لماذا ولد السيد المسيح في بيت لحم؟
إن السيد المسيح هو ملك الملوك، ورب الأرباب. وقد أراد بميلاده في بيت لحم أن يعلمنا الإتضاع، وأن الكرامة الحقيقية تنبع من الداخل وليس من المظاهر الخارجية. فالحب مجد، والكراهية عار. فليس المجد في الملابس الثمينة الغالية الثمن أو الذهب. فالإنسان الأصيل هو الذي معدنه مثل الذهب، هذا هو الإنسان الذي له المجد الداخلى. وهذا هو أول درس يعلمه لنا السيد المسيح من ميلاده في حظيرة للأغنام. وهناك دروس أخرى هامة من الممكن أن نتعلمها من قصة الميلاد.
هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم
لقد ولد السيد المسيح في وسط الأغنام لأنه هو حمل الله، وكما قال يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29). فكان من الطبيعى أن الخروف الذي سيحمل خطية العالم، والذي سيذبح من أجل خلاصنا؛ أن يولد في وسط الأغنام
أو الخرفان. وبالأخص في مدينة بيت لحم حيث المراعى الكثيرة.
فبيت لحم كانت تُربَى فيها الأغنام حيث المراعى الكثيرة. كما أنها كانت قريبة من أورشليم. وأيضًا يوجد بها هيكل سليمان الذي كانت تقدم فيه ذبائح لغفران خطايا الشعب في العهد القديم. وهذا الغفران كان رمزًا للغفران الحقيقى الذي تم بذبيحة الصليب، وذلك عندما سفك المسيح دمه على الصليب، ومات من أجل خطايانا، ثم قام من الأموات، وصعد إلى السموات. فكان من الطبيعى أن الحمل يولد في وسط الحملان. وهذه نبوة واضحة جدًا عن أنه حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله.
معنى الفداء
أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده إسحق، فأخذ إبراهيم ابنه إسحق وربطه، ووضعه على الحطب حتى يذبحه، فمنعه الله وأرسل إليه خروفًا، فأخذه إبراهيم وذبحه عوضًا عن إسحق حسب أمر الرب. أي أنه قد فدى إسحق بهذا الخروف، وهذا هو معنى الفداء.
إن السيد المسيح قد جاء لكي يقدم نفسه فدية أو ذبيحة من أجلنا. وكان الدافع لهذه التضحية هو محبته لنا. وذلك لكي يوفى الدين الذي علينا بسبب الخطية. فبميلاد السيد المسيح في وسط الحملان، أراد أن يوضح لنا من أول لحظة لميلاده في العالم، أنه لم يأتِ لكي يتنعم بالحياة على الأرض، بل لكي يقدم نفسه ذبيحة. ففى الميلاد نرى الصليب بطريقة رمزية واضحة في الأحداث المحيطة بالميلاد.
الرب راعىّ فلا يعوزنى شىء
إن السيد المسيح هو الراعى، وهو الحمل أيضًا. فمن الطبيعى أن يكون الراعى في وسط الأغنام. لأنه إن لم يولد في وسط الغنم فمن الذي سوف يرعاهم؟!! إن وجوده في وسط الحملان أو الغنم؛ يعلن أنه هو الراعى الحقيقى، وكما يقول المزمور "الرب يرعانى فلا يعوزنى شىء. في مراع خضر يربضنى، على مياه الراحة يوردنى، يرد نفسى، يهدينى إلى سُبُل البر من أجل اسمه" (مز22: 1-3).
فمن الذين بشرهم الملاك بميلاد السيد المسيح في ليلة ميلاده؟ إن المجوس قد أتوا بعد فترة عندما ظهر لهم النجم في المشرق، وأتوا وقدموا هداياهم. فمن الذين احتفلوا بميلاد السيد المسيح في ليلة ميلاده؟!! إلى جوار السيدة العذراء القديسة مريم والدة الإله، وخطيبها القديس يوسف النجار الذي كلفه الله برعاية السيدة العذراء والطفل المولود، وطبعًا لم يكن متزوجًا من العذراء بمعنى الزواج الجسدى؛ لكنه كان حارسًا وخادمًا للطفل المولود لكي يؤدى رسالته، وإلى أن يكبر هذا الطفل وتبدأ فيما بعد خدمته من أجل خلاص العالم.
بشارة الملاك للرعاة
"وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك: لا تخافوا؛ فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلًا مقمطًا مضجعًا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين. المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 8-14).
فالذين بُشروا بميلاد السيد المسيح، ونظروا هذه المناظر السماوية العظيمة، وسمعوا البشارة المفرحة بميلاد المخلص؛ هم الرعاة الذين يرعون الغنم. لأن هؤلاء هم زملاء السيد المسيح راعى الخراف العظيم وراعى الرعاة ومن الطبيعى أن يحتفل السيد المسيح بميلاده في وسط زملائه.
أنا هو الراعى الصالح
لقد ولد السيد المسيح في وسط الأغنام. لأنه هو الراعى. والذين أتوا لكي يباركوا لولادته هم زملاؤه الرعاة. فمسألة أن السيد المسيح هو الراعى مسألة خطيرة جدًا، وهامة جدًا. لأنه هو نفسه قال "أنا هو الراعى الصالح. والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). وأيضًا قال "لهذا يحبنى الآب لأنى أضع نفسى لآخذها أيضًا" (يو10: 17).
وقد كرر السيد المسيح أنه هو الراعى الصالح، وأكد أنه قد أتى لكي يقدم الرعاية الحقيقية باعتباره أنه هو الله الظاهر في الجسد. وهو الله الراعى الحقيقى. كما قال داود النبى "الرب يرعانى فلا يعوزنى شيء" (مز22: 1). فكان لابد أن السيد المسيح يكون هو الراعى. لأن الرعاة الذين هم كهنة إسرائيل كانوا قد أهملوا الرعاية. فكان لابد أن يأتى رئيس كهنة جديد يكون هو الراعى.
إن رعاة إسرائيل هم الذين صلبوا السيد المسيح. لذلك تغير الكهنوت من كهنوت العهد القديم الهارونى إلى كهنوت العهد الجديد على رتبة ملكى صادق. أي كهنوت السيد المسيح الذي يقدم فيه جسده ودمه في العهد الجديد بعد إتمام الفداء. خبز وخمر حاضر على المذبح، نتناول منه من أجل غفران خطايانا، ونيل الحياة الأبدية. فالسيد المسيح هو نفسه الذي أسس سر العشاء الربانى في ليلة صلبه، وأعطاه لتلاميذه وقال "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19) أي تذكارًا حيًا معاشًا لموته على الصليب وقيامته من بين الأموات.
لماذا اختار الملاك الرعاة؟
إن هناك فرق بين راعٍ ساهرٍ على حراسة الرعية؛ وبين راعٍ يبدد الرعية. وهنا نسأل ما هو السبب في اختيار الملاك لهؤلاء الرعاة إلى جوار أنهم كانوا ساهرين؟ السبب إن هؤلاء الرعاة كانوا يبحثون عن الخلاص. والدليل على ذلك؛ أنه عند ذهاب السيدة العذراء مريم إلى الهيكل لكي تقدم السيد المسيح بعد أربعين يومًا من ميلاده، وقفت حنّة النبية بنت فنوئيل، وتكلمت عن المسيح مع جميع المنتظرين فداءً في أورشليم.
أى أن روح الله قد أعلن لها أن هذا هو المخلص.. بمجرد دخول السيد المسيح الهيكل، تكلم روح الله على فم حنّة النبية، وبدأت تتحدث عن أنه هو خلاص إسرائيل، وخلاص العالم "وكانت نبية حنّة بنت فنوئيل من سبط أشير.. فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً في أورشليم" (لو2: 36-38).
إن الروح القدس كان يحرك بعض الأشخاص في وقت ميلاد السيد المسيح، فكما بشر الملاك العذراء مريم والروح القدس حل عليها، كذلك امتلأت أليصابات من الروح القدس وقالت للسيدة العذراء "مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتى أم ربى إلىَّ" (لو1: 42- 43).
وكذلك امتلأ زكريا من الروح القدس عند ميلاد يوحنا المعمدان، وفتح فمه وقال "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه" (لو1: 68- 69). فالروح القدس كان يعمل في أشخاص كثيرين وقت أحداث الميلاد، قبله وخلاله وبعده.
إن حدث ميلاد السيد المسيح، ومجيئه إلى العالم، هو بداية تحقيق وعد الله لخلاص البشرية. فقال زكريا أبو يوحنا المعمدان "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68) لأن الله قد تذكر وعده المقدس، لذلك فإن كلمة زكريا تعنى "الله تذكّر"، واسم يوحنا يعنى "الله تحنن" واسم يسوع يعنى "الله يخلص". أى أن الله قد تذكّر.. الله قد تحنن.. الله قد خلّص. فعندما قال زكريا "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68). أكمل وقال "ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس" (لو1: 72).
إن الله لم ينس وعده، لكنه كان ينتظر الوقت المناسب. وذلك بعد أن يكون قد أعد كل شيء. وقد كُتبت نبوات كثيرة في الكتب المقدسة تمهد لمجيء المخلّص، ورموز كثيرة. لأن تجسد كلمة الله، أو ظهور الله الكلمة في الجسد، لم يكن شيئًُا بسيطًا لكي يقدر الإنسان أن يفهمه، أو أن يستوعبه. فكان لابد أن يمهد الله برموز وأحداث كثيرة. كما أنه كما ينبغى أن ينتظر حتى يجد الإنسانة المباركة جدًا التي تستحق أن تكون والدة الإله وهي القديسة العذراء مريم. ولأسباب كثيرة انتظرت البشرية عدة آلاف من السنين حتى أتم الله وعده.
يقول الكتاب "القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا" (لو1: 73).
فالقسم قد أعطاه الله لإبراهيم؛ فكان لابد أن ينتظر حتى يأتى إبراهيم، وعندما أتى إبراهيم. كان قد مر عدة آلاف من السنين. فهذا يوضح أنه كان لابد من حدوث بعض المراحل لكي عندما يتم الخلاص، يكون إتمام الخلاص هو تحقيق لوعود قالها الله، ونبوات كتبها الأنبياء القديسون، وسجلوها في كتب العهد القديم.
إن الروح القدس كان يعمل في شخصيات كثيرة. ومن بين هذه الشخصيات الرعاة الساهرون على حراسة رعيتهم. ولكن ليس فقط لأنهم كانوا ساهرين، ولكن يوجد أسباب أخرى.. فزكريا أبو يوحنا المعمدان عندما تكلم عن ما ذكرته الكتب المقدسة قال "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا" (لو1: 70-73). أي أنه كان شخصًا يعيش ويدرس نبوات الأنبياء التى تتحدث عن مجيء المخلّص.
وأيضًا الأرملة القديسة التي عاشت في الهيكل أربع وثمانين سنة، وذلك بعد ترملها بسبعة سنين من زواجها. فهذه الأرملة كانت خلال هذه الأربع والثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وكما يقول الكتاب "وهى أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا" (لو2: 37).
فقد ظلت أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وذلك في المكان المخصص للنساء، وليس فى الأماكن الخاصة بالكهنة. وقد كانت أثناء هذه السنين تدرس، وتستمع إلى الصلوات اليومية، والقراءات المقدسة، وتقرأ في الأسفار المقدسة. أي أنها كانت متفرغة للعبادة أربع وثمانين سنة. لذلك عمل الروح القدس في داخلها، في نفس الوقت الذي كانت تعيش فيه كل هذه المعانى التي تتكلم عن مجيء المخلص، وميلاد السيد المسيح.
إن الحدث الذي رأته بعينها قد عاشته بقلبها. أي إنها قد رأته بعينى قلبها قبل أن تراه بعينيها الطبيعية. فتقابل الإحساس الذي عاشته في داخلها مع المنظر الذي رأته بعينيها. وعندما يتقابل شيئًان يسرى التيار. مثلما يحدث عند غلق الدائرة الكهربية يصير من الممكن أن يسرى التيار. فالروح هو الذي تكلم على لسانها بدون أن يعلمها أحد.
الرعاة كانوا ينتظرون الخلاص
إن هؤلاء الرعاة كانوا ينقادون بالروح القدس، فما الذي كان من الممكن أن يتحدثوا فيه أثناء سهرهم ليلًا؟ من المؤكد أنهم كانوا يتحدثون في النبوات وفي الأسفار المقدسة. فمثلًا من الممكن أن يقولوا إنهم يرعون الأغنام التي تقدم منها ذبائح كثيرة في الهيكل، وهذه الذبائح ترمز إلى الخلاص الذي وعد به الله. لكن متى سيأتى المخلص؟!
يقول الكتاب إن حنّة بنت فنوئيل تكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً في أورشليم. إن الله يعلن لمن ينتظره، ولكن الذي لا يهمه لماذا يعلن له؟!! فهؤلاء الرعاة كانوا ينتظرون مجيء المخلّص لذلك يقول الكتاب "وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم" (لو2: 8). وبالأخص أنهم كانوا في بيت لحم اليهودية مدينة داود، ومن المعروف أن المسيح هو من نسل داود حسب الجسد، لذلك فهؤلاء الناس كانت المزامير هي تسليتهم.
إن التسبحة التي نقولها في كل ليلة في الكنيسة مليئة في أجزاء كثيرة بالمزامير والتسابيح والنبوات التي تتحدث عن الخلاص، وعن عمل الله في حياة البشر. والتسبحة نفسها غير المزامير بها أجزاء من الأسفار المقدسة. فمثلًا الهوس الأول تسبحة موسى النبى وأخته مريم النبية مع شعب إسرائيل عند عبور البحر الأحمر. وقد كانت رمزًا للخلاص، ورمزًا للمعمودية.
إن الرعاة بكل تأكيد كانوا يسبحون، لذلك عندما كانت هناك تسبحة على الأرض، كان هناك تسبيحًا في السماء فيقول الكتاب "وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين: المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 13-14).
إن كلمة "بالناس المسرة" معناها باللغة اليونانية "المسرة في قلوب الناس الصالحين". فالملائكة فرحوا بما حدث في قلب الرعاة عندما سمعوا بشرى الخلاص. والمسيح هو رئيس السلام، وهو صانع السلام. لأنه هو الذي سيصالح الله مع البشر، ويصالح الإنسان مع أخيه الإنسان، ويصالح الإنسان مع نفسه. وكذلك هو الذي قال "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).
إن الرعاة كانوا يسبحون ويتأملون ويصلون، لذلك ظهر لهم الملائكة. فمن يريد أن يحيا مع الملائكة حياة الصداقة والعشرة الحقيقية، يجب أن تمتلئ حياته بالصلاة، والتسبيح، والتأمل في الأسفار المقدسة.
يقول سفر أشعياء "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7). ولذلك نقول في القداس الغريغورى }أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب{ ويقول الكتاب أيضًا "أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن ان جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلًا تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح" (أش53: 10). وأيضًا "حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين" (أش53: 12).. "وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (أش53: 5). فالرعاة كانوا قد قرأوا هذا الكلام ويرددونه. وكانوا يسألون الرب متى سيرسل الحمل الحقيقى الذي يحمل خطايا العالم كله؟
أهمية السهر الروحي
إن هذه القلوب الساهرة المنتظرة المترقبة عمل الله؛ هي التي سيرسل الله إليها ملائكته. فالله لم يرسل ملائكته إلى الأشخاص المترفهين أو المتنعمين. بل أرسل إلى أناس يجلسون في العراء، وهم ساهرين على رعاية أغنامهم. وهذه هي أهمية السهر في الحياة الروحية، وأهمية السهر في الصلاة، وأهمية السهر في الكنيسة والتسبيح.
إن هؤلاء كانوا رعاة للأغنام. والله كان يريد أن يرى رعاة للشعب. ويرى رعاية حقيقية. فيقول بفم نبيه حزقيال "يا ابن آدم تنبأ على رعاة إسرائيل، تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة: ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم؟! تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم. المريض لم تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم. فتشتتت بلا راعٍ وصارت مأكلًا لجميع وحوش الحقل وتشتتت. ضلّت غنمى في كل الجبال وعلى كل تلٍ عالٍ وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش" (حز34: 2-6).
فالله كان حزينًا أن رعاة بنى إسرائيل كانوا قد أهملوا الغنم، وأهملوا الرعاية، وبحثوا عن ملذاتهم الشخصية، وظلموا الخراف. لذلك قال بطرس الرسول للرعاة "ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية" (1بط5: 3).
أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب
يقول الرب للرعاة "هكذا قال السيد الرب هأنذا على الرعاة وأطلب غنمى من يدهم وأكفهم عن رعى الغنم ولا يرعى الرعاة أنفسهم بعد فأخلص غنمى من أفواههم فلا تكون لهم مأكلًا. لأنه هكذا قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها. كما يفتقد الراعى قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة هكذا أفتقد غنمى وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتتت إليها في يوم الغيم والضباب.. أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب" (حز34: 10-15).
إذن الرب هو الراعى الحقيقى وقال السيد المسيح "أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). فقد جاء السيد المسيح لكي يشفى الجراح، ويقيم البشرية من سقطتها. ويعيد آدم إلى الفردوس مرة أخرى. ولكن ذلك لمن يقبل محبته، ويقبل خلاصه. كما هو مكتوب "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو1: 12).
وهنا يظهر العلاقة الوثيقة بين ليلة ميلاد السيد المسيح، وبين إعلان الرب عن نفسه أنا هو الراعى. وذلك سواء في العهد القديم عندما قال "أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب" (حز34: 15)، أو كلام السيد المسيح عندما بدأ خدمته الخلاصية وعندما بدأ يتكلم عن نفسه باعتباره أنه هو الراعى الصالح وقال "وأنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15).
الأدلة أن الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس
ومن الأدلة أن هؤلاء الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس؛ إنهم استجابوا لإعلان الملاك عندما قال "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لو2: 10-11). أي أن الذي تنتظرونه قد حدث فاذهبوا وانظروا بأنفسكم "وهذه لكم العلامة تجدون طفلًا مقمطًا مضجعًا في مذود" (لو2: 12).
فهل من الممكن أن يوضع طفل في مذود للغنم؟!! إن المذود هو المكان الذي يوضع فيه أكل الأغنام. فلماذا يوضع الطفل في المذود؟!! لقد وضع في المذود لأنه لم تجد العذراء مريم مكان في البيت. فعندما ذهبت مع يوسف إلى بيت لحم لكي تكتتب يقول الكتاب "وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل" (لو2: 6-7).
إن الله لم يجد له مكانًا في قلوب البشر، فولد في وسط الأغنام لكي يقول للبشر أنتم الذين رفضتمونى في حياتكم من الممكن أن الحيوانات تكون أكثر قبولًا لي إذا جلست في وسطهم. لكن أنا قد جئت لتحويل حياتكم من حيوانات إلى بشر لأن الإنسان قد خلق على صورة الله، فأنا أريد أن أحول هذه الحظيرة إلى كنيسة في العهد الجديد.
وبالفعل فإن كنيسة بيت لحم قد بُنيت في مكان المذود الذي ولد فيه السيد المسيح وأصبحت كنيسة عظيمة ضخمة في بيت لحم اسمها كنيسة المهد. فلم تعد حظيرة للخراف غير الناطقة لكن أصبحت حظيرة للخراف الناطقة أي البشر من شعب الله.
"ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود" (لو2: 15-16).
فكيف عرف الرعاة في أي حظيرة وُلد السيد المسيح؟!! إن بيت لحم كلها هي مدينة الأغنام، فقد كان كل عمل داود هو رعاية الغنم فكيف عرفوا أين هي الحظيرة إن كان لم يظهر لهم نجم، أو ذهب معهم ملاك؟!!
الأبرياء)، رسم الفنان جيتو دي بوندوني سنة 1304-1306 تقريبًا، رقم 21 (5) من مشاهد حياة السيد المسيح، وهي لوحة حائطية فريسكو (تصوير جصي)، في كنيسة أرينا (كابيلا سكروفيني)، بادوا
إن المجوس قد احتاجوا للنجم لكي يرشدهم إلى مكان وجود الطفل يسوع، وكان ذلك بعد فترة من ميلاد السيد المسيح، بدليل أن هيرودس عندما حسب المدة وتحقق زمان النجم الذي ظهر حسب المدة من ساعة ظهور النجم حتى ذهاب المجوس فوجد هذه المدة حوالى سنتين فأرسل وذبح كل الأطفال من سن سنتين فما دون. فالمجوس لم يأتوا في ليلة ميلاد السيد المسيح. ولكن في بعض صور الميلاد يضعوا المجوس بها. لكن هذا ليس أكثر من تجميع لأحداث الميلاد في صورة واحدة، وفي بعض الأحيان يقوم البعض بعمل مذود به تماثيل في ليلة عيد الميلاد وذلك من أجل فرحة الأطفال الصغار، ولكن يجب أن يوضع هذا المذود خارج الكنيسة لأن الكنيسة القبطية لا يجب أن يدخلها أي تماثيل بل أيقونات فقط بما في ذلك مغارة الميلاد التي تُعمل من أجل الأطفال.
ولكن الرعاة ذهبوا في نفس ليلة ميلاده، فكيف عرفوا مكان الحظيرة؟!! لقد عرفوا لأن الروح القدس كان يرشدهم "فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود. فلما رأوه أخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبى" (لو2: 16-17).
ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة
وكما أعلن الله عن ميلاد ابنه الوحيد للرعاة الذين يمثلون الشخصيات التي كان من الممكن أن يتعامل معها الله نظرًا لأمانتهم في وسط شعب إسرائيل المنتظر الخلاص. أيضًا بدأ الله يتعامل مع الأمم، إذ قال السيد المسيح "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغى أن آتى بتلك أيضًا فتسمع صوتى وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو10: 16).
فهنا يتكلم عن نفسه أنه هو الراعى الصالح. والمقصود هنا بالخراف الأُخر الأمم وليس اليهود، ولا نسل يعقوب أبو الأسباط الاثنى عشر، ولا نسل اسحق، ولا نسل إبراهيم، لكن الأمم. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل" (لو2: 32).
فليس الخلاص الذي أتى الله لكي يعلنه مسألة تخص شعب إسرائيل فقط. وإن كان قد قال "لأن الخلاص هو من اليهود" (يو4: 22) لكن المقصود في هذه العبارة الأخيرة أن الله كان قد وعد إبراهيم أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. فالسيد المسيح من نسل إبراهيم. لكن البركة لجميع قبائل الأرض. وفي سفر أشعياء "أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم. لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة" (أش42: 6-7).
نورًا تجلى للأمم
إن السيد المسيح في نظر الآب هو الابن الوحيد الذي سُرّت به نفسه وكما يقول الكتاب "هوذا فتاى الذي اخترته حبيبى الذي سُرّت به نفسى. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق" (مت12: 18). وأيضًا في سفر الأعمال قال "ولتُجرَ آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" (أع4: 30).
فكلمة "نورًا للأمم" تعنى أن الخلاص ليس لشعب إسرائيل فقط، وإن كان الله قد ذكر هذا الكلام في العهد القديم. وكان اليهود يعتبرون أنفسهم أنهم شعب الله الخاص. والله نفسه كان يتحدث إليهم باعتبارهم شعبه الخاص. ويقول الكتاب "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل لا تخف لأنى فديتك، دعوتك باسمك، أنت لى. إذا اجتزت في المياه فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت فى النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لأنى أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك" (أش43: 1-3).
فكان الكلام موجهًا لإسرائيل. لكن في خلال كلامه في الإصحاح السابق بنفس السفر يقول "نورًا للأمم". وكذلك عند حمل سمعان الشيخ السيد المسيح قال "نورًا تجلى للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل" (لو2: 32). فمن الواضح أن الله له قصد في أن يدعو الأمم إلى ميراث الحياة الأبدية، وإلى أن يكونوا رعية مع شعب إسرائيل الذي يقبل ويؤمن بمسيحه. فتكون رعية واحدة لراعٍ واحد.
تعامل الله مع الأمم
لقد بدأ الله يتعامل مع الأمم في وقت ميلاد السيد المسيح بطريقة لطيفة جدًا. فقد كان يوجد أشخاص حكماء في بلاد المشرق أي ناحية فارس، ويسمون المجوس. وهم حكماء المملكة. وكان عملهم رؤية الأفلاك، وحساب الأزمنة.. وكان بعضهم يعمل فى التنجيم. فعندما أُخذ شعب إسرائيل إلى السبى من مملكة بابل، وأصبحوا تحت حكم مملكة فارس، كان دانيال النبى موجودًا في البلاد في ذلك الوقت. وقد اختاره الملك لأنه وجد فيه "روح الآلهة القدوسين" على حسب قوله، والمقصود روح الله. وعيَّنه كبيرًا للمجوس أي كبيرًا للحكماء. وفي هذه الأيام كتب دانيال النبى السفر وبه نبوات كثيرة عن السيد المسيح. مثل النبوة التي قال فيها "سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدى ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين" (دا9: 24).
المجوس يترقبون مجيء المخلص
إن النبوات التي في سفر دانيال كانت تتكلم عن ميعاد ميلاد السيد المسيح. فيقول سبعون أسبوعًا أي 490 سنة ونطرح منها أسبوع فيكون 483 سنة والسيد المسيح كان يجب أن يبدأ خدمته الكهنوتية وعمره 30 سنه وذلك حسب الشريعة، وبهذه الطريقة يمكن حساب ميعاد ميلاد السيد المسيح. والمجوس حسب النبوات كانوا يترقبون ظهور علامة لهم. لذلك ظهر لهم ملاك في صورة نجم. أي كائن سماوى كان يتحرك وغير ثابت. فإن كان هذا نجمًا عاديًا في السماء، سيكون بعيدًا جدًا وكان غير ممكن أن يحدد المكان بالتحديد.
ولكن هذا النجم جاء ونزل فوق حيث كان الصبى. لقد كان هذا ملاكًا وليس نجمًا عاديًا. ولكن لأنهم يرصدون حركة النجوم، فقد رأوا هذا النجم أنه نجم غريب. ورأوا علامات مميزة ففهموا أنه نجم لملك عظيم، أو أنه ملك كبير في الأرض. وبالنسبة للنبوة التي كانت عندهم في سفر دانيال. فإن دانيال النبى كان كبيرًا للمجوس. أي أن المجوس كانوا تلاميذًا له ومع تسلسل الأجيال. وعندما رأوا المنظر بدأوا يفهمون.
إن الروح القدس كان لا يعمل في المجوس بنفس الصورة التي كان يعمل بها مع الرعاة ولكن ليس معنى هذا أنه لا يعمل نهائيًا. ولكنه كان يتدرج معهم وذلك من خلال الأمور التي كانوا يستطيعون فهمها. فبالنسبة لهم كان سفر دانيال مثل أسفار الحكمة، أي أحكم الحكماء. فعندما نتذكر قصة نبوخذ نصر الملك عندما أخبره دانيال النبى بالحلم، وفسّر له الحلم وعيّنه كبيرًا للمجوس فكل هذه الأمور تجعلهم يثقون في نبوات دانيال النبى.
إن الله كان يتعامل مع المجوس على حسب تفكيرهم. لذلك ظهر لهم الملاك على هيئة نجم وعندما قادهم إلى بلاد اليهودية، ذهبوا إلى العاصمة أورشليم وإذا النجم قد اختفى. وهنا بدأوا يسألون الناس، وذهبوا إلى هيرودس الملك يسألون أين هو المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له.
وبدأ هيرودس الملك يضطرب وأرسل لإحضار رؤساء الكهنة ليسألهم أين يولد المسيح "فقالوا له في بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبى وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل" (مت2: 5-6).
واضطرب هيرودس وقرر أن يقتل هذا الطفل المولود الذي سوف يأخذ الملك منه وذلك حسب نظرته للعالم. ولكن السيد المسيح قال "مملكتى ليست من هذا العالم" (يو18: 36). فعندما خرج المجوس من عند الملك ظهر لهم النجم مرة أخرى. وهنا بدأ الإعلان السماوى يرجع إلى قيادتهم مرة أخرى.
وعندما وصلوا إلى البيت نزل النجم الذي كان يقودهم ثم اقترب من البيت. فعرفوا أن المولود هو ملك اليهود أو ملك ملوك الأرض أو ملك الملوك ورب الأرباب في السموات وما على الأرض حسب تفسير حلم الملك نبوخذ نصر الذي فسّره له دانيال النبى وكتبه في السفر المعروف باسمه.
الروح القدس يرشد المجوس إلى أنواع الهدايا
عندما بدأ المجوس يستعدون لرحلتهم اختاروا بعض الهدايا لكي يقدموها للملك المولود فاختاروا ثلاث هدايا وهى: ذهب ولبان ومر. فالمر له مذاق مر، ولكن رائحته عطرية. واعتبروا أن هذه أنواع من الهدايا التي أحيانًا تقدم لبعض الناس فى بعض المناسبات. ولكن بالنسبة للسيد المسيح كان لها مدلول عقائدى، ومدلول لاهوتى، ومدلول روحي، ومدلول نبوى.
فمن الواضح أن الروح القدس هو الذي أرشد المجوس إلى اختيار هذه الهدايا. ونلاحظ فى صورة الميلاد أنها تكون بها ثلاثة من المجوس فقط. لكن من الممكن أن يكونوا أكثر من ثلاثة أشخاص لأن الكتاب لم يذكر أنهم ثلاثة مجوس. ولكن الهدايا فقط هي التى ثلاثة. فهم مجموعة من الحكماء أتت من بلاد فارس من رحلة طويلة. ولكن الذين قدموا الهدايا هم ثلاثة أشخاص.
لماذا ثلاث هدايا؟
إن اختيار عدد الهدايا ثلاثة هي إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التي لإله واحد في الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح، ونوع الهدايا ذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك، واللبان يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن، والمر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.
فهو ملك وكاهن ونبى ولكن ليس نبى مثل باقى الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر فى الهيئة كإنسان، ولكن في نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكًا عاديًا. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادى، بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذي كهنوته كهنوت أبدى لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كنبى فهو ليس مجرد نبى عادى. فمثلًا تنبأ عن موته, وعن خراب أورشليم، وعن قيامته في اليوم الثالث. وقد تحققت كل هذه النبوات في حينها. وتنبأ أيضًا عن نهاية العالم. وسيتم ذلك لأن السيد المسيح هو الذي تنبأ بها.
وأهم نبوة قيلت "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم" (مر10: 33-34).
وكانت هذه هي أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسيح أي أن المر إشارة إلى أنه نبى. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.
لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحي خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة ونقول عنه أيضًا }هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة{ (لحن "فى إيتاف إنف vaietafenf" الذي يقال يوم الجمعة العظيمة ويقال بلحن آخر في تسبحة يوم الأحد).
فالسيد المسيح أصعد ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب في طاعة كاملة. وفي سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التي قبلها الآب السماوى، وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذين يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون في المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضًا معه.
إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبى، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعى إذ ظهر في الهيئة كإنسان أن يقول بعض الأمور التي تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلامًا عاديًا مثل أي إنسان عادى. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئًُا هامًا جدًا بالنسبة للكنيسة لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه "أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).
كيف تعامل الروح القدس مع المجوس؟
إن الروح القدس قد تدرج مع المجوس. ففي البداية أرشدهم إلى اختيار أنواع الهدايا التي يقدمونها ثم ظهر لهم نجم لكي يرشدهم إلى الطريق. ولكن بعد أن سجدوا للسيد المسيح الإله الكلمة ومخلّص العالم. بدأت علاقة الله معهم تكون أقوى من الأول، وبدأ الله يتعامل معهم بإعلانات سماوية واضحة فيقول الكتاب "ثم إذ أوحى إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم" (مت2: 12).
وذلك لأن هيرودس كان يريد قتل الطفل، ولكن الله أوحى إليهم أن ينصرفوا في طريق آخر. وبذلك نرى الروح القدس قد بدأ يعمل في حياتهم بصورة أقوى عن طريق الوحى. وهذا معناه أن الله يدعو الأمم إلى معرفته عن طريق مجيء السيد المسيح إلى العالم. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com