المسرح عاطفة يولد بها الإنسان، وهي عاطفة قوية تماما مثل الحب والكراهية، تقود «المسرحجي» وتجبره على صنع العرض المسرحي ولكن هذه العاطفة المتوهجة.. المتقدة.. ليست منفصلة عن عواطف هؤلاء الذين سيأتون لمشاهدة العرض المسرحي، بل هي امتداد لعواطفهم وآمالهم وأحلامهم وحياتهم اليومية، والمسرح لا (يقول) بل (يفعل).. والفعل كما نعلم درجة أعلى بكثير من القول. فقد نستمع أو لا نستمع إلى ما يقال.. أما الفعل فمن المحتم أن (ننفعل) به.. يترتب على ذلك أننا عندما نهاجم عرضا مسرحيا، فإننا في حقيقة الأمر نهاجم هؤلاء الذين (انفعلوا) به، أي شاهدوه واستمتعوا به، كما يترتب على ذلك أن الهجوم على عرض مسرحي، يتناول في عاطفة جياشة، الألم العام والحزن العام والحلم العام، فلا شك أن المهاجمين يحتقرون ذلك الألم والحزن والحلم، أو يشعرون تجاهها بالكراهية والخوف. هنا يطل سؤال برأسه: لماذا يكره بعض الناس المسرح الملتزم العفيف المعبر عن آلام الناس وأشجانها؟ الإجابة: هو صراع على السلطة في الشارع، صراع للاستيلاء على الرأس، رأس المجتمع ورؤوس الناس.
فالمسرح بطبعه وطبيعته مخيف لكل أنواع السلطة، وهو خوف نابع من الغيرة المرضية، ففي الطب النفسي لا تدخل الغيرة الطبيعية التي تشعر بها أنت وأشعر بها أنا في أحوال كثيرة داخل الدائرة المرضية، لأنها طبيعية تماما ولدت مع كل إنسان لتعمل بداخله كقوة دافعة، أما الغيرة المرضية فهي ذلك الإحساس المؤلم، الذي يدفعك لتحطيم وتدمير إنجاز وإبداع الآخرين، وخصوصا عندما ينافسك المسرح في الاستيلاء على عقول الناس بكل أدواته الجذابة.. ادرس معي العناصر التالية:
بغير ترغيب أو ترهيب، بغير سلطة قاهرة، دون الحصول على أجر، دون أي نوع من الاستفادة المباشرة أو غير المباشرة، بغير ذلك كله، أنت وأهل بيتك ترتدون أفضل ما لديكم من ملابس، وتذهبون جميعا إلى المسرح، لتكتشف أنك لست وحدك بل معك مئات البشر، وفي لحظة رفع الستار تتحولون جميعا إلى أسرة واحدة، تجمعكم انفعالات واحدة، مؤلمة أو مبهجة، لقد جمعكم العرض المسرحي، ناداكم فلبيتم نداءه الجميل، طرح عليكم قضيته التي هي بالأساس قضيتكم، فبدأ شعور هامس بالوحدة والاتحاد يسري في قلوبكم وأفئدتكم، أنتم الآن أكثر صحة وعافية نفسية، أكثر قدرة على مواجهة الألم، بل حدث ما هو أخطر من ذلك بكثير، لقد حولكم جميعا إلى أطفال يستمتعون باللعبة.. أخذكم على صدره الدافئ.. أحبكم فأحببتموه.
خصوم المسرح يعرفون ذلك جيدا، يدركون أن المسرح سلطة بقدرته الهائلة على التمييز بين الأفكار الصحيحة والأفكار الخاطئة؟.. وعندما يقدم المسرح قضية لا يختلف عليها أحد، يستجيب لها الجميع، فماذا يحدث غدا إذا سمحنا له بمساحة من حرية الإبداع تكسبه المزيد من الثقة بالنفس والمزيد من القدرة على الإبداع؟ هل نضيع نحن بكل ما نحمله من عقول متحجرة وقلوب صخرية.. المسرح سلطة ونحن سلطة والصراع بيننا صراع وجود، لا بقاء لأحدنا إلا بإفناء الآخر.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com