بقلم: ليديا يؤانس
في دردشة مع بعض الأصدقاء طرحت فكرة كانت غريبه شويه، ولا أخفي عليكم أن البعض رفض الفكرة والبعض كانوا متفقين نوعاً ما وإن كانوا يرون أنها صعبة التنفيذ.
قلت لأصدقائي، قررت القيام برحلة في مكان جديد لم أزره من قبل، بعيداً جداً عن مكان إقامتي، بعيداً عن إرتباطاتي اليومية، بعيداً عن كل أصدقائي وأحبابي ومعارفي، بعيداً عن التليفونات والأنترنيت، بعيداً عن الإلتزامات المادية والإجتماعية.
ولكنهم صدموا عندما قلت لهم أن أهم شئ في الرحلة أن أعيش الحاضر فقط! يعني أكون مثل طفل حديث الولادة ليس لديه ماضي وذكريات قد تكون سعيدة أو مؤلمة، وليس لديه القدرة علي التفكير في المستقبل.
هل ساأستطيع أن أنسلخ من الماضي وأهرب من المستقبل لأحيا في الحاضر لمدة الرحلة فقط؟ أتمني أن أستطيع!!!
إنفعلت إحداهن وبعصبية قالت، أنا لا أستطيع أن أنسي ما حدث لي في الماضي، لا أستطيع أن أغفر للذين دمروا حياتي أو كانوا السبب فيما أعاني منه الآن! كيف أستطيع أن أعيش الحاضر فقط؟
فالماضي جزء من الحاضر، وأيضاً الماضي والحاضر يشكلان المستقبل.
قلت لها بالمنطق البشري هذا ما يحدث مع معظم الناس، ولذا إنتشرت حالات الإكتئاب والإنهيار العصبي والجرائم والإنتحار والإنتقام، بسبب تأثير الماضي علي حياة الفرد، وعلي ذلك يطالبنا الله بالغفران لمن أساءوا إلينا بل الأكثر من ذلك يطالبنا بأن لا نضع أجسادنا للنوم ونحن نحمل ضغينه أو غضب من شخص آخر.
وأسترسلت قائلة كيف أعيش الحاضر وأنسي المستقبل، مش برضه لازم الإنسان يفكر في مستقبله لكي يعيش حياة أفضل وإلا الإنسان سيكون متبلد الحس!
قلت لها وهل هناك ما يمنع أن نعيش الحاضر في سلام، وفي نفس الوقت نفكر ونخطط للمستقبل، بشرط أن نضع المستقبل في يد الله يتممه علي حسب مشيئته.
الإنسان الذي يخطط للمستقبل، هل هو واثق إنه سيعيش للغد!
إذا كان الغد في علم الله لماذا يكدر الإنسان نفسه، ويعيش في القلق علي مستقبله ومستقبل أولاده، وهل سيعيش لما يجوز البنات، وهل الأولاد اللي مشغول بيهم سيعيشوا للغد أم لا!
المفروض أن الإنسان يفكر في المستقبل ولكن في حدود إمكانياته كإنسان وبدون قلق أو إضطراب أو إفتخار لإن المثل يقول "لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده اليوم" (1:27).
المسيح لما علم تلاميذة كيف يصلون قال لهم قولوا "خبزنا كفافنا إعطنا اليوم" لم يقل قولوا "خبزنا كفافنا إعطنا اليوم ولآخر العمر" يعني مطلوب منك ومني أن نركز علي اليوم لإن الغد مجهول بالنسبة لنا، لا نعرف ما اذا سيكون لنا غد أم لا!
الله يقول لنا "أنتم الذين لا تعرفون أمر الغد لأنه ما هي حياتكم أنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل."
ولكن الله يعرف حياتنا واحتياجاتنا، يعرف الماضي والحاضر والمستقبل، ويعرف اللي يناسبك وفي مصلحتك.
الرب يهمه أن تركز علي الحاضر .. فالماضي أنت عشته، سواء بالغلط أو الصح، سواء بالألم أو الفرح.
المهم إحنا أولاد النهارده تعمل الأفضل في الحاضر، وبالتالي سيكون الغد أفضل بدون أن تكدر حياتك، وثق أن الرب هو أمس واليوم وإلي الأبد، هو الذي يقود حياتك لما فيه خيرك.
من وجهة نظر البشر أن الشخص الذي يعيش اليوم بيومه إنسان ليس طموحاً وكسلاناً وليس لديه إهتمام بشئون حياته، ولكن ربما يكون هذا الإنسان هو الأفضل لأنه تقريباً يعيش كما يريد الله من الإنسان أن يكون.
منذ سنوات تعرفت علي فتاة هي الأخت الكبري لصديقة لي، رقيقة جداُ وتتمتع بجمال أخآذ يجعل الرؤوس تلف 360 درجة، كل شئ فيها مرسوم بريشة فنان بارع، كل جزء من جسدها يخضع لمقاييس الجمال العالمية.
حزنت عليها جداً عندما علمت أنها مريضة بمرض خطير في القلب لدرجة أن الأطباء حذروها من الزواج والإنجاب لإن أي مجهود عضلي ولو بسيط ممكن يقضي علي حياتها في لحظة!
تباعدت المسافات والأزمنه ومن فترة قريبة رأيتها وعرفت أنها تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال والأغرب من ذلك أنها إزدادت جمالاً ونضارة وصغراً في السن عن ما كانت!
ما لم أكن أعرفه عنها كما قصته علي أختها، أنها من النوع الذي لا يهتم بالغد، فهي تضع رأسها علي الوسادة ولا تفكر كيف سيدفعون الفواتير، أو كيف سيعلمون الأولاد، أو كيف ستسير حياتهم.
يبدو أنها عندها إيمان قوي بأن الذي خلقها سوف لا ينساها مستنده علي قول المسيح لا تهتموا للغد لإن الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com