كتب علينا أن نعيش أقسى لحظات التاريخ العربى هواناً وبؤساً، وما يحدث فى غزة ليس أقساها، المذابح الإسرائيلية ليست جديدة، خبرناها من دير ياسين سنة ١٩٤٨ إلى بحر البقر وقانا وجنين وغزة، وحتى الحصار الإسرائيلى ليس جديداً، من قبل حوصر الزعيم والمناضل ياسر عرفات فى المقاطعة، حتى انتقل إلى العالم الآخر، ما قامت به إسرائيل خلق فينا التحدى وضرورة المقاومة.. لكن ما يحدث فى ليبيا وفى العراق وفى سوريا يقدم للمواطن العربى درساً مفاده أن إسرائيل لم تعد الخطر الوحيد، وأن العنصرية الإسرائيلية ليست آخر العالم فى هذا الجانب، فقد ظهرت داعش، ورأينا ما تقوم به فى أنحاء العراق، خاصة الموصل، قتل سيدة رفضت أن تبايع «الخليفة» وتعامل مع المسيحيين على نحو لم تعرفه الحضارة العربية الإسلامية، ولم تعرفه مجتمعاتنا، منح مسيحيى الموصل فرصة ٢٤ ساعة ليقرروا ويختاروا لأنفسهم، إما اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو مغادرة البلاد نهائياً وترك بيوتهم وممتلكاتهم أو القتل، وتقول الأخبار الواردة من الموصل إن ٤٠٠ أسرة بالمدينة غادرت فيما عدا خمس أسر اعتنق أفرادها الإسلام اضطراراً للنجاة والبقاء فى مدينتهم، خوفاً من ذل الهروب والمنافى، فى ظل صمت عربى وإنسانى تجاه ما يحدث، بالتأكيد هناك فى بعض دوائر الاستشراق والمحافظين الجدد من سعد بما يحدث أو ارتاح إليه هؤلاء الذين لم يكفوا يوماً عن التشهير بالإسلام كدين واعتبار المسلمين جميعاً أسامة بن لادن، لسان حالهم يقول الآن: شهد شاهد من أهلها، وأى جهد علمى وفقهى لدفع الاتهام عن الإسلام والمسلمين سوف يتهاوى أمام ما تقوم به داعش وما يفعله الداعشيون فى العراق وفى سوريا ومن على شاكلتهم فى بلادنا عموماً.
ونشرت قبل عدة أسابيع وثيقة أمريكية تثبت أن الخليفة الداعشى أبوبكر البغدادى تلقى تدريباً عسكرياً فى إسرائيل، ولم يتم تكذيب هذه الوثيقة، لا من جانب إسرائيل ولا من جانب الولايات المتحدة ولا من ناحية خليفة داعش نفسه، الوجوه تتلاقى والسحن تتشابه بغض النظر عن الوثيقة، دعنا الآن من مقولة داعش إن الله لم يأمرهم بقتال إسرائيل أولاً، بل بقتال الكفار والمنافقين، أى عموم المسلمين، الذين يحبون الإسلام السمح والمعتدل، إسلام «لكم دينكم ولى دين»، ويرفضون إسلام أبوبكر البغدادى وداعش.
البغدادى وتنظيمه يسعيان نحو تأسيس دولة تقوم على ما يسمى النقاء الدينى، لا مكان فيها لغير المسلم، وليست لعموم المسلمين، بل المسلم وفق الإيمان والفهم الداعشى، وفى إسرائيل يريد نتنياهو أن يقيم دولة لليهود فقط، لا مكان للعربى فيها، مسلماً كان أو مسيحياً، وإذا اعتبرنا اليهود فى هذه الحالة مفهوماً دينياً كانت دولة دينية طائفية، وإذا اعتبرناها جنسية، كانت دولة عرقية وعنصرية، وهذا ما حاوله من قبل هتلر، حين أراد أن يجعل العالم للجنس الآرى فقط، لذا أباد ملايين اليهود فى الهولوكست وأباد ملايين «الغجر» أيضاً، وعلى خطاه يسير نتنياهو والبغدادى.
وجود البغدادى وداعش ينفى عن مشروع نتنياهو ما فيه من غربة وعنصرية ويبدو أن هناك من يسعى إلى أن تسود الدويلات الطائفية والإمارات المذهبية المنطقة، كى لا تكون إسرائيل هى الدولة الوحيدة القائمة على أسس دينية، وتسقط بالتالى فكرة وحلم الدولة الوطنية، ذات الحدود الثابتة والجغرافيا الواضحة بل دويلات وإمارات ذات حدود مفتوحة، قد تتمدد فى وقت ما وقد تنكمش وقد يتم هدمها وفكها فى لحظة، دويلات فك وتركيب، يمكن شطبها فى لحظة وابتداعها فى لحظة.
وحتى الآن لم ندن داعش بالقدر الكافى، ولا عبرنا فعلياً عن رفضنا له وتركنا لفرنسا قصب السبق حين أعلنت ترحيبها بالمسيحيين المطرودين من داعش وكأنها تبارك من طرف خفى ما تقوم به داعش وتشجعه.
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com