهلاكية التي قد تحول بين الناس وبين الثقافة ورسائلها التنويرية العظيمة.
يا ريت كل الوسائط الثقافية تتميز بطابعها وأدواتها وآلياتها.. مش ممكن مقال أو دراسة وكأنها كتاب يكون مكانها جريدة، ولا قراءة مقالات في برامج ثقافية.. على سبيل المثال.. وللحديث بقية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com