فى طفولتى لم تفرق أذناى بين عويل النساء فى المآتم وزغاريدهن فى الأفراح، ولا بين صفارات الإنذار فى الحرب وصفارات الأمان، واكتشفت بالتدريج (مع زوال الطفولة) أن مقتل العروس ليلة الزفاف لا تخفيه إلا دقات الطبول، كما تخفى الأبواق الانتخابية الزاعقة موت الديمقراطية.
فى البلاد الرأسمالية الأبوية الحديثة، حيث ١٪ يملكون و٩٩٪ لا يملكون، فشلت الديمقراطية فى تحقيق أدنى حد للعدالة لأى شعب فى العالم، وانخفضت نسبة المشاركة فى الانتخابات عالمياً، بكل مستوياتها الرئاسية والبرلمانية والمحلية، حتى فى أمريكا ذاتها، التى لا تزال تدفع بالديمقراطية ضمن سلعها فى السوق الحرة، مع الأسلحة واللبان والأديان وتكنولوجيا التجسس والإعلام.
بعد الغزو الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣، تم إرغام الشعب على إجراء انتخابات صورية سريعة، وكانت الدماء تغرق شوارع العراق، والصحف الأمريكية تشيد بعرس الديمقراطية العراقية، وتم انتخاب حكومة مأجورة للاحتلال، وبرلمان هزلى يشبه البرلمان المصرى الذى ارتفعت فيه الأصوات بالأذان وحى على الصلاة، وتكررت المأساة فى ليبيا وغيرها؟
تشترك الأحزاب السياسية بكل أنواعها، إسلامية وليبرالية واشتراكية وشيوعية، بهذا العرس الديمقراطى المزيف، وفى مصر أيضاً، بعد ثورة يناير ٢٠١١، ودماء الشباب تغرق الشوارع، تمت انتخابات متسرعة مزورة قبل إصدار الدستور الجديد.
تحت اسم بناء دولة مصرية ديمقراطية حديثة، يستمر مسلسل إجهاض ثورتى يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣، بعمل الانتخابات ومصر غارقة فى الدماء تحارب الإرهاب الدينى وأعوانه فى الحلف الأمريكى الإسرائيلى الأوروبى؟
وهل تكون الانتخابات ناجحة والحكومات كلها فاشلة منذ ثورة ٢٠١١؟
هل نهدر الأموال والوقت والجهد لمجرد إقناع العالم بأن عندنا ديمقراطية؟ رغم انتهاء صلاحيتها فى نظر العالم؟
القراء والقارئات فى تعليقاتهم يشجعوننى على قول الصدق وإن كان صادماً، وأنا بطبيعتى لا أحب الصدام، لكن الكلمة البديهية البسيطة تبدو صدامية وسط المحيط الكاذب. ومن التعليقات على مقالى السابق «ليس لأمى مكان فى الجنة» ما كتبه مجاهد شافعى:
أشكرك على مقالك الرفيع فى إنسانيته، ونحن مجتمعات لن ينصلح حالها إلا بالصدمات والمواجهات، فمن لا يصدم شيئاً لا يبدع شيئاً، كما قال نزار قبانى، وما أبشع وضع الأمهات اللائى يقفن طوابير طوال سنوات لتحصل الواحدة على كرامتها، وما أكثر الأمهات يضحين بكل شىء ولا يأخذن شيئاً، نحتاج كتاباتك أكثر وأكثر، هى تصدمنا لأنها مبدعة.
وكتب هادى الجبالى: «مقالك يكشف عما نستره من عيوب أخلاقية، وكيف نتربى على إخفاء الموبقات، وهناك مثل صوفى قديم يقول: اللهم افضحنا ولا تسترنا حتى يبين الغث من السمين».
ويكتب محمد العنتبلى: «مقالك يعرينا ويكشف الدمامل المتخفية، أطالب بأن يوضع هذا المقال ضمن مقررات التعليم للأطفال منذ المراحل الأولى، أشكرك باسم كل الأمهات اللائى يعشن ويمتن فى النسيان والإهمال».
ويكتب د. رياض خضير: «أشكرك على الصدق، كتاباتك نادرة رائدة تضرب العقول المتعطنة بالثقافة الذكورية، وتفضح الكذب وازدواجية المقاييس، مقالك صدمة لكل المتسترين بالفضيلة الكاذبة، الذين يرسخون الأمومة المريضة، وخدمة الزوج الخائن الأنانى، تحية إليك من حفيدتى التى أصبحت أماً لأول مرة منذ شهرين، استمرى فى الكتابة ربما تتحرك ضمائرنا، كلماتك تضغط على كل ندبة فى أجسادنا ومشاعرنا لتفتح جراحاً وآلاماً كثيرة، لكن وسط ألم المخاض يولد أمل جديد».
وكتبت نورهان عدلى: «كلامك يريح النفس ويعطى أملاً فى المستقبل، أنت تحركين المياه الآسنة فى نفوسنا وعقولنا، الكل يتكلمون عن حب الأم ولا يفعلون أى شىء لتحريرها من الذل والعبودية».
وكتب الشاعر محسن حنفى: «أنت قامة فكرية، وأنا شخصياً تعلمت الكثير من عقلك الراجح، وغيرت الكثير من أفكارى، ولكن أطلب منك الأفكار الوسطية وليس التصادمية».
وأسأل الشاعر: هل تجهض الثورات (تاريخياً) الأفكار الوسطية؟
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com