عندما تتطلع إلى مدينة دونيتسك الأوكرانية من أعلى، لا يخامرك الشك في أنها مدينة تعدينية. المدينة الواقعة في شرق أوكرانيا والتي يسكنها نحو مليون إنسان شيدت حول منجم، في إشارة إلى تغلغل جذور هذا النشاط في تاريخها.
الناس هناك على دراية بما يحدث في "كييف" عاصمة البلاد، التي يمكن أن تبدو بعيدة جدا عن المدينة.
سكان المدينة شاهدوا صور المحتجين المناهضين للحكومة الذين قتلوا في شوارع "كييف" وتابعوا التقارير التلفزيونية حول قصور الرئيس المخلوع فيكتور يانكوفيتش، السياسي الموالي لروسيا الذي نشأ في هذه البلدة الشرقية النائية.
كما شاهدوا الحكومة الانتقالية الجديدة في البلاد تساعد المحتجين الذي ينتمي غالبيتهم إلى غرب أوكرانيا. الوضع الجديد لم يرق على الإطلاق للكثيرين هناك.
هذا الشعور يتجلى على وجه الخصوص بين الأوكرانيين الراديكاليين من التيار اليساري الذين تجمعوا في الميدان الرئيسي في المدينة لإلقاء الخطب ويقول البعض لحماية تمثال لينين -المنصوب في وسط الميدان- من "الفاشيين".
أحدهم هو أندريه بالاشوف ماكيفكا، وهو صاحب أحد المتاجر المحلية. وقال هذا الأسبوع: "كون أوكرانيا باتت مقسمة بالفعل، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن فعله الآن هو القبول بأن البلاد لا يمكن توحيدها بعد الآن".
وفي الغرب، برزت مدينة "لفيف" كمركز للفنانين والكتاب الأوكرانيين وأصبحت مركز جذب هائلا للسائحين الأوروبيين ومدينة تتطلع بلهفة إلى تعزيز العلاقات مع الغرب.
ويتفق أشد المتشائمين والمتطرفين في الجانبين على أن المدينتين أصبحتا بالفعل في بلدين مختلفين. في الواقع، ترفرف الآن في شوارع لفيف أعلام مؤيدة لأوروبا كما تنتشر رسومات الجرافيتي واللافتات المناهضة ليانكوفيتش.
وتصف إحدى اللافتات الشهيرة يانكوفيتش بأنه "الوغد الذي باع بلادنا". أحد سكان لفيف أعرب عن أمله في أن تصبح أوكرانيا في نهاية المطاف جزءا من الاتحاد الأوروبي.
وقال: "نأمل في الانضمام إلى أوروبا ونملك نظاما بدون تأشيرات، آمل أن تبدأ حياتنا في التحسن".
كما سلط أوليج خاندوجي الضوء أيضا على الاختلافات الأساسية بين الأوكرانيين الذين يعيشون في شرق وغرب البلاد. ويقول: "(الأوكرانيون الذين يعيشون في الشرق) تعرضوا لغسيل مخ، لا يرون سوى العمل. يعيشون في مناجمهم ولا يرون أبعد من ذلك، لذلك يصعب إيجاد أرضية مشتركة معهم. الجزء الغربي أكثر انفتاحا، أكثر أوروبية، إنه أكثر ذكاء وميلا لأوكرانيا".
وفي ضواحي دونيستك تتجلى على نحو ساخر أمارات هذه الحياة القاتمة التي يصفها خاندوجي. فأكوام النفايات الناتجة عن أعمال التعدين تبدو عملاقة أمام منازل العمال الذين يعيشون على مقربة منها.
وفي الشارع الذي يقع مقابل المنجم يوجد أثر جيد الحفظ يعود إلى الحقبة الشيوعية. ويعلق يوري الذي رفض الكشف عن اسم عائلته، يعلق على التغييرات التي شهدتها البلاد مؤخرا.
وقال: "الساسة فشلوا في التوافق ودفعوا الناس إلى مناصبة العداء لبعضهم البعض. والآن نواجه وضعا يشعر فيه الناس في الشطر الغربي من أوكرانيا بالغضب من الناس في الشطر الشرقي والعكس صحيح. لا أعرف ماذا يحمله المستقبل، لكنني لا أريد حربا".
ولم تقبل سوى مجموعة قليلة من القادة المحليين الحديث عن الوضع الأخير في أوكرانيا. ومن بينهم أليكساندر كرافتسوف، وهو مسؤول كبير في المدنية وعضو في حزب يانكوفيتش السياسي.
ويقول "كرافتسوف" إنه يعتقد أن غالبية الناس في المنطقة لا زالوا يؤمنون بأوكرانيا موحدة، لكنه حذر من تنامي أعداد الأشخاص الذين سيربطون أنفسهم بروسيا في حال شعروا بالتهديد.
وقال "كرافتسوف": "لو واصلنا رؤية مشاهد العنف والتصرفات غير القانونية على شاشتنا، من الطبيعي ساعتها، كوننا منطقة تتحدث الروسية، منطقة ذات ميول روسية، سيزداد عدد أنصار (روسيا) بشكل كبير".
وبالعودة إلى لفيف، وبين الشوارع المرصوفة بالحجارة والكنائس الكاثوليكية التي تعود إلى العصور الوسطى، يخامر الساكنة المحلية ناتاليا ميتسكو شعورا قويا بأن روسيا لن تعود تقود بلادها بعد الآن.
وتقول: "المواطنون الأوكرانيون من الشطر الشرقي من أوكرانيا يخشون قليلا الساسة ويواجهون ضغوطا كبيرة من الاتحاد الروسي والسلطات الروسية. يحتاجون إلى أن يفهموا أننا جميعا متحدين ونحتاج إلى بناء أوكرانيا موحدة بدون روسيا".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com