بقلم: أكرم القصاص
إذا أردت أن تعرف كيف فقد المصريون ابتسامتهم وسخريتهم، عليك أن تتأمل كمية النكد التى تقدمها برامج التوك شو يوميًا وبلا انقطاع، وطريقة الأداء
التمثيلى لعدد من زعماء عينوا أنفسهم ملاكًا حصريين للثورة، يستمتعون بالتنكيد الصباحى على المواطنين، ويستعذبون ترديد الاتهامات للآخرين بأنهم لا يفهمون، وأنهم متواطئون ومتآمرون. يشكو الواحد منهم طوال الوقت من الثورة المضادة والفلول والدولة العميقة، دون أى رغبة فى إعادة النظر فى تنظيراته وأفكاره، وما يمكن أن يكون قدمه خدمة لكل هؤلاء «المضادين»، ومن دون أن يترجم هذه الأفكار إلى موضوعات يفهمها المواطن العادى المشغول بأكل العيش والدوران فى ساقية لا تتوقف من العمل صباحًا ومساء، محشورًا فى المواصلات، مضغوطًا فى الزحام.
أعرف كثيرًا من المواطنين السابقين قبل أن يعينوا أنفسهم زعماء كانوا يمتلكون حسًا ساخرًا وفكاهيًا، يستخدمونه فى التعبير عن آرائهم تجاه نظام مبارك، بل إن المعارضة الساخرة المبهجة كانت ذات تأثير كبير على الحشد لمظاهرات الغضب، بعد أن نزعت الخوف، وحولت الثورة أحيانًا إلى رحلة وفسحة، كسرت حواجز التردد والخوف.
لكن للمفارقة، فإن نفس هؤلاء بعد أن عينوا أنفسهم نشطاء وزعماء تلبست عددًا منهم روح «عاطف الأشمونى» مؤلف «الجنة البائسة»، يصرون على التنظير للثورات، مع أن بعضهم فى الحقيقة لم يسبق له مشاهدة ثورة إلا فى الفيديو، وهو ليس عيبًا، لكنه يتطلب نوعًا من التواضع ومحاولة التعلم، والتفرقة بين المظاهرات بوصفها أحد أفعال الثورة، وبين الثورة كمحاولة للتغيير الشامل على مدى سنوات، وأن نجاح الثورة يرتبط بكيفية توظيف السياسة بالشكل الذى يخدم الأهداف.
ما شهدناه أن كل زعيم خدعه عدد «الفلورز» وتصور أنه وحده مؤلف الثورة وقائدها.
وبعض زعماء اليوم الواحد تعامل مع الثورة على طريقة «كيف تتعلم الثورة بدون معلم فى أربعة وعشرين ساعة»، مثلما كانت كتب تعليم الإنجليزية بدون معلم، والتى كانت غالبا تكتب الإنجليزى بالعربى، ولا تعلم شيئًا غير «Yes وno وok»، وسارع الزعماء لتصفح كتب الثورات ونقلوا منها ما يناسب تصوراتهم، وتصوروا أنهم توصلوا للنظريات الثورية على طريقة «يقول مش عارف مين إن الثورة عندما تقوم يجب أن تكتسح الماضى وتنظر للمستقبل»، مع كلام عن القوى الثورية والتنظيم المتناغم والقفز والثورة المضادة، وباقى المصطلحات المستوحاة غالبًا من كتب اليسار الكلاسيكى، ونظريات اليسار الفرنسى واللاتينى عن الثورة فى الستينيات، مع قص ولصق عن الثورات وحركات الجماهير.. كل هذه النظريات مع أن أيًا من هؤلاء لم يترشح لأى انتخابات، ولا يعرف الفرق بين الانتفاضة والثورة، وإذا طلبت منه أن يشير لك على تجربة ناجحة، سوف يقدم لك رعبًا من عشرات التجارب الفاشلة التى لا نريد أن نكررها.. تحدثه عن مصر يحدثك عن رومانيا، أو بولندا، والثورة الفرنسية دون محاولة للمقاربة أو مراعاة ظروف الوضع الراهن. خليط من تضخم الذات والعنصرية، يتحدث عن ديمقراطية وهو ديكتاتور يعانى من رواسب شوهته وجعلته يشبه قامعيه، ويردد دائمًا: «أنا المؤلف الحصرى للثورة».
نقلا عن :اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com