مع اقتراب بدء ماراثون الانتخابات الرئاسية، واستعداد الأحزاب والقوى السياسية لهذه الانتخابات من خلال تقديم مرشحين أو مناصرة مرشح بعينه فى مواجهة الآخرين، هناك ظاهرة تلفت النظر وتستحق التأمل والدراسة، وهى تتعلق بتغير اختيارات الناخبين من اتجاه سياسى معين إلى الاتجاه المعارض فى فترة زمنية قصيرة.
تغير المزاج العام للمصريين أكثر من مرة بعد ثورة ٢٥ يناير، وتأرجحت اختيارات الناخبين، وهذا بحاجة إلى رصد وتحليل من أجل الوصول إلى نتائج واضحة بشأن ميول المصريين، وما هى العوامل الأكثر تأثيراً على اختياراتهم، وهل هذه الاختيارات مبنية على أسس ومعايير واضحة أم تسببت العشوائية التى دخلت فيها البلاد من ثورة يناير تركت آثارها على المجتمع.
المتأمل لاختيارات الناخبين فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس ٢٠١١، والمعروف باسم غزوة الصناديق سيجد مناصرة أغلبية المشاركين فى الاستفتاء لتيار الإسلام، حتى جاءت نسبة الموافقين على الدستور ٧٧.٢٧%، بينما جاءت نسبة الرافضين ٢٢.٧٣%.
اتجاهات اختيارات الناخبين فى مجلس الشعب ٢٠١١ أسفرت عن حصول حزب الحرية والعدالة على ٢٣٥ مقعدا، تلاه حزب النور السلفى الذى حصل على ١٢٣ مقعدا، ثم الوفد الجديد على ٣٨ مقعدا، ثم تحالف الكتلة المصرية - الذى ضم أحزاب المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى الاجتماعى والتجمع – ٣٤ مقعدا وحزب الوسط ١٠ مقاعد، وحزب الإصلاح والتنمية حصل على ٨ مقاعد.
الموقف تغير بعد الانتخابات الرئاسية ووصول محمد مرسى إلى قصر الاتحادية بعد انتخابات الإعادة مع الفريق أحمد شفيق، وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فى ذاك التوقيت عن حصول محمد مرسى على نسبة ٥١.٧٣%، بينما حصل الفريق أحمد شفيق على نسبة ٤٨.٢٧%، ليعكس ذلك حالة التغير التى بدا عليها المجتمع، فلم يعد تيار الإسلام السياسى هو فرس الرهان لغالبية المصريين، مقارنة بما حصل عليه هذا التيار فى انتخابات مجلس الشعب ٢٠١١، كما كشفت نتيجة الانتخابات الرئاسية أن ٤٩% من الناخبين من الرافضين لمحمد مرسى وجماعة الإخوان.
وفى هذا السياق تصاعد الرفض المجتمعى لدستور ٢٠١٢، والذى عرف باسم دستور الإخوان بسبب عدم التوافق على الدستور فى المجتمع وهيمنة أعضاء جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى على اللجنة المعدة للدستور برئاسة المستشار حسام الغريانى، وكشفت نتائج الاستفتاء على الدستور الذى أجرى فى ديسمبر ٢٠١٢ عن موافقة ٦٣.٨% على مشروع الدستور، مقابل نسبة رفض وصلت إلى حوالى ٣٦.٢%، ومشاركة ما يقرب من ١٧ مليون ناخب من مجموع ٥٠ مليون ناخب لهم حق التصويت.
الموقف تأزم كثيراً مع ظهور حركة «تمرد» والتوقيع على استمارات عزل محمد مرسى، وإجراء انتخابات مبكرة نتيجة الرفض الشعبى وتصاعد الغضب ضد محمد مرسى وجماعة الإخوان، ووقع أكثر من ٢٢ مليون مواطن على هذه الاستمارة، وخرج ملايين المصريين فى ٣٠ يونيو للمطالبة برحيل النظام وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
الآن هناك حاجة لوقفة وتأمل فى قراءة هذه الأرقام والتعرف على أسس اختيارات المصريين والعوامل المؤثرة فى تحديد هذه الاختيارات، خاصة أن تمرير الدستور الجديد بنسبة موافقة تصل إلى ٩٨.١%، بينما بلغت نسبة التصويت بـ«لا» ١.٩%، وسط مشاركة حوالى ٢٠ مليون ناخب فى الاستفتاء، وهى أرقام توضح أن اختيارات الناخبين تتجه فى مسار معاكس لما كان عليه الأمر فى ٢٠١١، وتراجع تأثير تيار الإسلام السياسى بشكل كبير.
المجتمعات تتغير بعد الثورات، وتتأرجح اختياراتها بين فترة وأخرى حتى تستقر فى النهاية على المسار الذى يريده المواطنون من ثورتهم، بهدف تحقيق أهداف وشعارات الثورة لتتحول إلى ممارسة مجتمعية حية على أرض الواقع، ولكن يبقى السؤال.. إلى متى تستمر الاختيارات تتأرجح من فترة وأخرى وبهذه السرعة؟، وما دلالات هذه التغيرات؟، وما الدروس المستفادة من اختلاف اتجاهات الناخبين فى هذه الفترة القصيرة؟
الآن علينا دراسة هذه الأسباب ومعرفة لماذا تتأرجح اختيارات الناخبين، وعلى مراكز البحوث والدراسات إفادتنا بالأرقام والإحصائيات التى توضح المعايير التى يقوم على أساسها الناخب بتحديد اختياره.
مصر فى مرحلة بناء الدولة الوطنية الدستورية الحديثة، ولا توجد دولة قامت بثورتين وخلعت رئيسين ومرت بأحداث عنف وشغب وإرهاب مثل مصر، ومن ثم نحن بحاجة لمعرفة ما نحن عليه الآن حتى لا يقع المجتمع فى نفس الأخطاء التى ارتكبها منذ الإطاحة بحسنى مبارك وعزل محمد مرسى، حتى نستطيع أن نعبر بثقة وثبات وأمل نحو المستقبل.
* برلمانية سابقة وأستاذة علوم سياسية بالجامعة الأمريكية
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com