ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

المخابرات الإسرائيلية تستعين بـ«رأفت الهجان» للنجاة من فضيحة غزة

المصري اليوم | 2014-07-25 19:41:59

مع بدء توجيه الاتهامات إليها بالتقصير والفشل في غزة، بعد فشلها في جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن المقاومة الفلسطينية وأسلحتها واستعداداتها، مما كبد إسرائيل حتى الآن نحو 35 قتيلا، حاولت الاستخبارات الإسرائيلية تجميل وجهها بإعادة قائمة المزاعم التي ردت بها على قصة اختراق الجاسوس المصري رفعت الجمال، المعروف إعلاميا باسم «رأفت الهجان»، للمجتمع الإسرائيلي.

وفي تقرير مطول بصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، حاولت الصحيفة نفي أكبر عملية خداع تعرضت لها إسرائيل وأجهزتها الأمنية، وجاءت هذه المرة بمن ادعت أنه كان المسؤول عن تشغيل الهجان كعميل مزدوج لصالح الاستخبارات الإسرائيلية، ويدعى مردخاي شارون. ولا تذكر الصحيفة أية إجابات على أسئلة من نوعية: لماذا الآن؟ ما الجديد؟ ما المناسبة؟. وستجد الإجابة الوحيدة الماثلة بين السطور هي: إنهم يغرقون في غزة، فلجأوا إلى رأفت الهجان، لإثارة البلبلة والجدل، وربما لصرف جزء من الأنظار عما يجري في غزة، وربما يمكن توجيه ضربة للمعنويات المصرية، وربما يغفر الإسرائيليون لاستخباراتهم خطأهم المتكرر في الحرب على غزة، بشكل جعل إسرائيل تبدو كمن دفع ثمنا باهظا من أرواح جنودها واقتصادها وصورتها أمام الرأي العام الدولي.

ويقول «مردخاي» إنه اعتاد مقابلة رأفت الهجان في مزرعة دواجن بهرتزليا، يملكها صهره، حيث لا يمكن أن يخطر ببال أحد أن في مكان كهذا تتم أكبر عملية سرية وفعالية وأكثرها حساسية للاستخبارات الاسرائيلية، وهي عملية «الوتد»، لتشغيل الجاسوس المصري الذي تم زرعه في إسرائيل.

ولا يكتفي التقرير الإسرائيلي باستخدام عبارة «عميل مزدوج»، أو إعادة تجنيده لصالح الموساد، وإنما يقول حرفيا «أي أنه وافق على خيانة قادته المصريين والعمل لصالح إسرائيل». ويضيف أنه بفضل تلك العملية تم تزويد مصر بمعلومات كاذبة مكنت الجيش الإسرائيلي من تحقيق انتصار كبير في حرب يونيو 1967.

وتقول الصحيفة إن الجاسوس الذي كان عميلا مزدوجا هو جاك بيتون، وهو مجرم سابق جندته المخابرات المصرية، وتنكر في صورة يهودي وهاجر إلى إسرائيل عام 1955. وكان المسؤول عن تشغيله لصالح إسرائي لمدة 5 سنوات، مردخاي شارون المعروف باسم «موتكا»، مسؤولا بجهاز الاستخبارات الإسرائيلية «الشاباك».

وقالت الصحيفة الإسرائيلية إنه على الرغم من ذكر قصة رأفت الهجان عدة مرات في الصحف والكتب، إلا أنها المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن الرجل المسؤول عن تشغيله كجاسوس مزدوج لصالح إسرائيل، ليحكي القصة.

ولد موتكا شنايدر، واسمه الأصلي كما ذكرنا مردخاي شارون، في هرتزليا عام 1926، ويقول إنه منذ صغره التقطت أذنه اللغة العربية فدرسها وأحبها، خاصة أنه أحبها من الشارع والمحيطين به، حيث يذكر أنه كان صديقا لحارس المستوطنة، يسرائيل ليبرمان، وكان يعمل لديه في الاسطبل عامل عربي، وكانت تعمل في منزله عاملة عربية أيضا. ويقول ابنه أودي شارون، العقيد بالجيش الإسرائيلي بفخر كبير: «إن والدي لا يتحدث العربية على أصولها فقط، وإنما يحلم بالعربية». وكان «موتكا» ناشطا في عصابات الهاجانا الإسرائيلية، التي سبقت تكوين الجيش الإسرائيلي وإقامة الدولة العبرية، كما شارك في حرب فلسطين 1948، كقائد كتيبة في لواء «ألكسندروني».

وبعد الحرب، تم تجنيده عام 1949 في الاستخبارات الاسرائيلية «الشاباك» على يد رئيس الشاباك نفسه ايسار هرئيل، الذي كان يقيم هو الآخر في هرتزليا. وكان هرئيل في أول 15 عاما من عمر الدولة العبرية رئيسا للشاباك والموساد وحمل لقب «المسؤول عن أجهزة الأمن».

وفي الشاباك كان موتكا ضابط استخبارات نجح في تجنيد وتشغيل العملاء في أوساط عرب فلسطين في قرى المثلث والنقب والضفة الغربية التي كانت واقعة تحت الحكم الأردني، وغزة التي كانت تحت الحكم المصري آنذاك. وخلال سنوات عمله اتخذ عددا من الأسماء العربية المستعارة، كان من بينها «مراد»، و«أبورياض»، وما زال قادرا حتى الآن على تذكر الاسم الذي اتخذه في كل عملية قام بها.

وبحسب الرواية الإسرائيلية، وصل إلى إسرائيل مهاجر جديد، يدعى جاك بيتون. وكان اسمه الحقيقي رفعت الجمال، الذي ولد عام 1927 في مدينة دمياط، لأب كان يعمل تاجر فحم، فيما كانت أمه ربة منزل تتحدث عدة لغات. وقد اكتسب منها الجمال إجادته للغات منذ صغره، فدرس وارتبط باللغتين الانجليزية والفرنسية. وكان يحلم بأن يكون ممثلا سينمائيا، ولكنه اكتفى بوظائف فرعية من الباطن لحساب تاجر على متن أسطول بحري مصري.

وبحسب الرواية الإسرائيلية، مكنه عمله هذا من السفر إلى أوروبا، حيث كان ينفذ عمليات نصب وتزوير وسرقة مال من اصحاب العمل الذين كان يعمل لديهم. وخلال عودته إلى مصر عام 1952، القت المباحث المصرية القبض على «الجمال»، بعد ان اشتبهت في كونه جاسوسا لاسرائيل. وبعد تبرئته، خيروه بين السجن أو العمل معهم، فاختار الحرية وافق على العمل كجاسوس للمخابرات المصرية. وكانت مهمته النهائية هي التسلل إلى إسرائيل ليصبح عميلا نوعيا لمصر هناك. وكانت الخطة المصرية تقوم على تنكره في صورة يهودي، وينسج لنفسه قصة تغطيةة مناسبة، ثم يهاجر لاسرائيل، ويتغلغل في المجتمع هناك، ويقيم علاقات مع القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية ثم ينقل المعلومات التي يحصل عليها إلى قادته بالمخابرات المصرية في القاهرة.

وتشير الصحيفة إلى أن رفعت الجمال اتخذ لنفسه اسم «جاك بيتون»، وانغمس في الجالية اليهودية بالاسكندرية، وكان يزور المعبداليهودي لأداء الصلوات اليومية، وتعلم العادات اليهودية، وكان يزود المخابرات المصرية بمعلومات عما يجري بين أبناء الجالية ايضا. حتى أنه تعرف على أعضاء شبكة التجسس والارهاب اليهودي التي دربتها وكانت تديرها في مصر وحدة العملاء 131 بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والمعروفة في مصر باسم «فضيحة لافون»، والتي قام خلالها عملاء إسرائيليون بتنفيذ سلسلة من التفجيرات ضد المنشآت الغربية في مصر لافساد علاقة ثورة يوليو بالغرب. وكان الجمال يعرف مارسيل نينيو، التي صدر عليها حكم بالسجن 4 سنوات لتورطها في شبكة التجسس الاسرائيلية، وايلي كوهين الذي هاجر إلى إسرائيل في 1959، وتم ارساله كعميل للموساد الاسرائيلي عام 1961 إلى سوريا، حيث تم القبض عليه وإعدامه شنقا عام 1965.

ويعترف موتكا شارون أن بعض التدريبات التي كان رفعت الجمال يتلقاها على يد المخابرات المصرية كانت متقدمة جدا، والتي تضمنت الكتابة بالحبر السري، وبث والتقاط شفرة لاسلكية، وفك الشفرات، واخفاء أفلام التصوير وما إلى ذلك. وقال: «لقد علموه تصوير الوثائق، ثم يأخذ الأفلام فيغرقها في محلول الاسيتون، ثم يقص الفيلم ويضع أجزائه أسفل طوابع البريد التي كان يلصقها على رسائل يرسلها إلى صندوق بريد قادته»

وسافر رفعت الجمال على متن سفينة من الأسكندرية إلى جنوة الإيطالية في بداية عام 1955. وبالمصطلحات الاستخباراتية، كانت إيطاليا بالنسبة له القاعدة، بينما كانت إسرائيل هي أرض الهدف. وسافر من جنوة بالقطار إلى روما حيث التقى عدة مرات مع الملحق العسكري للسفارة المصرية في إيطاليا، الذي زوده بالحبر السري وأعده لتنفيذ مهامه، وأعطاه عنوان صندوق بريده في روما، الذي سيرسل إليه تقاريره. وانتظر في إيطاليا عدة اسابيع، وعندها توجه إلى القنصلية الإسرائيلية في روما وقدم نفسه كيهودي يطلب الهجرة إلى إسرائيل، وتم تقديمه إلى ممثلي الوكالة اليهودية، الذين استوعبوه ونقلوه إلى معسكر انتقالي في مارسيليا، ومن هناك سافر بعد فترة على متن سفينة إلى حيفا، برفقة المئات من المهاجرين الآخرين، خاصة من المغرب التي كانت لا تزال تحت الاحتلال الفرنسي، فضلا عن أقلية من مصر.

وتقول الرواية الإسرائيلية المزعومة إن رفعت الجمال أظهر سلوكا غريبا خلال سفره على متن الباخرة المتوجهة إلى إسرائيل، وبتحدث بآراء غريبة عن إسرائي واليهود، بما أثار شكوك بعض المسافرين الذين تساءلوا عما إذا كان يهوديا أم لا. وبعد أن هاجر إلى إسرائيل واجتاز اجراءات الاستيعاب، بدأ «بيتون» في إقامة حياته الجديدة باسرائيل، ولكن الأمور لم تسر على ما يرام، لأنه بعد فترة قصيرة داهمته أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

ويقول «موتكا» إن الإيقاع بالجمال حدث بفضل موسى أبراموفيتش، الذي كان يعمل بوحدة الخاصة كانت تنتمي للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، وانتقلت لبعض الوقت إلى تبعية استخبارات الأمن العام (الشاباك)، كانت وظيفتها استجواب المهاجرين الجدد. وكان يتم عادة استدعاء المهاجرين الجدد الذين يتم سؤالهم عما إذا كانت أجهزة استخبارات أجنبية قد طلبت منهم التعاون للعمل كجواسيس في إسرائيل، فيمثلون في مكتب أبراموفيتش، الذي كان يقع في شارع اللنبي بتل أبيب.

وكان يطلب من المهاجرين الجدد ايضا ذكر أية علامات أو وقائع تثير الشبهات عن غيرهم من المهاجرين، فحكى عدد ممن كانوا على متن السفينة عن تصرفات غريبة لمهاجر يدعى جاك بيتون.

ويقول موتكا شارون: «استدعاه أبراموفيتس واستجوبه وزادت الشكوك حوله». وتم نقل المعلومات إلى جهاز (الشاباك)، وبدأت وحدة العمليات في مراقبة جاك بيتون، الذي كان يعيش في شقة مستأجرة بتل أبيب. وخلال فترة قصيرة للغاية تم اكتشاف سر آخر عن جاك بيتون وهو إنه عاشق صارخ للنساء ويهوى مطاردتهن. وزادت الشكوك حوله، فصدرت الأوامر ببدء العمل، فاقتحمت منزله قوة من وحدة عمليات الشاباك. ويضيف موتكا: «وجدوه في الفراش مع فتاة شابة، وطلبوا منها أن ترتدي ملابسها وتغادر الشقة فورا، بعد أن قاموا بتهدئتها وأكدوا لها أنهم لن يلحقوا بها أي أذى، وطلبوا منها عدم التحدث مع أحد عما جرى».

وويواصل «موتكا»: «طلب رجال الشاباك من جاك بيتون مرافقتهم للتحقيق، وكان في انتظاره داخل إحدى الغرف يوسف هرملين، الذي كان يرتدي ملابس ضابط بالجيش الإسرائيلي، وكان آنذاك قائدا كبيرا بالشاباك (وتم تعيينه رئيسا للجهاز عام 1963، خلفا لعاموس مانور). وكان هرملين ورفاقه عنيفين جدا في التحقيق مع جاك بيتون حتى كسروه». ويضيف موتكا: «كانت قصة تغطيته ضعيفة للغاية، وكانت معلوماته عن اليهودية وإسرائيل متواضعة للغاية، وكان من الواضح أنه ليس يهوديا وليس مهاجرا حقيقيا إلى إسرائيل. ووضع هرملين أمامه خيارين: إما العمل لصالحنا أو قضاء بقية حياته في السجن، فاختار جاك بيتون أن يكون عميلا لنا».

وهكذا، بحسب الرواية الإسرائيلية، أصبح رفعت الجمال أو جاك بيتون عميلا مزدوجا، علما بأنه لا توجد مهمة أصعب وأخطر في عالم المخابرات من اكتشاف جاسوس للعدو وتحويله ليعمل لصالحك، لانك لن تكون قادرا على الوثوق به أبدا، ولن تعرف أبدا الجانب الذي قرر يمنح ولائه له.

وكان المسؤول الأول عن تشغيل جاك بيتون لصالح إسرائيل شلومو جولاند، الذي ترك هذه المهمة بعد فترة من الوقت لتنفيذ مهام أخرى. ويقول مردخاي شارون، الذي كان ثاني مسؤول عن تشغيل جاك بيتون، بحسب الرواية الإسرائيلية: «بالطبع كنا نشك فيه، خوفا من أن يخوننا كما خان مصر، راقبناه، حتى خلال سفره للخارج ولقاءاته مع الملحق العسكري المصري في السفارة المصرية بإيطاليا. فقد كان يقابله في مقاه، وكنا متواجدين في الجوار. وكانت أكثر مخاوفنا أن يكون قد خضع لفترات تحقيق طويلة في مصر، فكنا نقوم باستجوابه على جهاز كشف الكذب بعد كل رحلة له خارج إسرائيل».

وأضاف: «راقبناه واختبرناه بدون أن يعرف، فقد كنا نطلب منه توصيل مظاريف مغلقة إلى جهات معينة، وكنا نفحص ما إذا كان سيفتحها ليعلم ما فيها ثم يعيد لصقها، ولكنه اجتاز كل الاختبارات، وتبين لنا أنه مخلص لنا، ولكن شكوكنا فيه كانت حاضرة دوما ولم تفارقنا. وفي إحدى المرات سافر لمقابلة مسؤوليه المصريين، فأعطوه راديو ترانزستور كي يستخدمه في التقاط التعليمات منهم بالشفرة، فالتقطناها سويا بمزرعة الدواجن التي يملكها والد زوجتي، حيث كنا نلتقي في هرتزليا. وحرصت على التواجد معه دوما في مواعيد بث التعليمات. وبعد ذلك أراد المصريون تسليمه جهاز بث، لارسال المعلومات إليهم لا سلكيا. وطلبنا منه اقناع المصريين بصعوبة ادخال الجهاز إلى إسرائيل وان ذلك يشكل خطرا كبيرا عليه في حالة اكتشاف أنه جاسوس مصري، وهذا ما حدث، واقتنع المصريون».

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com