ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

لقاء «متسرب»

بقلم : علي سالم | 2014-02-12 07:26:52

حذر القارئ من أن يصدق حرفا واحدا مما سأحكيه له الآن، هذا اللقاء الذي أعلن عنه والذي تم مع الرئيس المخلوع لم يحدث، ولا توجد دلائل تشير إلى إمكانية حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد. والحكاية باختصار هي أنني طلبت من صديق يعمل في السفارة الأميركية أن يساعدني في إجراء هذه المقابلة مع الرئيس المخلوع، وتم اللقاء بالفعل، والمدهش أنه لا أحد في سجن برج العرب تعرض لي لسبب بسيط، أنه لا أحد رآني وأنا أدخل أو أخرج.

ربما تظن أن صديقي الأميركي زودني بطاقية الإخفاء! لم يحدث ذلك، لقد ذهبت عن طريق الأنفاق التحتية التي قامت بإنشائها المخابرات الأميركية. لقد استطاعت أميركا أن تقيم شبكة من الأنفاق تحت مصر كلها، لكي تتاح لعملائها الحركة والانتقال بسهولة بعيدا عن حركة المرور البطيئة فوق الأرض. النفق متسع، ولذلك ذهبنا بسيارتي وقطعنا المسافة من حي المهندسين إلى سجن برج العرب في أقل من ساعة. عند نقطة معينة من النفق نزلنا وأكملنا الطريق سيرا على الأقدام إلى أن وصلنا إلى زنزانة الرئيس المخلوع.

ربما تتساءل: لماذا لم يهرب الرجل من خلال هذا النفق؟

إذا هرب من خلال هذه الأنفاق ستتنبه الحكومة المصرية لوجودها، وتتعقد العلاقة بينها وبين أميركا. ولذلك قررت المخابرات الأميركية أن تستخدم هذه الأنفاق فقط في الوصول إلى الرئيس المخلوع وأي مخلوع آخر.

استقبلنا الرجل بحفاوة. صديقي الأميركي المخابراتي كان يحمل لفافة أنيقة، فتحها وأخرج منها بطة مطهوة على الطريقة «الدمياطي»، أي محشوة بالبصل والمكسرات، بالإضافة إلى صينية بطاطس وحلة أرز. انهمك الرئيس المخلوع في تمزيق البطة والتهامها على مهل وفجأة نظر لي وسألني بهدوء: «أريد أن أسألك أنت بالتحديد.. ما تفسيرك لما حدث لي ولجماعتي.. هل هو مكتوب على الجبين من ذلك النوع الذي لازم تشوفه العين؟».

قلت له: زمان.. زمان قوي.. كانت الأسرة المصرية متوسطة الحال والفقيرة يتجمع أفرادها حول (طبلية) عليها طبق كبير امتلأ بالخضار واللحم أو بأي طعام آخر.. وكانت النصيحة الشهيرة التي يوجهها الأب أو الأم مصحوبة بنظرة استنكار هي: ما تحفش يا ولد.

عملية «الحف» يعني أن تحاول الحصول على نصيب أكبر من الآخرين. كان هذا هو الدرس الأول لأبناء جيلي.. أنت لا تأكل وحدك.. أنت عضو في أسرة. أنت لا تأكل وحدك.. هذه الحقيقة ستجدها أكثر وضوحا في المثل الشعبي «اللي ياكل لوحده يزوَر».

قال الرجل: «لم يحدث أن حصلت على أكثر من نصيبي في أي شيء».

فقلت له: والأوسمة والنياشين ونوط الجدارة وقلادات النيل والبحيرات والبرك والترع، أنت أصدرت أمرا جمهوريا بمنح نفسك كل ما في خزانة الرئاسة من جوائز وأوسمة.. كل أخطائك وأخطاء الجماعة لا أهمية لها إلى جوار هذا الخطأ الكبير.. لقد تمكنت فخامتك بضربة واحدة من تحقيق ما حذر منه مكيافيللي، الاحتكار.. لقد أثبتّ لكل المحيطين بك بأنك تفتقر إلى العفة.. يا راجل.. ده انت قاعد تلتهم البطة كما لو كنت لوحدك.. يا راجل قول اتفضلوا معانا باسم الله.. يا راجل اعزمنا حتى لو كانت عزومة مراكبية.

الشرق الاوسط

 

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com