فى الحياة، نختلف ونتصارع ونتخاصم وقد يمزق بعضاً البعض بسكين اللسان وتصل العداوة إلى حدود الوحشية والهمجية، ونفتقد التحضر فى الخلاف ولكن منطق الغابة يحكمنا وما إن يأتى الموت- ذلك الزائر الحتمى- حتى يوقف الصراع وينهى حالة العناق بالسكاكين وترتد أسهم الكراهية وتظل سهام الضغينة فى غمدها، ويسدل الستار على أيام طويلة من الخصام!.. حدث هذا بجلاء فى سرادق العزاء وأثناء تشييع جنازة ممدوح فؤاد الليثى الشهير بممدوح الليثى حيث توافد الآلاف على السرادق ليشدوا على يد ابنه الوحيد «عمرو» هؤلاء هم أصدقاء ممدوح وأحباب ممدوح ومريدو ممدوح وأعدقاء ممدوح وأعداء ممدوح! كل هؤلاء اجتمعوا فى السرادق «بيت الرسالة الإلهية» إنه لا شىء يدوم غير وجه الله وإن كل المغانم باطلة، وإن الحياة تستحق أن نعيشها ولا نفسدها بأمخاخنا المتصلبة فحين يقرأ الشيخ آيات القرآن فى السرادق أو يعظ القس فى الكنيسة تطرق الروس ويتدبر البعض حكمة الحياة والموت لا شىء فى الحياة يبقى بعد الموت سوى سيرة الإنسان وبصمته.
وصديقى ممدوح فؤاد الليثى كان زميلى فى روزاليوسف وهو ضابط بدبورة وكان يعلمنى فى مطلع العمر كيف أحقق حادثاً وكيف أصوغه وكأنه سيناريو، كل هذا قبل شهرته فى فن السيناريو التى صارت بعرض الأفق، فقد أصبحت أعمال ممدوح الليثى الفنية مقترنة بتراتنا المرئى ومرتبطة بمتعة بلا حدود لعل الفارس المغوار الذى خاض بحر الدراما ولم يبتل واحتوى إنتاجاً إبداع الآخرين، دخل ممدوح- شأن كل ناجح- الصراعات ووقف له حزب أعداء النجاح بالمرصاد. ويوم ترشح لمنصب مرموق بحكم تجربته أوقعوا الفارس من فوق جواده. وكان ممدوح قوياً ولم ينكسر أمام دسائس تلعب فيها أجهزة كثيرة وينفذ المخطط لاعبون مهرة وآه وألف آه من سكاكين الغير حين تحكمهم الثلاثية الشهيرة فى مصر «الحسد والحقد والغل» وربما لم أقابل أحداً فى مشوار عمرى بمثل سماحة ممدوح فؤاد الليثى. أتذكر أنى اختلفت معه حول عمل فنى، وقلته لمحمود سعد على شاشة mbc وكان نصى العبارة «لا أرضى لممدوح الليثى التاريخ أن يضع اسمه على هذا العمل الردىء» لقد غضب دقائق وسامحنى فى ثوان هذه السماحة «المسيحية» أكاد أتصور أنها «جين» فى تركيبة ممدوح الليثى وقد كنت أرقب سفينة ممدوح وهى تقاوم ليس الأمواج المتلاطمة ولكن «أسماك القرش المفترسة» من البشر وكان من الممكن أن تصيب موهبة ممدوح الليثى عارى الموهبة بالشلل لأنهم عاجزون عن اللحاق به، والغريب والمثير حقاً قدرة ممدوح الإدارية والتنظيمية فى كل المواقع التى شغلها وهو «الفنان» صديق الخيال.
فى جلسة من جلساتنا فى نادى الصيد كانت به وبالوزير منصور عيسوى والمحامى الكبير بهاء أبوشقة، حدثنى ممدوح عن نقطتين اثنين فى كتابى «نصيبى من الحياة» الذى كتبت له فى الإهداء: «إلى فارس الدراما المصرية، كاتباً ومؤرخاً ومنتجاً ومستشرفاً ومبحراً فى الزمن إلى ممدوح الليثى صديق عمر ورفيق كفاح» وقف ممدوح عند نقطة «أن العمل وحده يطارد الاكتئاب فى خريف العمر» وتوقف عند نقطة «الاستغناء هو القوة» قال لى: لا تكف عن المناكفة واستغن بقوتك! مازلت أتذكر ممدوح الذى عرف الدموع مبكراً ورأيت احمرار عينيه من سرادق عزاء الابن «شريف» الذى اختطفه القدر منه وهو فى التاسعة ومن هنا جاءت صداقة ممدوح «بولده عمرو» كما يقول الصعايدة! ورغم أن إنسان هذا الزمان تأكله مشاكله خصوصاً فى «السنوات العجاف» التى عشناها، فإن ممدوح الليثى لم يكن يتردد فى الذهاب لسرداقات العزاء لوداع وزير أو خفير، نجم مشهور أو عامل ديكور، قريب أو غريب لقد أحب الليثى الحياة بطريقته لكنه فى كل الأحوال «لم يضمر الشر لأحد» لكنه فى كل الأحوال «كان منزوع الحسد والحقد»، لكنه فى كل الأحوال «قابل الإساءة بالسماحة»!
كان ممدوح الليثى يسير على قدميه دون أن يتكئ على عصا، لكنه كان يردد إذا امتدحت أناقته يقول «ياللا حسن الختام» مرة قررنا أن ننتظم فى المشى نصف ساعة يومياً ورويت له أن طبيب القلب الذى يعالجنى من السكر نصحنى بالرياضة، بيد أنه مات فى ملعب تنس! وأدركنا يومئذ أن الصحة شىء والموت شىء آخر. لقد مات والد الوزير منير فخرى عبدالنور فى سن الثالثة بعد المائة وكانت نصيحته لى «ماتتكعبلش فى تفاصيل الحياة»!
مات سيد كتاب السيناريو، بسيناريو عادى جداً. دلف إلى سريره فى المساء قال لرفيقة العمر الحاجة ليلى «تصبحى على خير» ونام واستشعرت الزوجة أنه لم يصحو، فذهبت لتوقظه، فلم يرد وتسمرت أمام المشهد ولأنها مؤمنة بقضاء الله غطت وجهه بهدوء واتصلت بابنها عمرو الذى جاء ليرتمى فوق صدر ابيه منتحباً.
كان «الأجل» قد حان.
إضافات:
■ لا أدرى سر وقف بيع تليفون «الآى فون» فى ألمانيا. هل له علاقة بالتجسس الأمريكى على العالم؟
■ يبدو لى بعض البشر كقطع «الديكور» فى الحياة تنقلهم من مكان لآخر بسهولة ويسر.
■ تدفع ثمناً كبيراً من هنائك إذا استخدمت معادلة «٢ص» أى: صادم وصادق.
■ والتفاهة لها من يجيدها ويروجها فى زمن صار يحتفى بها.
■ نحن فى «روضة» مدرسة الديمقراطية سلوكاً وممارسة.
■ «التلوث الضوضائى» صناعتنا ونشكو منه.
■ «التهميش» الحل الأمثل للقيل والقال. إنه يجنب صاحبه الصداع النصفى.
■ يجب «أن يحال للصلاحية» بعض القضاة.. وبعض مذيعات الشاشة.
■ مرتضى منصور: «عودة زورو».
■ سقوط كوبرى كشف عن عشوائيات جديدة هى سكان العشش.
■ لا أخاف من «الحب» ولكنى أهاب «السقوط» فى براثنه.
■ لو لم يجئ فى حياة المصريين عبدالفتاح السيسى، لاخترعوه.
المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com