محمود خليل
مواصلة للاستئناس بالأفلام العربى فى فهم المشهد السياسى الحالى اقرأ معى هذا المشهد:
«فتحية: اتّكى بالخرقة على ضهر الحمار يا ابو إيدين ناعمة.. ضيا: لسانك بينقط سكر.. فتحية: خلص يا اخويا، صاحب العربية مستعجل.. ضيا: ما انا كمان مستعجل يا جميل.. فتحية: عارفاك، ما انت لما تطاطى للكلام يبقى ليك طلب.. ضيا: بحبك يا بت، بحبك ورايدك النهارده قبل بكرة.. فتحية: يا حنيّن يا ابو قلب حنيّن، لما يبقالك غرض تعمل لى الحبتين بتوعك، وأول ما تنوله خلاص متعرفنيش»..
العبارات السابقة جزء من مشهد لطيف من فيلم «التوت والنبوت» عن واحدة من قصص ملحمة الحرافيش التى صاغها المبدع الراحل «نجيب محفوظ»، وأخرج الفيلم «نيازى مصطفى» عام 1986.
أظن أن المشهد مقروء! وهو يعكس حالة لطيفة لإنسان يحاول «الدهلزة» بالكلام، فيردد بلسانه حديثاً يُفهم من سياقه أنه يستهدف من ورائه تمرير موقف معين، أو نيل غرض محدد، أو تحقيق هدف ما،
حتى إذا مرّ الموقف أو نال الغرض أو حقق المراد، انقلب من حال إلى حال وعاد إلى سيرته الأولى، فأخذ يسب من كان يمتدحه، ويقبّح ما كان يستجمله. كذلك فعل «ضياء» أحد أبطال حكاية «التوت والنبوت»، حين ذهب إلى فتحية بنت «محمد العجل» التى كانت تريد أمه تزويجها له على غير رغبة منه،
إذ كان يتصور العمى ولا يتصورها، لكن الحاجة مذلة، فقد كان «ضياء» يحتاج مليماً ليشترى به «قرعة بوظة» لزوم «المزاج»، وكان فتوة الحى يستولى على أجره من عمله كاملاً، لتسديد دين عربة «كارو» وحمار سرقهما أخوه. لم يكن فى جيب «ضياء» مليم يوحد ربنا، وكان يريد «قرعة البوظة» بأى طريقة، فاضطر اضطراراً أن يشنّف آذان «فتحية» بوصلة الغزل التى سردتها لك، عشماً منه فى أن تعطيه ثمن «القرعة».
لم تكن فتحية مغفلة، بل كانت تفهم شخصية ضياء جيداً، وكانت تعلم أن «المطاطية بالكلام» التى دخل عليها بها، لا تعكس حباً أو ولهاً بها، بل يرمى من ورائها إلى الحصول على بغيته، لينقلب عليها بعد ذلك ويعاملها أسوأ معاملة!
انظر إلى الطريقة التى يتعامل بها الآن رئيس الوزراء ووزير الداخلية والرئيس المؤقت وكبير البلد مع ثورة يناير.. وسوف تجد أن «نظرية المطاطية بالكلام» هى التى تحكم أداءهم قبل ذكرى الاحتفال بالثورة. خطابهم الآن يشبه خطاب المرشحين فى الانتخابات،
إذ تجدهم يمدون أيديهم بالمصافحة للقاصى والدانى، وينخرطون فى وصلات المديح لأهالى الدائرة الكرام الذين يشكلون جزءاً من الشعب المعلم الذى يعطى المرشح دروساً فى معنى الوطنية والانتماء، وما إن يمر الموقف ويفوز «ابن الدايرة» بالكرسى حتى ينقلب على عقبيه،
ويتعامل مع من كان «يطاطى لهم بالكلام» بالأمس بمنتهى التعالى والكبرياء، مش نال غرضه خلاص! قد يفلح «ابن الدايرة» فى خداع الناس مرة، لكن ما إن يقع فى يد واحد أو واحدة «دايرة» مثل «فتحية» حتى يتوب إلى الله!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com