من أهم العوامل التي تجعل مجتمعاتنا الشرق أوسطية غير قادرة على مواجهة المشكلات المجتمعية بصورة جذرية هي ان الحلول دائما قابلة للمساومات، وان هذه الحلول ليس مقياسها القانون بمعنى أن ما يصلح لحل أزمة مع الاخوان والسلفيين لا ينطبق لحل الازمة مع الشيعة او الاقباط او حتى النوبيين. ويأتي غياب دولة القانون والشفافية والحياد فيظهر ذلك في صورة واضحة في شتى المعاملات اليومية بين طرفي الازمة وقطبيها. فعندمات تكون هوية الفاعل او المعتدي مسيحي يقوم الطرف الآخر بالمعاقبة الجماعية من حرق ونهب ممتلكات الاقباط وقتل الابرياء على الهوية وتهجيرهم في كثير من الاحيان تحت غطاء كامل من اجهزة الدولة الى جانب ظهور الاجهزة الامنية والقضائية والتنفيذية كالمسعور الذي يتلمس فريسة عن طريق المحاكمات العاجلة التي تفتقر الى الشفافية والمصداقية والعدل من خلال أحكامها الجائرة والمبالغ فيها. أما عندما يكون التعدي من الجانب المسلم فينحصر دور الاجهزة التنفيذية في عقد الجلسات العرفية التي تؤكد غياب دولة القانون للمصالحة الجائرة بين طرفي النزاع يقدم فيها الطرف الثاني وهو المواطن القبطي كل ما يمتلك من حقوق كتنازلات.
لست في صدد تقييم العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر او الشرق الاوسط، لكن أرى أن الازمة الحقيقية تكمن في:
أولا – في غياب دولة القانون، وبالتالي غياب الدولة، وانهيار مؤسساتها وعجزها عن تطبيق القانون بصورة رادعة لذلك ظهرت بصورة المحايد من خلال الجلسات البدوية او ما يعرف بالجلسات العرفية (المصطبة) وهي صورة هزيلة هشة لسيادة الدولة وهيبتها وهذا ساهم مباشرة في شق الوحدة الوطنية من خلال ازمة مجهولة العواقب والنتائج بين قطبين الامة، الاول وشعوره بالتمييز العنصري واهدار حقوقه وعدم احترام مقدساته وحرمته واسهام الدولة مباشرة بالانتقاص من حقوقه ومضاعفة واجباته بعكس الطرف الآخر الذي يحظى في كثير من الاحيان بأكثر مما يكفله القانون من حقوق، مما جعله يتصور انه ينتمي الى طبقة الاسياد على أساس الهوية الدينية وما دونه فهم من طبقة العبيد. وجاء الغياب الكامل لحقوق المواطنة والانتماء للحدود الجغرافية، وقد لخص مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الاخوان المسلمين بعبارته النازية (انا يحكمني ماليزي مسلم ولا يحكمنيش قبطي مصري).
ثانياً: الأهم من كل ذلك فان الازمة الحقيقية التي ظهرت بصورة وبائية في غياب الدولة وضعف مؤسساتها في مواجهة التيارات الارهابية، عندما ظهرت كتيارات موازية للدولة لتجعل من نفسها دولة داخل دولة، بل تتعامل مع الاجهزة السيادية للدولة بسياسة الفعل ورد الفعل او المساومات وتكمن خطورة هذه التيارات السرية عندما اصبحت لها تنظيمات علانية ممثلة ببعض الاحزاب ذات المرجعية الطائفية المتشددة، واصبح لها جناح عسكري وتدريبات، بالاضافة الى انها اصبحت قادرة على اختراق سيادة حدود الدولة للاستعانة بخبرات خارجية من عدد من الدول التي تصنف دول راعية للارهاب في مقدمها قطر و"حماس" وايران وافغانستان (القاعدة)... لتنفيذ اعمال عسكرية تخريبية ضد المواطنين المصريين وزعزعة امن البلاد. واصبحت لها ميليشيات واسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة الى جانب انه اصبحت ذات علاقات خارجية وصلت الى حد التجسس والاستعانة بدول اجنبية للالتفاف على ارادة الشعب أو قلب النظام الى جانب تمويلات خارجية مشبوهة.
ان كان ما سبق هو جزء من الازمة مع هذه التيارات وان التعاطف والتراخي في الحلول ما زاد الا تأزماً على الازمة وساهم في خروج هذه القبائل المتطرفة عن نطاق الارهاب الفردي الذي لا يمثل سوى زوبعة في فنجان الى تنظيمات سرية لها فروع دولية، واصبح ارهاباً تدعمه دول تعمل ضد مصلحة الوطن او لتصفية خلافات سياسية او تدخلات سافرة غير مبررة في الشؤون الداخلية للدولة لذلك فان حل هذه الازمة يلزمة أولاً الحزم والحسم في التطبيق لمواجهة هذا الارهاب وللقضاء عليه نهائياً.
1 – تفعيل دور المؤسسة القضائية وعدم التمييز العنصري بين اي من فئات الشعب والتخلي نهائياً عن جلسات العرف البدوية واعتبار ان اي تجاوز بين طرفين يعتبر تعدياً على سيادة القانون وبالتالي هيبة الدولة.
2 – رفع كلمة "عقيدة" أو معتقد" او "دين" او اي عبارة تمييز ديني او عرقي او قبلي يكون ضد هوية المواطنة المصرية من اي مستند رسمي او شبه رسمي بمعنى وجود نص قانوني مفعل بتوقيع غرامات مالية وعقوبات بالسجن او اغلاق اعمال تجارية في حالة التجاوز للقضاء على ظاهرة (مطلوب موظف مسلم).
3 – التصدي لظاهرة الجلباب الباكستاني والرجوع الى الهوية المصرية "بمنع توحيد الزي (عدا لرجل الدين المسلم او المسيحي) لاي فئة من المجتمع تحت اي شعار او اسم، وذلك لمنع تعامل فئة من المجتمع على اساس التمييز المذهبي.
4 – العزل السياسي لكل اقطاب التيارات السياسية كالحزب الوطني وحزب النور والحرية والعدالة والاخوان والسلفيين، وخصوصاً كل من شغل منصب سياسي في هذه الفترة لأنهم مدانون بالفاشية والفساد السياسي، وقد اسقطوا بارادة الشعب.
5 – حل جماعة الاخوان المسلمين واي من جمعيات المجتمع المدني التي تعمل في الانفاق المظلمة.
6 – حل الاحزاب ذات المرجعية الدينية.
فان كان التعاطف او التراخي مع التيارات المتطرفة يزيد الازمة تأزماً فان الحسم والمواجهة بقوة القانون هما الحل للسيطرة على موجة العنف والتطرف واقصائه عن الحياة السياسية.
نقلا newspaper.annahar
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com