نبيل ناجي
بعد تزايد حوادث التحرش الجنسي في الفترة الأخيرة، وهي في الحقيقة لم تتزايد في هذه الفترة فقط، ولكن هذه الانتهاكات الإنسانية هي واقع مسكوت عنه منذ فترة طويلة تمتد لسنوات وربما لعقود، ولكن من بشاعة ما ظهر منها من حوادث من انتهاك وتحرش جماعي مثلما حدث في ميدان التحرير مؤخرا، اعتقدنا بحداثتها في واقعنا، ولكن ما حدث هو تزايد التركيز الأعلامي عليها.
ويُرجع الكثيرون أسباب هذه الظاهرة إلى الفقر والجهل وغلاء المعيشة وتناقص فرص العمل، وإن كانت هذه الأسباب واقعية، ولكن هناك بُعد آخر لهذه الظاهرة لم يتم التركيز عليه وهو النظرة الدونية لهذه الفئة من المتحرشين للمرأة، ويتضح هذا من اعترافات بعض المتحرشين أثناء التحقيقات في حادثة التحرير الأخيرة.
فقول أحدهم إنه (أول مرة أشوف لحمة ببلاش) وقول آخر (افتكرت إنها مبسوطة كدة فوقفت أخد دوري) يعكس هذه النظرة الدونية للمرأة، وإنها مجرد جسد لتفريغ الشهوات والغرائز وليست كيانا ونفس إنسانية عاقلة لها جميع الحقوق الإنسانية ولها خصوصيتها التي لا يجب أن تخترق أو تنتهك، كما أن الاعتقاد إنه يوجد من تستمتع بهذه الأفعال الحيوانية هو إهانة لكيان المرأة الإنساني.
ورغم أن تخيل مثل هذه المواقف يثير الاشمئزاز، ولكن إن تخيلناه ستصيبنا الدهشة من كم القسوة والوحشية التي تصرف بها المجرمون تجاه ضحيتهم، فلا نستطيع أن نتخيل أن يجتمع كل هؤلاء الأفراد على ضحية واحدة ليجردوها من ملابسها وينهشونها دون شفقة رغم استغاثاتها، فستشعر أنهم محملون بكم هائل من الحقد تجاه المرأة بوجه عام مستغلين تفوقهم العددي والبدني عليها.
ودليل على ذلك، الفيديو الخاص بشابين يعترضون طريق فتاة ثم يسقطانها على الأرض وهم يضحكون ويسخرون، فهذا التصرف يدل على استضعافهم للمرأة بدنيا ويستغلون ذلك لإيذائها.
فكل هذه الاشارات والمواقف توضح النظرة المرضية للمرأة من استضعاف بدني، واختزال كيانها الإنساني في جسدها فقط واحتقارها، فهل الفقر وحده هو السبب في هذه النظرة الدونية؟ أم إنه يوجد بعض الأفكار الخاطئة يتعلمها هذه الفئات من المتحرشين منذ الصغر تجاه المرأة؟ !!!
ويبدو أن هذا صحيحا حيث تم القبض على أب وابنه وهم يتحرشون معا بفتاة، وهذا يدل على تجذر هذه الأفكار المغلوطة وتتوارثها الأجيال.
وبخصوص الفقر يتبادر إلى ذهننا سؤال آخر، هل يشعر الرجال وحدهم بالفقر وقهره؟ ألا تشعر المرأة بالفقر أيضا؟ لماذا لم تتجه المرأة للعدوانية والحقد تجاه الجنس الآخر؟
فرغم وجود كل هذه الضغوط، ولكننا لا يمكننا اعتبارها مبرر أو تفسير وحيد لأي فعل إجرامي، فالمشكلة ليست في المرأة أوجسدها أو وجودها، ولكن المشكلة في الأفكار المرضية المغلوطة التي تجعل هذه الطاقة السلبية تفرغ تجاه المرأة ليس سواها، لذلك يجب مواجهة هذه الجرائم ودراسة جذورها، وعدم الاستسهال بوضع تفسير جاهز لها أو تبريرها أو الصاقها بأي أسباب ظاهرية دون تعمق.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com