من طيبات ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ أن أجانب كثيرين اكتشفوا واستحسنوا مذاق وجبة الكُشرى المصرى الشهيرة. كما ساعد على شعبية ذلك الطبق أنه «نباتى»، يخلو من اللحوم، فى عصر أصبح فيه مزيد من شباب الطبقات الوسطى يأخذون بهذا النهج الغذائى، باعتباره صديقًا للبيئة!
أدرك ذلك كله رجل أعمال مصرى، انتقل إلى لندن منذ عدة سنوات، وهو السيد صلاح خليل. ورغم أن لديه مشروعًا علميًا طموحًا لترجمة المراجع الأساسية، من كل اللغات الحية إلى العربية، خلال السنوات الخمس القادمة، إلا أنه رأى فُرصة ذهبية لمشروع آخر فى المدى القصير، وهو تقديم وجبة الكُشرى المصرية إلى المجتمع اللندنى. وتحمس أبناؤه الأربعة (عادل، وأحمد، وعُمر، وإيمان) للفكرة، واستطلعوا رأى زُملائهم من المصريين والعرب والإنجليز، فى الجامعات الأربع التى يدرسون فيها فى المملكة المتحدة، بعد أن تذوقوا أطباقاً من الكُشرى الذى كانت تُعده لهم والدتهم، السيدة نيفين النحاس، ذات الأصول الأرستقراطية الإسكندرانية.
ورغم الحماس واختمار الفكرة لدى الأسرة، إلا أن شخصية رجل الأعمال الحذر لدى صلاح خليل، جعلته أكثر حِرصاً قبل المُغامرة باستثمار كبير فى مشروع الكُشرى. فانتهز فُرصة مهرجانات ومسابقات الأطعمة الدولية لقياس درجة الإقبال على عينات الكُشرى التى أعدتها زوجته، وحينما تأكد من النتائج الأولية، توكل على الله، واختار اسماً جذاباً هو شارع الكُشرى (Koshery Street)، وهو اسم قريب من اسم برنامج الأطفال الشهير، شارع سمسم (Sesame Street).
ولأن هناك جيلا كاملا تربى على مُشاهدة شارع سمسم، فإن اختيار اسم شارع الكُشرى، كان اختياراً موفقاً للغاية.. لسهولة تذكره.
ولأن أولاد صلاح خليل الأربعة يتفاوتون فى درجة حُبهم لخلطة الكُشرى، فقد تفتقت قريحة أمهم، السيدة نيفين النحاس، عن ابتكار ثلاثة مستويات من خلطة الكُشرى: مُعتدلة، وحارة، وحارة جداً (مخبوتة). وبدأت عائلة صلاح خليل مطعمهم، شارع الكُشرى، فى أحد الأحياء الشعبية فى قلب لندن (Saint martin Lone)، التى يتردد عليها السُيّاح، عموماً، والعرب خصوصاً، وكان ذلك فى بداية صيف ٢٠١٣. وخلال الشهر الأول، تكاثر الزبائن بمتوالية هندسية، من مائتين إلى ألف زبون يومياً. وهو ما اضطر آل خليل إلى الاستعانة بمديرة لبنانية، وهى السيدة سُعاد الحلو التى أضافت عدة لمسات جمالية فى عرض المحتويات، التى تنطوى عليها التنويعات الثلاثة لشارع الكُشرى، وهو ما جذب انتباه المحال والصحافة المُتخصصة فى المطاعم اللندنية، التى أشادت بوجبات شارع الكُشرى.
ثم جاءت نقلة نوعية هائلة لشارع الكُشرى، حينما أشادت به صحيفة الجارديان البريطانية الواسعة الانتشار. وهو ما جذب إليه، إلى جانب المصريين والعرب، عُملاء أفارقة وهنودا وباكستانيين، ومن بُلدان شرق آسيا الأخرى. وتجاوبت السيدة سُعاد الحلو لهذه الطفرة، بمزيد من التنويعات فى خلطة شارع الكُشرى. ومع الشهر السادس، انضم إلى عُملاء المطعم، أعداد إضافية من بُلدان أمريكا اللاتينية، الذين يعيشون فى لندن، أو يفدون إليها للتسوق والسياحة.
وبدأت الطلبات على شارع الكُشرى، لافتتاح فروع له فى بقية المُدن البريطانية الكُبرى ـ مثل أدنيرة، وجلاسكو، وفينسيا وفى المُدن الجامعية ـ مثل أكسفورد وكمبردج وأبردين.
أكثر من ذلك عرض مستثمر إماراتى على صلاح خليل أن يفتتح فروعاً فى بُلدان الخليج العربى (الإمارات، وقطر، والبحرين، وعمان)، حيث توجد عمالة آسيوية وافدة فى هذه البُلدان، من مُحبى الأطعمة النباتية ذات التوابل الحارة!
ولكن صلاح خليل حريص على ألا يندفع فى التوسع داخل وخارج بريطانيا، قبل أن تكتمل منظومة إدارة شارع الكُشرى، حتى تصبح مثلاً، على شاكلة ماكدونالدز، وبرجر كنج، وبيزا هات، من حيث قياسية النوعية والكمية، أى أن يجد الزبون نفس الاختيارات، ونفس الجودة، فى أى من فروع شارع الكُشرى فى أى مكان فى العالم.
إن صلاح خليل نموذج مصرى مُشرف، فى عصاميته، وفى مُثابرته، وإبداعه. وينطبق عليه القول المأثور عن حُب المصريين لوطنهم وثقافتهم. فحتى إذا خرج المصريون من وطنهم، سعياً للتعليم أو بحثاً عن الرزق، فإن مصر لا تخرج منهم. فهم مصريون نُخاعاً، وعقلاً، ووجداناً.
سألت صلاح خليل عما ينوى أن يفعله لتطور شارع الكُشرى؟ فقال: «البِصارة»، وهى أحد مشتقات العدس أو الفول. كما ينوى أن يشترى مزارع تتخصص فى إنتاج مُدخلات الكُشرى ـ من عدس وفول وأرز ومكرونة وطماطم وتوابل. وكذلك التنويع فى أحجام العبوات، تمهيدا، لإضافة خدمة التوصيل إلى المنازل، وإغراء بعض خطوط الطيران لإضافة الكُشرى إلى قوائم طعام وجباتها، وخاصة على الرحلات المُتجهة إلى الشرق الأوسط وشرق آسيا.
سألت صلاح خليل ماذا عن مشاريعه الثقافية التى كان يُفكر فيها، منذ تحول من رجل أعمال ناجح إلى عالم اجتماع سياسى مجتهد، ثم إلى كُشرجى مُبدع؟
تنهد صلاح خليل، تنهيدة عميقة، ثم أجاب أن مولوده الأول فى هذا الصدد هو «وقفية الإسكندرية» (Alexandria Trust) التى أطلق على فرعها الثقافى والتعليمى اسم «الفنار»، فى إشارة واضحة إلى فنار الإسكندرية الشهير الذى كان يُرشد السُفن فى البحر المتوسط، من على بُعد مئات الكيلومترات. وقد اختار للانطلاق «بالفنار» أفضل الأساتذة من أفضل عشرين جامعة، فى اللغويات والعلوم الاجتماعية، على مستوى العالم. وأكد صلاح خليل أن العمل فى الفنار، يسير على قدم وساق، بالتوازى مع شارع الكُشرى. وستظهر باكورة نتائجه قبل نهاية عام ٢٠١٤. وعهدى بصلاح خليل أنه إذا وعد أوفى.
بورك صلاح خليل وأسرته، ومُساعدوهم، وأكثر الله من أمثالهم فى مصر، والوطن العربى، والعالم.
وعلى الله قصد السبيل.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com