بقلم - يوسف سيدهم
الشارع المصري يموج وسط ردود الأفعال التي فجرتها الهجمة الإرهابية التي وقعت أمام جامعة القاهرة منذ عشرة أيام...تفجيرات قنابل الإرهابين فجرت مشاعر الغضب والغيظ لدي المواطنين,لكن هذه المرة لم تكن تلك المشاعر موجهة ضد الإرهاب وحده إنما-وبدرجة أكبر- ضد الجهاز الأمني والأداء الشرطي إزاء الفشل في التعامل مع الإرهاب والتقاعس عن حصاره ووأده قبل أن يتوحش ويستفحل.
ليست المرة الأولي التي أكتب فيها منتقدا السياسات الأمنية ونقاط الضعف الكارثية التي تكشفها العمليات الإرهابية...ليس المجال هنا للاستفاضة في سرد القصور الأمني في واقعة تفجير مبني مديرية أمن الدقهلية واعتبرنا وقتها أن وزارة الداخلية استوعبت الدرس القاسي,لكن مالبثنا وتلقينا بعدها صاعقة تفجير مديرية أمن القاهرة والتي كانت بمثابة ضربة في مقتل للعقل الأمني المصري وسياسات مواجهة الإرهاب.
حيث كشفت كاميرات المراقبة فضيحة خلو محيط أهم قلعة أمنية في مصر من التواجد الأمني اليقظ المكثف مما سمح لسيارة مفخخة بالاقتراب والتوقف ومغادرة قائدها لها وركوبه سيارة أخري جاءت لتقف بجوارها دون أن يتحرك أحد ولا أن يفطن أحد لما يحدث(!!) ثم بعد مغادرة السيارة الثانية للمكان بكل هدوء وسلاسة واطمئنان وقع التفجير الرهيب الذي أحدث تدميرا بشعا في مديرية الأمن وفي المتحف الإسلامي علي الجانب المقابل من الطريق, لكن التدمير الحقيقي كان في سمعة جهاز الأمن المصري بدرجة كانت تستوجب إحداث تغييرات جذرية في القيادات والعقول المخططة للسياسات...لكن لم يحدث شئ من ذلك,ولا غرابة إذا أن تستمر مصر في معايشة مسلسل لايتوقف من الإرهاب يصاحبه مسلسل أكثر منه كآبة من الترهل الأمني!!!
وأرجو ألا تعتقد وزارة الداخلية أو أي من المدافعين عنها أنه يكفي لإسكات الغضب المتأجج إزاء إخفاقها المتواصل في القضاء علي العنف واستئصال الإرهاب,أن تكرر علينا أنها تدفع في هذه المواجهة ضريبة باهظة من حياة ضباطها وأرواح جنودها وأبنائها البررة,لأن هؤلاء الضباط والجنود هم مصريون من إخوتنا وأبنائنا نتألم جدا وهم يسقطون ضحايا أثناء أداء واجبهم, لكن ذلك لايعطي الوزارة الحق في استخدامه للتستر علي القصور في سياساتها والذي يعتبر شريكا مع الإرهاب في وضعهم في دائرة الخطر وتهديد حياتهم.
وهنا تبرز عدة ملاحظات خطيرة تمس الأداء الأمني وسياساته يجب إثارتها لأن هذا الأداء الذي يوصف بالترهل تارة أو بالتخاذل تارة أخري أو بالأدياي المرتجفة أو بانعدام الحرفية ليس ترفا تملكه الوزارة بل له ثمن فادح لايقل عن نزيف أبنائها الذين يسقطون علي خطوط المواجهة...هذا الثمن يتمثل في شيوع سرطان الإرهاب واستقواء الإرهابيين يوما بعد يوم,بالإضافة إلي الترويع الدائم للمواطنين وتهديد حياتهم,وأخيرا وليس آخرا انهيار هيبة القانون والتفريط في في كرامة الدولة طالما أن الإرهاب يمرح كيفما يحلو له ولا يستطيع أحد إيقافه!!
هل يفوت علي القيادات السياسية والأمنية إدراك خطورة استمرار مسلسل العنف والإرهاب بشكل يومي في الجامعات وفي سيناريو متكرر بشكل يكاد يكون ثابتا؟..هل يدعي أحد في تلك القيادات أن السلطة تفاجأ بما يحدث خارج وحول وداخل الجامعات منذ بدء العام الدراسي في أكتوبر الماضي أو أنها لا تتوقعه؟...إننا إذا كنا نلتمس بعض العذر-وليس كل العذر-لمباغتة دراجة بخارية منطلقة يستقلها إرهابيان ملثمان ويطلقون النار في لحظة علي كمين شرطة أو سيارة جنود أمن أو أقباط مجتمعون أمام كنيسة,لايمكن لنا أن نلتمس العذر للرخاوة التي تتعامل بها السلطة الأمنية مع مشهد متكرر سئمناه لتجمع حشود الطلبة -والإرهابيين والمرتزقة-الخارجين من أماكن باتت محفوظة وتوجههم نحو الكليات الجامعية ومرورهم إلي داخلها لايستوقفهم أحد ثم انطلاقهم في جحافل بربرية تقتحم قاعات المحاضرات لتعطل الدراسة ثم قيامهم بتحطيم كل ما يقابلونه من أثاث أو تجهيزات أو معدات أو سيارات.
ناهيك عن إرهاب وترويع الطلبة وأعضاء هيئات التدريس والعاملين,ثم بعد ذلك يخرجون إلي الطريق العام أمام تلك الكليات ليقطعوا الطرق بإطارات السيارات المشتعلة...كل هذا السيناريو البغيض بات فصلا ثابتا ضمن الأحداث التي نتابعها كل يوم ونضحو لنقرأها في الصحف صباح اليوم التالي, بينما تتشدق قوات الشرطة بأنها تسيطر علي الأمور وتمارس أقصي درجات ضبط النفس!!!!.....هذا بجانب الشد والجذب والمساومات المخجلة المتبادلة بين قيادات الأمن وقيادات الجامعات حول السماح للشرطة بدخول الحرم الجامعي أو منعها من ذلك!!!!....
أين الصرامة والحسم الواجبان للقضاء علي الإرهاب؟...أين تطبيق قانون التظاهر؟....هل كل تلك الحشود أخطرت السلطات أصلا بعزمها التظاهر وخروجها تهتف وتهدد وتتوعد؟...لماذا لايتعامل معها الأمن بما تستحق وبما يستوجبه تطبيق القانون؟...ألا ينطوي التغاضي عن ذلك علي تصدير عجز وضعف من جانب السلطة يستقوي به الإرهاب؟....
ثم نأتي إلي آخر حلقات مسلسل الفضائح في الأداء الأمني:كيف ومتي تمكن الإرهابيون من زرع القنابل التي أودت بحياة ضباط الشرطة في أماكن ملاصقة تماما لمقر تواجدهم أمام جامعة القاهرة؟...أتعرفون كيف؟...لقد تم ذلك الساعة الرابعة فجرا في غيبة أي تواجد أمني...كان الأمن غائبا...نائما...ياحرام!!!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com