خالد منتصر
يواجه المطالبون بتجديد الفكر الدينى ومناقشة النصوص باعتراضات عنيفة من جانب المتزمتين ممن يرفضون نداء العقل ويفضّلون الكسل والسكون، رافعين شعار «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»، يسمون شربهم من ماء البركة الراكدة استقراراً، ويطلقون على تآلفهم مع أوكار الخفافيش وخيوط العنكبوت اطمئناناً، ويترجمون شللهم الفكرى راحةً وسكينةً!!، وفى معركة التيار الرجعى مع مدرسة العقل والتجديد، تجدهم يطلقون قنابل دخان فى وجه كل من يناقش بالمنطق. يطلقونها كبديهيات دينية مقدسة
وهى فى الحقيقة مجرد آراء بشرية قابلة للمناقشة والتفنيد. وللأسف، يظل الناس أسرى هذه البديهيات، لا يستطيعون تحليلها عقلياً ويخشون من مجرد فتح باب النقاش حولها، فتصبح هذه الاقتباسات الفقهية أقوى من النص المقدس، وتظل الأجيال آلاف السنين ترددها، كالببغاء دون أن تمر على بوابة ما كرم الله به بنى البشر وهو «العقل»، فريضة المسلمين الغائبة. من أهم هذه الاقتباسات التى رفعها البعض كبديهيات دينية مقدسة اقتباس «لو كان الدين بالرأى لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه»
وهو اقتباس يرفعه كل سلفى فى وجه من يرفع راية العقل، والمدهش أن مروجى هذا القول يردّدونه وهم سعداء بغياب العقل وسجنه، منتشون بأنهم انتصروا للتقليد على التجديد، وفى غمرة هذه النشوة لا يجلسون لحظة ويلتقطون أنفاسهم اللاهثة ويفكرون فى هذا الاقتباس، تخيّلوا هذا القول الذى ظللنا أكثر من ألف سنة نردّده لصالح غياب العقل وخرس المنطق، تخيلوا أننا لو فكرنا مجرد دقيقة، سنجده فى صالح العقل وضرورة الرأى والمنطق. المنطق والعقل مع مسح الخف من أعلى وليس من أسفل
ولذلك لا بد من وضع «لو لم يكن الدين بالرأى» فى بداية هذه المقولة، لأنه بقليل من التفكير والمناقشة المنطقية الهادئة سنجد أن الوضوء ليس الغرض الأساسى منه النظافة، وإلا لكان الاستحمام وغسل كل الجسم، لا مجرد أجزاء منه فقط هو الواجب قبل كل صلاة، ولكن الوضوء مجرد طقس تعبُّدى رمزى بحفنة ماء.
وفى هذا الطقس الدينى الرمزى من غير المنطقى أن نمسح على أسفل الخف الذى من الممكن أن يكون قد داس على نجاسة أو فضلات بهذه الحفنة من المياه فتتحوّل أيدينا إلى مشكلة نضطر معها إلى تنظيفها من هذه النجاسة، فما العقلانى إذن: المسح أعلى الخف أم المسح أسفل الخف؟!! فى العبادات، هناك بالفعل الكثير والكثير من الطقوس التى نأخذها كما هى لأنها عبادات
وهى لن تؤثر على مسار حياة المسلم اليومية، أما المعاملات والآراء العلمية والطب والزراعة والاقتصاد.. إلى آخر هذه الأشياء الدنيوية، فالعقل فيها هو السيد وصاحب الكلمة الأخيرة، ولا ينفع أن نستخدم قول على بن أبى طالب عن مسح الخف، كفزّاعة حين نناقش صحة أحاديث «البخارى» أو فائدة الحجامة أو رجم القردة الزانية التى أقيم عليها الحد.. إلخ!! لا تصفّقوا لغياب العقل فى
فكرنا الدينى الإسلامى ولا تفرحوا ببديهياتكم التى تروّجون لها وهى ليست ببديهيات، فالعقل موجود حتى فى بعض طقوس التعبد التى تظنونها لا منطقية.. أنا أتفهم سر حماس شيوخ السلفية لغياب الرأى والعقل، فغياب وسجن ونفى العقل هو أعظم وأكبر ضمان لرواج البيزنس الدينى والتجارة الفقهية التى جعلتهم مليارديرات ومهراجات زمن المؤلفة جيوبهم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com