بقلم : أشرف عبد القادر
لم يسبق للمصريين أن كانوا بمثل هذا التشرذم الذي هم فيه الآن،فحالة الإستقطاب في المجتمع المصري غير مسبوقة،وحالة الكراهية التي يكنها أبناء الوطن الواحد بعضهم لبعض تنذر بعواقب وخيمة،ولن تنهض مصر وتتبوأ مكانتها الإقليمية والعالمية إذا لم تتم مصالحة وطنية شاملة وفورية، حيث نجد الأزمات في كل مكان:أزمة اقتصادية،أزمة كهرباء،أزمة مياه،أزمة في الجامعات، أزمة في الأمن،أزمة في الإعلام،أزمة في النقابات،أزمة مع رجال الأعمال ...إلخ.
لا توجد حلول سحرية لهذه الأزمات العويصة الآخذة بأعناق الدولة المصرية،كما أن صلاة الإستخارة ما عادت تنفع لحل هذه المشكلات،فالأزمات تتوالى والرئيس السيسي والحكومة يحاولون جاهدين حلها،قدر الإمكان،في ظل تصعيد عنيف مستمر من الإخوان المسلمين.
لماذا تتفاقم هذه المشاكل؟
لإنعدام روح التسامح وفقدان الثقة بين الجميع،فالكل يكره الكل،والكل يخوّن الكل ويتربص به: الفلول خونه،والإخوان خونه،والإعلام خائن ومضلل، والقضاء خائن ومسيس،والليبرليون خونه،والعلمانيون خونه، والأقباط خونه،ومن انتخب السيسي خائن،ومن يطالب بعودة مرسي خائن.
أفلا يوجد حل عقلاني واقعي يرضي الجميع بمفهوم الحد الأدنى؟
هناك حل واحد وحيد وناجع:مصالحة وطنية فورية وشاملة تعيد لحمة المجتمع المصري(المتهلهل)، تعيد الترابط الإجتماعي للمجتمع المصري والأسرة المصرية،هذا الترابط سيكون بمثابة الأسمنت الضروري للم شمل كل فئات الشعب المصري تحت هدف واحد"مصلحة مصر العليا"،أما أنانية كل فريق للعمل لحساب أجندته الخاصة، لتحقيق مصالح فردية أو حزبية سيعرقل مسيرة الدولة وسيعوق خارطة الطريق،لأنها ستكون ضداً للتضامن الإجتماعي والطبقي وتآخي المجتمع المصري.
ما العمل؟
مصالحة فورية وشاملة هي مسألة حياة أو موت من أجل مصلحة مصر العليا،وهي الحل السريع لعودة الأمن والإستقرار للمجتمع المصري،كي يعود الراسميل الأجنبي والعربي للإستثمار في مصر،كي تعودة السياحة، التي تمثل مصدر الدخل الثاني لمصر بعد قناة السويس،وكلما تأخرت هذه المصالحة الوطنية الفورية والشاملة،كلما استمر العنف والإنفلات الأمني،واللاإستقرار، والخوف من المستقبل المجهول،و هروب المستثمرين،و إزداد تفكك المجتمع،والضحية هو الشعب الذي يئن تحت وطئة الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد.
لإنجاح هذه المصالحة الوطنية الفورية والشاملة ،هناك خطوات ضرورية وهامة يجب أن تأخذها الحكومة الحالية، لإثبات حسن نواياها للقوى المعارضة والأحزاب الأخرى وهي:
1ـ إطلاق سراح كل السجناء السياسيين،و سجناء الرأي،طالما لم تلوث أيديهم بدماء المصريين،أما من تلوثت يداهم بدماء المصريين فحكمهم متروك للقضاء ليقول كلمته فيهم.
2ـ وقف الملاحقات القضائية،ومهزلة البلاغات التي تنزل كل يوم كسيل المطر على النائب العام، وكأننا قمنا بثورة 25 يناير لتصفية الحسابات الشخصية والحزبية القديمة،وليس من أجل:الحرية،والعدالة الإجتماعية وللقضاء على الفساد،،فكل شخص أو حزب لا هم له إلا الكيد للآخر بتقديم بلاغات للنائب العام.
3ـ ضرورة تشكيل حكومة مصالحة وطنية،تضم جميع أطياف المجتمع المصري(الفلول،الإخوان، المسيحيين،النساء،الليبراليين،العلمانيين)مروراً بجميع أحزاب المعارضة،وممثلين لجمعيات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة كحمدين صباحي وعمرو موسى مثلاً.
4ـ ضرورة تخفيف الأحكام عمن هم في السجون،لأن تشديد الأحكام عليهم أو الحكم عليهم بالإعدام من شانه تهييج الرأي العام العالمي والمصري بالمظاهرات كل يوم جمعة،التي تشل الشارع المصري،وتثير الفوضى، ويقع فيها ضحايا غالباً ،يستغله الإخوان المتأسلمون لحمل الماء لطاحونة العنف والدم.
ما هو العائق الوحيد أمام هذه المصالحة الوطنية الفورية والشاملة؟
عقلية"الثأر العشائري"،فالإخوان يتخذون من الجيش والشرطة ومن الدولة نفسها أعداء لهم، ويحاولون جهدهم أخذ الثأر منها بالتفجيرات التي يثيرونها هنا وهناك،خاصة بعد فض إعتصامي رابعة والنهضة،وسقوط قتلى من مؤيديهم،فيطالبون بالثأر والقصاص لقتلاهم.
ويمكن حل هذه المشكلة بأن يشكل شيخ الأزهر لجنة برئاسته ويذهب بنفسه لكل أسرة من مات في فض الإعتصامين،ويدفع لأهله دية من مال الدولة،لكسر حدة العداء بين الإخوان والدولة والجيش والشرطة.
مصر ما بعد 25 يناير 2011،من الصعب أن يحتكر حكمها وثروتها فرد أو حزب أو نخبة،فلا بديل ونحن في أوائل القرن الـ21 إلا بتوسيع دائرة نظامنا الإجتماعي والسياسي،ليشمل جميع النخب والطبقات والأحزاب بلا استثناء،بإشراكهم جميعاً في السلطة والثروة،حتى لا تكون حرب الجميع على الجميع،كما هو حادث الآن.
فهل تستطيع يا سيادة الرئيس أنت وحكومتك الجديدة،سماعاً لصوت العقل والحكمة،أن تفعل كما فعل رسولنا الكريم(ص)، الذي أصدر عفواً شاملاً،بعد ان عاد منتصراً من المدينة إلى مكة،وطوى صفحة الماضي الأليم،وفتح صفحة الغد المشرق بالأمل والتسامح،فلقد كان بإمكانه أن ينتقم من قريش باسم العدل والقصاص،ولكنه عفى وأصفح امتثالاً لقوله تعالى:"خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين" (199 الأعراف)،وكما فعل أيضاً المناضل نيلسون مانديلاُ رئيس جمهورية جنوب أفريقيا،حيث تم سجنه لمدة 27 عاماً،وما إن خرج وأصبح رئيساً،لم ينتقم من سجانيه (البيض)،بل صفح وعفى عنهم، وبدأ عهداً جديداً بمصالحة وطنية فورية وشاملة،فاجعل من نيلسون مانديلا،ومن الرسول(ص)مثلك الأعلى،فالضعيف الخائف هو الذي ينتقم،أما القوي الواثق من نفسه فهو الذي يعفو ويصفح،جعلكم الله أهلاً للعفو والصفح من أجل مصلحة مصر العليا،فكلنا مصريون رغم كل الخلافات، فلم شمل المصريين يا سيادة الرئيس،وخذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن المزايدين،ولا تنسى أن هناك أيادي خبيثة تريد عدم الاستقرار لمصر،وأن يحارب الجميع الجميع،لنسقط في دوامة الفوضى،ونصبح في عداد الدول الفاشلة،وقي الله مصر شر الفتن والمحن،وعاشت مصر بكل أبنائها، على اختلاف أنتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية، حرة.وأبقاكم الله لمصر فخراً وزخراً.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com