بقلم : يوسف سيدهم
بدأ الأسبوع الماضي سباق الانتخابات الرئاسية بإعلان اللجنة العليا للانتخابات عن فتح الباب لتلقي طلبات ومستندات المرشحين...الآن تعود مصر لتنشغل فعلا بالمرحلة الثانية من خريطة الطريق بعدما أنجزت المرحلة الأولي بإقرار الدستور,وبقدر مابعث الدستور من ارتياح واطمئنان في نفوس المصريين,
يتطلع الجميع إلي مسار بناء ونشط في هذه المرحلة يرس قواعد ديمقراطية سليمة ويقدم لمصر رئيس الجمهورية الأمثل الذي يقع عليه اختيار المصريين ليضعوا فيه ثقتهم ويسيروا تحت قيادته نحو استعادة مصر دولة عصرية حديثة.
الأمل أن يخوض سباق الرئاسة أكثر من مرشح لأن التعددية والمنافسة تعدان في صالح الممارسة الديمقراطية وتسمحان للمصريين بالفحص والمقارنة قبل الاستقرار علي المرشح الجدير بالحصول علي أصواتهم في صندوق الانتخاب...صحيح أن قانون الانتخابات الرئاسية يسمح بخوض الانتخابات في وجود مرشح وحيد -سواء لم يتقدم غيره للترشح أو انسحب منافسوه أمامه قبل إغلاق الباب-لكن تعدد المرشحين الذين يستطيعون خوض المنافسة وإكمال السباق إلي نهايته هو ظاهرة صحية يجب أن نحرص عليها ونحميها.
وفي هذا الإطار تبرز أهمية ترسيخ مفاهيم احترام جميع المرشحين والإصرار علي تمتعهم بحقوق وفرص متكافئة متساوية في سباقهم نحو الرئاسة,فكل منهم له الحق في الحصول علي التوكيلات التي ينص عليها قانون الانتخاب ولا يستقيم أن يقابل أي مرشح بمشاعر سلبية أو بعراقيل في هذا السياق-سواء علي المستوي الشعبي أو الرسمي-من مريدي أو مؤيدي-مرشح منافس...كما يجب ضمان مساحات إعلامية متكافئة لكل مرشح لتقديم رؤيته وبرنامجه للمصريين, فهذه ليست مجرد مساواة وعدالة واجبة نحو المرشحين لكنها أيضا واجبة نحو المواطنين لتمكينهم من التعرف علي كل مرشح تمهيدا لحسم أمرهم قبل الذهاب للصندوق.
أعرف أن المشير عبد الفتاح السيسي يتصدر حتي الآن سباق المتنافسين علي منصب الرئيس لما يتمتع به من رصيد كبير من الحب والعرفان في قلوب شريحة ضخمة من المصريين لدوره البطولي في إنجاح ثورة الشعب في30يونية الماضي وتخليص مصر من حكم جماعة الإخوان...
لكني أعرف في ذات الوقت أن أي مرشح آخر يتأهل للمنافسة في السباق الرئاسي له منا كل التقدير والاحترام وله علينا واجب القبول والإصغاء إلي أن تجئ ساعة الذهاب للصندوق...وكما أعطت مصر صورة مشرفة أمام العالم في صياغة دستور محترم وفي مشهد الاستفتاء عليه وإقراره,يجب أن تحذو الحذو ذاته في مسار الحملات الانتخابية الرئاسية وفي الاقتراع يوم الانتخاب وفي عملية فرز الأصوات وحتي إعلان النتيجة النهائية وقيام الرئيس المنتخب بحلف اليمين واستلام مهام ومسئوليات منصبه.
لقد نجحت مصر في مسار إنجاز الدستور الجديد-المرحلة الأولي من خريطة الطريق-أن تمحو الذكريات الكئيبة والتجربة المريرة التي ارتبطت بالدستور الذي سبقه....والآن علينا في هذه المرحلة ومن خلال مسار الانتخابات الرئاسية أن نزيل تماما ماعلق بالذاكرة الوطنية من تجاوزات وافتراءات شوهت التجربة السابقة للانتخابات الرئاسية....ولنبدأ في هذا الإطار بتأصيل أبسط المبادئ الأخلاقية التي تؤصلها سائر الشعوب المتحضرة والدول المحترمة وهي الصدق والأمانة والشفافية...إنها لكارثة مخجلة بجميع المقاييس أن نتذكر ما حفلت به الانتخابات الرئاسية السابقة من استحلال بعض المرشحين للكذب والخداع والتزوير في المستندات الرسمية لبلوغ مقاصدهم وكأن مبدأالغاية تبرر الوسيلة صار مبدأ سياسيا معترفا به ومقبولا(!!!)...كما لاتخلو الذاكرة من مشاهد مظاهرات التأييد لبعض المرشحين التي استمرأت اللجوء إلي العنف والإرهاب لإقصاء أنصار مرشحين آخرين...ثم شيوع ممارسات البلطجة والقرصنة في كل ما يتصل بعمليات الاقترع سواء في الإدلاء بالأصوات أو في فرزها...وأخيرا الخطاب الإرهابي المقزز الذي انفجر قبل إعلان النتيجة الرسمية النهائية يهدد ويتوعد المصريين بحرق مصر وتحويلها إلي بحور دم إذا لم يفز مرشح بعينه!!
كل تلك السقطات الكريهة حرصت علي استدعائها من ذاكراة الوطن لعل أحدا منا نسيها ولأضع كلا منا أمام ضميره الوطني ومسئوليته نحو مصر الجديدة التي نصنعها معا,علينا جميعا أن نعبر تحدي الانتخابات الرئاسية مثلما عبرنا تحدي الدستور دون التفريط في احترام وتقدير الجميع والحرص التام علي حق الجميع في الترشح والتأهل والتنافس بشرف وصدق وكفالة أقصي درجات الشفافية في السباق الانتخابي اقتراعا وفرزا ونتيجة...وليعلم الجميع أنه آن الأوان لإعلاء الوطنية والمواطنة التي تجمعنا والترفع عن القبلية والعشائرية التي سبق أن مزقتنا,فأيا كان الرئيس الذي سيفوز في السباق,يجب أن يكون معلوما له أنه سيكون رئيسا لكل المصريين فليست له جماعة أو عشيرة يصطفيها عن سائر المواطنين,يستوي عنده من لم يعطه صوته مع من أعطاه صوته...وفي المقابل علي المصريين أنفسهم-بعد أن يتنافسوا بشرف وصدق في السباق ويؤازروا من يفضلون من المرشحين حتي الصندوق-أن يقبلوا الفائز في السباق يجب وبلا مرارة أو رغبة في تصفية حسابات أو نية لتعويق العمل,فالانتخابات برمتها ليست إلا خطوة مهمة في طريق طويل يلزم فيه العمل الشاق المضني لاستكمال عملية انتشال مصر مما حاق بها في ثلاثة أعوام من أخطر مامرت به في تاريخها الحديث.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com