مأمون فندي
كل يوم تعقد ندوة وحلقة نقاش حول ما يسمى «الإسلام السياسي»، من دون جرأة حقيقية لفض الاشتباك على مستوى المفاهيم بين الإسلام كبرنامج تشغيل (بلغة برمجيات الكومبيوتر)، وبين المسلم الذي يحمل في رأسه هذا البرنامج. هذا إذا قبلنا استخدام استعارة حديثة أو تشبيه حديث من عالم تكنولوجيا المعلومات بصورة مبسطة لتوضيح الفكرة. أو بمستوى أعلى من التنظير، أن نفرق بين الإسلام كنص اجتماعي، أي بعد أن يدخل البرنامج رأس المسلم ويجري في عروقه مجرى الدم ومن ثم يتصرف على أساسه، وبين الإسلام كنص مقدس لا عيب ولا تلوث فيه.
إذا كان الإسلام هو برنامج التشغيل (سوفت وير) الذي يحمل في رأس المسلم، وإذا كان هناك مسلمون أصحاء وأسوياء في سلوكهم، فمعنى ذلك أن المسلم الذي يتبنى العنف أو الإرهاب، فهو إما قد حملت في رأسه نسخة ناقصة من البرنامج أو نسخة تجريبية كالتي تستخدمها شركة مايكروسوفت للتسويق، ولكن لكي يكتمل التشغيل وتكتمل كفاءة البرنامج لا بد من شراء النسخة الأصلية، أو أن النسخة التي حملها المسلم في رأسه هي نسخة مقرصنة. في القرآن الكريم، في سورة التوبة: «وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون»، وفي سورة آل عمران: «فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة». وفي سورة البقرة أيضا: «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون». الذين في قلوبهم مرض أو زيغ، لو أردنا فهمها بلغة التكنولوجيا المعرفية التي أتبناها هنا كتشبيه (من دون الخروج عن التفسير المعروف)، هو أن النسخة المحملة في قلوب وعقول هؤلاء ليست نسخة مقرصنة وغير أصلية فحسب، وإنما قد زاروا مواقع «البورنو الفكري»، فامتلأت نسخهم بفيروسات جماعات الإرهاب والتطرف، فيظنون أنهم على هدى رغم أنهم غارقون في الضلال. وهناك نوعية من المسلمين ممن حملوا البرامج بطريقة خطأ من أمثال المنافقين الذين إن تابوا أو أعادوا التحميل وتمت إعادة الفرمطة عندهم، فقد يكون بهم رجاء. وليس طبعا من قبيل المصادفة أن القرآن الكريم كرر في أكثر من سورة التحذير من الذين في قلوبهم مرض.
في هذا السياق وإذا قبلنا هذه المقاربة التكنولوجية للإسلام السياسي، فكيف نتعامل مع قضايا التطرف والإرهاب؟
أولا نبدأ بتعريف المسلم العنيف، وهنا أقول المسلم لا الإسلام فلا خطأ في البرنامج، وإنما الخطأ في المستخدم وطريقة التحميل ونسبة الفيروسات التي لوثت الجهاز وبرامج التشغيل ذاتها. المسلم المتطرف أو العنيف هو المسلم الذي حمل في رأسه وقلبه نسخة غير أصلية من الإسلام، نسخة مقرصنة نتيجة خطأ في التحميل من الأصل، أو أنه حمل في رأسه نسخة أصلية ولكنه أساء استخدام الجهاز وزار مواقع إباحية فكرية مثل أفكار جماعات الجهاد والتطرف، فسيطرت كل أنواع الفيروسات على الجهاز فضلَّ السبيل، ليس بإرادته ولكن لأن جهاز التشغيل يأخذه في هذا الاتجاه رغما عنه. هنا إما نحتاج إلى إعادة فرمطة للجهاز كله أو نحتاج إلى تركيب برنامج مضاد للفيروسات (أنتيفيروس).
ولا يكون لديك شك في أن عدد المواقع الإباحية لأفكار التطرف عندنا كثيرة وغير متناهية العدد، من قنوات التطرف التلفزيونية، إلى المواقع الإلكترونية الخاصة بجماعات التطرف، وهناك مساحات مشتركة أحيانا بين قنوات تلفزيونات الدولة ومواقعها مع مواقع التطرف، فيختلط الأمر على المستخدم (المسلم في هذه الحالة)، وتزداد نسبة الفيروسات في برامج التشغيل.
السؤال هنا من يقوم على كتابة مضادات الفيروسات؟
إن مهمة معاهد العلم الكبرى مثل الأزهر الشريف هي كتابة مثل هذه البرامج المساوية لمضاد الفيروسات في عالم الكومبيوتر، ولكن حتى هذه اللحظة لم يصل دور هذه المعاهد إلى شيء يذكر في مقاومة الفيروسات، حيث إنها انشغلت بما يمكن تسميته ببرامج المساعدة الخاصة بالتفسير ومساعدة المستخدم في معرفة صحيح الإسلام. لكن تطوير نسخة مقاومة الفيروسات ما زالت بدائية حتى الآن. نحتاج في عالم المسلمين الآن إلى برامج بفعالية برنامج «ماكافي» وغيره من البرامج الناجحة والمضادة للفيروسات.
ولا بد من التذكير هنا مرة أخرى بأننا لا نتحدث عن الإسلام، بل نتحدث عن المستخدم أو المسلم الذي حملت في عقله تلك النسخ المقرصنة أو المفيرسة من النص المقدس وظن أنه قد وصلته النسخة الأصلية وظن أيضا أنه على طريق الهداية رغم أن الفيروسات تأخذه تسييرا لا تخييرا إلى عالم الضلال والعنف. يظن أنه يحسن صنعا وأنه يمشي حسب البرنامج رغم أنه يحمل في رأسه نسخة مضروبة ومشوهة.
المطلوب السيطرة على نسخ البرامج المقرصنة وتوضيحها للناس، أو منعها من خلال تطبيق صارم لحقوق الملكية الفكرية، أو مقاومتها من خلال حجبها عن المستخدم من خلال مضاد الفيروسات. هناك من المسلمين من تلوث جهاز الكومبيوتر الخاص به تماما ويجب عزله كالجمل الأجرب لأنه يلوث من حوله ممن يتواصلون معه. ولنتأكد ونكون على يقين أن النسخ المقرصنة من الإسلام تبدو أكثر بريقا أحيانا من النسخة الأصلية وتدعي أن لها مواصفات زائدة مثلها مثل الأجهزة الصينية التقليد التي تدعي أنها تؤدي المهمات ذاتها بسعر أرخص ثم يفاجأ المستخدم بخراب الجهاز بعد فترة وجيزة من الاستخدام.
لا أدعي هنا أنني عالم دين، ولكنني أعرف أنني عالم اجتماع. وهذا التشبيه الذي أطرحه يقربنا من فكرة الإسلام كنص اجتماعي متى ما حمل في رأس الفرد فالمسؤولية لا تقع على البرنامج أو الشركة المنتجة للتشغيل، ولكن على الفرد وعلى السياق الاجتماعي الذي يتحرك فيه. فإذا كان الفضاء الاجتماعي ملوثا فلا بد أن ثمة فيروسات ستعلق بالبرنامج، ويكون مطلوبا من آن لآخر استخدام مضاد الفيروسات حتى لا يصبح الجهاز بطيئا أو ينحرف عن مسار تشغيله.
مطلوب من مؤسساتنا الدينية أن تبدأ العمل في تأليف مضادات الفيروسات التي انتشرت وبسرعة شديدة ولا يكفي ما تقوم به الآن من برامج المساعدة. وفي النهاية، فإن أي نص اجتماعي هو نتاج تفاعل النص المجرد مع البشر وبيئتهم المحيطة. فإذا كان السياق المحيط ملوثا يتلوث النص. ومن هنا أيضا يبقى لزاما علينا تنقية البيئة الثقافية والاجتماعية، فعقولنا وقلوبنا أصبحت تشبه شوارعنا وبيوتنا، ونظافة الشوارع والبيوت من نظافة العقول والقلوب.
التحدي في مقاومة الإرهاب والتلوث كبير، ولكن المسؤولية تحتم علينا أن نبدأ من مكان ما. والمقاربة التكنولوجية بداية مقبولة حيث تساعدنا على التفريق ما بين الإسلام كنص مقدس وبين الإسلام كنص اجتماعي، استطاع الجميلون من البشر الحفاظ على جماله وبهائه، بينما القبحيون من البشر خلقوا هالة من القبح حوله وحولنا... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نقلا عن الشرق الأوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com