تصورأيها المواطن المصرى أن يطرق بابك مجموعة من البشر للتحقق من ديانتك، وحين تعرف أنك مسيحى تقوم بذبحك! هذه الكارثة الإنسانية الرهيبة التى حدثت فى الولاية المجاورة لحدودنا الغربية. هذا الإنسان الذى تحول إلى قاتل مع سبق الإصرار والترصد يعتقد تماماً أنه يقوم بعمل جليل وعظيم سوف يدخله الجنة.
هذه المأساة التى نعيش فيها الآن هى نتاج أفكار مسمومة انتشرت فى منطقتنا العربية بدرجات مختلفة، كانت قمتها القتل على الهوية كما كان يحدث فى لبنان أثناء الحرب الأهلية، ولكن الأمر الآن أكثر كارثية لأنه يتم بدون حرب ولا عراك ولا حتى خلاف من أى نوع. لقد اقشعر بدنى وأنا أسمع من أحد المسلمين فى بنى غازى عبر التليفون حين قال إن المسلحين طرقوا بابه ليسألوا سؤالاً واحداً وهو «عندكم مسيحيين ساكنين هنا؟» وكانت الإجابة «لا»، بينما واقع الأمر أنه كان هناك فى الأدوار العليا مجموعة من الصعايدة المسيحيين يختبئون. هذه الجريمة الكبرى فى حق الإنسانية وفى حق المواطن المصرى وفى حق الوطن كان من المفروض أن تحرك مشاعر الشعب كله لينتفض دفاعاً عن أبنائه ودفاعاً عن الحق والإنسانية والمساواة وكل مبادئ الأخلاق والوطنية التى ندرسها فى مدارسنا. لم يحدث شىء من ذلك، لم تتحرك المظاهرات الاحتجاجية على هذا الحادث الجلل، ولم تحدث اجتماعات مكثفة لمحاولة منع تكرار الكارثة.
صحيح أن الوضع غاية فى الخطورة فى بنى غازى، وأن المنطقة تحكمها عصابات ما يسمى بأنصار الشريعة وهى ملاصقة لحدودنا الغربية، وأن الوضع كان من الخطورة لدرجة اختطاف طاقم السفارة المصرية، إلا أن الأمر كان يقتضى وقفة أكبر من بعض الصور التى نشرت فى الصحف ومن الاجتماع الذى حدث فى نقابة الصحفيين لدعم المصريين فى ليبيا. صحيح أن السفير المصرى فى ليبيا والموجود فى مصر الآن وبعد الاتصال به عرفت أنه يقوم بمجهودات جبارة لإنقاذ مسيحيى بنى غازى، لكن السفير بمفرده مهما كانت قدراته فهى محدودة، فلابد من أن تقف وراءه الدولة ويقف وراءه المجتمع المدنى. كنت أتوقع أن يثور المصريون جميعاً مسلمين قبل المسيحيين على ما حدث، وهذا كان بالتأكيد سيدفع الدولة لأن تفعل أكثر مما فعلت بكثير. وكنت أتوقع أن تثور أوروبا وأمريكا على قتل الأبرياء وتتخذ مواقف جادة وواضحة ضد ما يحدث وأن تساعد فعلياً فى وقف المذبحة ونقل المسيحيين العالقين فى ليبيا إلى مصر، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
أعرف أن هناك مشكلة إضافية ربما تكون سبباً فى هذا الموقف الضعيف تجاه هذه المأساة، وهو أن هؤلاء المسيحيين من الفقراء الكادحين الذين ذهبوا إلى ليبيا من أجل لقمة عيش بسيطة، ومعظمهم صعايدة ذهبوا هناك للعمل بالطريق البرى لأنه أرخص، يرتدون الجلباب الصعيدى التقليدى. لو كان بعض هؤلاء الأقباط من رجال الأعمال أو من علية القوم لكان تصرف مصر شعباً ودولة مختلفاً. وقد علمت بعد كتابة هذا المقال أن وزارة الطيران قررت التعاون مع الدولة فى نقل المسيحيين المختبئين بعد أن تركوا جوازات سفرهم وأوراقهم، وقررت إصدار وثائق سفر مؤقتة لهم. وأن وزير الخارجية قام بزيارة إلى إيطاليا ناقش فيها وضع المصريين فى ليبيا وما يتعرضون له.
الأمة المصرية يجب أن تدافع عن كل مواطنيها بنفس الدرجة والقوة بغض النظر عن دينه أو مستواه الاجتماعى حتى نكون أمة محترمة وحتى نفخر بمصريتنا عن اقتناع وليس فقط بالشعارات.
علينا جميعاً ألا نهدأ حتى يعود كل المسيحيين فى بنى غازى إلى أرض الوطن سالمين.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com