كتب الإعلامى الكبير عماد أديب منذ أيام مقالاً بعنوان «احترام الخصوصية»، وأعتقد أنه قد كتبه بعد أن طاله رذاذ قبيح استباح الغوص واللغوصة فى خصوصياته على مواقع التواصل الاجتماعى بشكل مقزز ومنفر، جعلنى أدخل فى جدل على هذه الشبكات دفاعاً عن حق رجل يبحث عن السعادة وسط أصنام كآبة وعواجيز فرح ومنافقى زفة، طالبت بأن يختلف معه من يختلف سياسياً وليصل النقد والهجوم على الأفكار والمواقف إلى أقصى مدى، لكن أن نقتحم حياته الشخصية بهذه الصفاقة ونسخر ونسب ونشتم، فهذا انحدار أخلاقى صار للأسف هو العادى والبديهى والطبيعى فى مصر، بل والمفضل والمشجع عليه والممدوح فاعله والممجد متعاطيه، ليس عماد أديب فقط هو ضحية اقتحام الخصوصية، ولكن صار أهل المحروسة يأكلون لحم بعضهم البعض بكل شهية، ويهتكون أعراض الجار والصديق والقريب والغريب بكل نشوة وشبق،
صار المصريون يتلذذون بالنميمة ويستمتعون بالغيبة ولا توجد حدود ولا أسوار ولا حواجز ولا عيب، وكله باسم الحرية وتحت شعار هذا البنى آدم شخصية عامة فلنشرّح فيه كما نشاء، ولنعبث فى حياته الخاصة كما نريد، جاء الموبايل إلى مصر ليوقظ أقذر سلوكياتنا ويفتح كل مواسير الصرف الصحى لتصرفاتنا، تجد نفسك جالساً فى مقهى أو ناد أو تتجول فى مول مع أصدقاء، فيقتحمك بنى آدم لزج ويفتح شاشة موبايله وهو يبتسم ببلاهة ليصور المشهد وأنت داخل الكادر وبدون استئذان، أما آخر موضة فى رخامات الموبايل التى لا تعرف أى إنسانية أو خصوصية هى موضة تصوير ما يحدث أمام المقابر وفى الجنازات من انهيارات المشاهير وبكائهم، وقد شاهدت أحد هذه الفيديوهات أمس،
والذى يصور الفنانين داليا البحيرى ورانيا فريد شوقى ومدحت السباعى ومنة شلبى وغيرهم، وهم يبكون ودموعهم تنهمر وبالطبع لا يعرفون أن هناك شاشة باردة تسجل كل شاردة وواردة بحجة السبق والمنافسة، كيف تسمح لنفسك مثلاً أن تصور سيدة مشهورة أو غير مشهورة على شاطئ بدون إذنها؟!، كيف تستبيح أن تصور أى بنى آدم معروفاً أو غير معروف وهو يرقص أو بيتنطط أو بيهرج، سراً وخلسة وبلا ضمير؟!، نحن أصبحنا عاشقين للتلصص والنظر من ثقب الباب والتنصت من النوافذ والاختباء خلف الستائر وكل هذه التصرفات نسميها جدعنة وفهلوة وفكاكة!!، تبقى قاعد فى حالك وبتتكلم مع أصدقائك فى المترو أو فى الكافيتريا فتجد فجأة وبدون مقدمات الجار على المائدة المجاورة أو الكرسى الخلفى يستكمل الحوار ويدلى بدلوه ويعترض على وجهة نظرك أو حتى يؤيدك بدون أن يطلب منه أحد هذا الدلو المتدلى!!، أجمل ما فى الغرب عدم الحشرية وأن كل واحد فى حاله لا يدس أنفه فى شئون غيره، ولا يتحدث إلا إذا طلبت منه وجهة نظره، والغريب والمدهش أن هذه الحشرية المصرية لا تمتد إلى ما يجب أن تمتد إليه؛ مثل شهامة إغاثة الملهوف وإنقاذ الضحايا خاصة فى حربنا مع الإرهاب، جارك يصنع فى شقته «مولوتوف» ويخزن أسلحة ويحضر لعملية إرهابية هنا وفى هذه الحالة تقتل فضولك وتغتال تلصصك وتكبت شهوة استباحة النميمة ومسك السيرة وتقول: وأنا مالى.. خلينا فى حالنا وموضوعنا.. دع الخلق للخالق!!!،
يا سلام ع الإيمان والتقوى والشفافية والتحليق الصوفى الذى دخل نخاعك الشوكى فجأة وبدون سابق إنذار!!، متى سنتعلم احترام الخصوصية؟، أما بالنسبة لعماد أديب فألف مليون مبروك، ونصيحتى المتواضعة له: عش بكتالوجك الخاص وباترونك الشخصى كما أنت ولا يهمك حد، ولا تدع كائناً من كان يجبرك على أن ترتدى قناعاً أو تعيش حفلة تنكرية، أو تمثل دور مش دورك فى مسرحية مش انت مؤلفها ومخرجها.. صباح السعادة.
نقلا عن khaledmontaser.com
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com