بقلم الأنبا ارميا
أن التقاويم تختلف، إلا أن جميع شعوب العالم تتفق أن هناك دائمًا بداية جديدة، وقد أشرنا إلى التقويم الميلادى، الذى اتُّخذ ميلاد السيد المسيح بدايةً له، وكيفية احتفال بعض أشهَر بلاد العالم به. كذلك عرضنا بعض عادات شعوب العالم فى ليلة رأس السنة وبداية العام الجديد، واليوم نستكمل هذه العادات.
المجر
لا يأكل المجريون الدواجن ليلة رأس السنة لاعتقادهم أن أجنحتها تُبعد عنهم الحظ السعيد فى العام الجديد، واشتُهر بينهم تبادل الهدايا الحاملة صورة «عامل ينظف المدخنة» رمزًا لإزالة كل ما هو قديم واستقبال الجديد.
ڤنزويلا
يستقبلون السنة الجديدة بارتداء الملابس الداخلية الصفراء لجلب الحظ، ويقومون بكتابة أمنياتهم على ورقة تُحرق قبل منتصف ليلة رأس السنة بدقائق، ومن يرغب فى السفر خلال العام القادم كثيرًا ما يقوم بحمل أمتعته حول المنزل آخر أيام السنة المنقضية!
الفلبين
يقوم أطفالها بالقفز ١٠ مرات فى ليلة رأس السنة، كى يصيروا طُوال القامة فى السنة الجديدة! ويهتم الفلبينيون أيضًا بوضع أنواع الفاكهة بألوانها المتعددة على مائداتهم لجلب الرخاء والسعادة.
اليابان
يحتفل اليابانيون برأس السنة اليابانية مع يوم رأس السنة الميلادية، إلا أن لهم طقوسًا يتفردون بها، ففى ليلة رأس السنة يزينون المنازل بأكاليل الزهور، لطرد الأرواح الشريرة، وللتعبير عن الحظ والسعادة، ويبدأون عامهم الجديد بالضَّحِك، للحصول على حظ سعيد! وقد اعتادوا تناول أكلة جاهزة من الدجاج المقلى كتقليد فى يوم رأس السنة.
الهند
يصوم الهنود كتقليد لديهم أول أيام السنة الجديدة من فجر اليوم حتى منتصف الليل! ثم يتناولون معًا الأكلات المتنوعة والشهية فرحين بالعام الجديد.
مدغشقر
يتناولون بعض الطيور ليلة رأس السنة بعد الامتناع عنها سبْعة أيام، وفى أول أيام السنة يقدم الأزواج لوالدِيهم ذَيل الديك رمزًا للاحترام! ومخالب الديك للإخوة والأخوات علامة الاهتمام والمحبة!
مِصر
بدأ المِصريون الاحتفال بعيد رأس السنة مع نشأة التاريخ المِصرى القديم، ومنهم انتشر الاحتفال إلى كل أنحاء العالم، وكانت الملكة «كليوباترا» قد قدمت تقويم مِصر الشمسى إلى الإمبراطور «يوليوس قيصر»، الذى نقله إلى الرومان، وعُدِّل إلى التقويم الجريجورى، لتكون مِصر هى من وهبت للعالم التقويم واحتفالات رأس السنة.
ومنذ فجر التاريخ والأعياد فى مِصر تأخذ الطابع الدينى، ففى القديم كانوا يقدمون القرابين للآلهة، وكانوا يستخدمون سَعَف النخيل الأخضر لعمل أشكال تُزين الأبواب رمزًا لبداية العام، وتوضع على المقابر رمزًا للخلود، ويتزين بها الناس رمزًا للحياة، وتجددها فى العام الجديد، والحفظ من الأرواح الشريرة.
ويُعد الاحتفال بعيد رأس السنة من أقدم التقاليد المِصرية، التى يُصنع فيها الكعك والفطائر المزينة بالنقوش والتعاويذ الدينية، ويُعد الإوَزّ والبط من أكلات رأس السنة المفضَّلة مع تناول عصير العنب، ويذكر الدارسون أن الاحتفالات تمتد عدة أيام تبدأ بخروج المِصريين إلى الحدائق والمتنزهات والحقول لترك متاعب العام المنقضى وهمومه، ثم القيام بزيارة القبور إحياءً لذكرى موتاهم، ثم يُقضِّون بقية أيام الاحتفال فى إقامة حفلات الرقص والموسيقى والألعاب والمباريات.
وقد وضعت «كليوبترا» «كرنڤال الزهور» أول مرة فى احتفالات رأس السنة عندما تصادفت الاحتفالات وعيد جلوسها على العرش، وقد تأثر الفرس بعيد رأس السنة بعد دخولهم مِصر، فاحتفلوا به بعد إطلاق اسم «عيد النيروز» أو «النوروز» عليه، وتعنى بالفارسية «اليوم الجديد».
كذلك استمر الأباطرة فى إقامة احتفالات رأس السنة حتى بعد اعتناقهم الديانة المسيحية.
أمّا حديثًا، فقد حرَص المِصريون على الاحتفال بالعام الجديد بالتزاور العائلى، وإقامة الصلوات فى دُور العبادة ليمتلئ العام الجديد بالبركات.
وأود فى العام الجديد أن أضع نُصْب أعيننا بعض الأمور ليكون عامنا جديدًا حقًّا:
فليكُن عاما نبدأ فيه بتغيير النقاط السلبية فى الأعوام السابقة، التى باتت معوِّقة تغتال أحلامنا وآمالنا، فكلما تخلصنا من السلبيات واكتسبنا الإيجابيات اتجهنا نحو عالم أفضل يمتلئ بالسعادة، ويرتفع بإنسانيتنا.
نبدأ فيه بوضع أهداف لنا فى الحياة نسعى بكل جِد والتزام لتحقيقها، فيصبح لحياتنا معنى وقيمة، مدركين أنه كلما عظُمت أهدافنا تعاظمت قيمة حياتنا.
نبدأ فيه رحلة للتعاون، فنشعر بأهمية العمل المشترك بيننا جميعًا، وبأنه لا طريق إلى البناء إلا بأن تتكاتف الأيدى من أجل النمو والرخاء والازدهار والاستقرار.
نبدأ فيه بتقديم يد العون كلّ منا للآخر، فبدلًا من أن نلعن الظلام نحاول إشعال شمعة فى الطريق، وحين نحاول الإضاءة بالشمعة سنجد أن طريق المستقبل يتلألأ ضياءً بكل الخير لنا جميعًا، وحينئذ فقط تكون لنا القدرة على تجنب ما يمكن أن نتعثر فيه، وسيمكِّننا الضوء من السير أسرع نحو تحقيق كل ما تصبو إليه نفوسنا من أهداف وأحلام.
عيد الميلاد
ويرتبط العام الجديد بعيد الميلاد، حيث يحتفل العالم المسيحى بميلاد السيد المسيح، ويكون موعده فى الغرب فى الخامس والعشرين من ديسمبر، فى حين تحتفل الكنيسة القبطية فى الشرق به فى السابع من يناير.
«٢٥ ديسمبر»/ «٧ يناير»
وقد تحدد يوم احتفال المسيحيين بعيد الميلاد عام ٣٢٥م فى مجمع نيقية ليوافق التاسع والعشرين من كيهك حسب التقويم القبطى، الذى يوافق الخامس والعشرين من ديسمبر حسب التقويم اليوليانى، الذى أصبح فيما بعد التقويم الميلادى، ليكون فى أطول ليلة وأقصر نهار، لكن فى عام ١٥٨٢م لاحظ العلماء أنه نتيجة الخطأ فى حساب طول السنة فى التقويم اليوليانى وُجد فارق عشرة أيام ليقع «٢٥ ديسمبر» فى أطول ليلة وأقصر نهار، لذا قرر بابا روما آنذاك البابا «جريجورى» حذف عشَرة أيام من التقويم الميلادى (اليوليانى) ليعود «٢٥ ديسمبر» فى موقعه كما كان أيام مجمع نيقية، وأطلق اسم التقويم الجريجورى على ذلك التعديل، وأصبح «٥ أكتوبر» ١٥٨٢م هو «١٥ أكتوبر» فى جميع أنحاء إيطاليا. وبتجميع الفارق الزمنى كل عام تُحذف ثلاثة أيام كل ٤٠٠ سنة، فوصل الفارق إلى ثلاثة عشر يومًا، ثم بدأت دول أوروبا تعمل بذلك التعديل.
أما مِصر فلم يُستعمل التعديل بها إلا فى أوائل القرن الماضى بعد أن دخلها الإنجليز، وقاموا بتعديل التقويم الميلادى، وبذلك أصبح التاسع والعشرون من كيهك يوافق السابع من يناير، بسبب عدم طرح فارق الأيام من التقويم القبطى، والتقويم القبطى مأخوذ من التقويم الفِرعَونى أقدم تقويم ظهر فى الأرض (يعود إلى عام ٤٢٤١ ق. م)، الذى كان من الدقة بحيث أبهر العالم كله فى حساباته الدقيقة.
شجرة عيد الميلاد
ومن أهم العادات الشائعة فى عيد الميلاد فى جميع بلاد العالم تزيين شجرة عيد الميلاد. فقد بدأ وضع شجرة الميلاد رسميًّا فى القرن السادس عشَر فى ألمانيا فى «كاتدرائية ستراسبورج» ١٥٣٩م، وتعددت القصص عن أصل هذه الشجرة: فتذكر إحدى الموسوعات أن الفكرة بدأت فى ألمانيا حيث تنتشر الغابات الصَّنوبَرية دائمة الخضرة، وتحكى القصة أنه فى القرن الثامن خلال مرور أحد المبشرين بالقبائل، التى كانت تعيش هناك شاهدها وهى تقيم حفلًا لإله الغابات لديها «ثور»، وتستعد لتقديم طفل ضحيةً له، فخلَّص الطفل منها، ووعظها عن الله إله المحبة، وقطع تلك الشجرة، فرأى نبتة شجرة التنوب ـ شجرة الكريسماس ـ فصارت رمزًا للميلاد.
وثمة قصة أخرى عن أن شجرة الميلاد جاءت من مسرحية اسمها «الفِردَوس» كانت تُعرض فى القرون الوسطى كل عام فى موسم الشتاء ليلة الميلاد، لتعليم دروس الكتاب المقدَّس فى أوروبا، وكان عرض المسرحية يحتاج إلى شجرة التُفاح التى لم يكن من الممكن وجودها فى الشتاء. فتغيرت إلى شجرة خضرتها دائمة، مع تعليق التُّفاح عليها، وهكذا صارت إحدى عادات عيد الميلاد.
وترمُز الأشجار عمومًا إلى «الحياة» لما تحمِله من ثمار، وشجرة عيد الميلاد خضراء طوال العام ـ من نبات السَّرْو غالبًا ـ رمزًا للخلود، واعتُبرت تذكيرًا بــ«شجرة الحياة» المذكورة فى سفر التكوين لتصبح رمزاً للحياة والنور، والنَجمة التى تعلوها إشارة إلى النجم الذى تبِعه المجوس ـ حكماء المشرق ـ حتى وصلوا إلى مكان الميلاد.
وفى احتفالات العام الجديد وعيد الميلاد المجيد نصلى من أجل سلامة مِصر وقادتها وشعبها، طالبين عزاءً لأسر ضحاياها وشهدائها، وشفاءً لمصابيها، راجين من الله أن يوحِّد بين المِصريين، ويهب السلام لمِصر، والحكمة لقادتها، والهدوء والاستقرار لشعبها، وكل عام وجميعكم بخير وسلام، وعن مصر الحلوة وأعيادها الحديث لا ينتهى!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com