بقلم: نسيم عبيد عوض
السؤال الدائم والمتكرر كيف نقرأ الكتاب المقدس ؟ بمعنى كيف نقرأه ككلمة الله ؟ وليس ككتاب مكتوب كأى كتاب ‘ على إعتبار قول الرب يسوع " الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة "يو6: 63‘ وإيمان القديس بطرس بقوله" يارب الى من نذهب .وكلام الحياة الأبدية عندك."يو6: 68‘. وأيضا عندما كان الرب يسوع فى البرية ليجرب من إبليس رد على طلب الشيطان بأن يقول لهذه الحجارة أن تصير خبزا. فاجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله.(تث8: 3) وأيضا تعامل ابليس بكلمة الله وقال له ان كنت إبن الله فاطرح نفسك الى أسفل. لأنه مكتوب انه يوصى ملائكته بك فعلى أيديهم يحملونك لكى لا تصدم بحجر رجلك.(مزمور 91) قال له يسوع مكتوب أيضا لا تجرب الرب إلهك .(تث6: 16)‘ وأيضا قول الرب له اذهب ياشيطان .لانه مكتوب للرب إلهك تسجد واياه وحده تعبد.(تث10: 20).
تعالوا اولا نتعرف على سبب إحتياج البشر للكلمة المكتوبة ‘ ففى بداية خلق الله الإنسان كانت صلته به مباشرة ‘ فم يتكلم وأذن تسمع ‘ ولم يكن الإنسان فى حاجة الى كلمة مكتوبه. ولنرجع الى الوراء عندما كان الإنسان فكرة فى عقل الله ‘ وخلق العالم كله من أجله.. فعندما خلق الله الإنسان أقامه فى الفردوس ‘ ليس مكانا عاديا بل غرس له الجنة على الأرض . وأقامه فيها..كقول الكتاب " وغرس الرب الإله جنة عدن شرقا..ووضع هناك آدم الذى جبله."تك2: 8. وكان الله يلتقى مع آدم دائما فى أحاديث مشتركه داخل الجنة ولمدة غير محدودة بدليل قول الكتاب" وسمعا صوت الرب الإله ماشيا فى الجنة عند هبوب ريح النهار ."تك3: 8‘ وأيضا قول آدم " سمعت صوتك فى الجنة فخشيت لأنى عريان فاختبئت."تك3: 10‘ هكذا كان آدم يتحدث مع الله ويناجيه ويسمعه ويتكلم معه ..يتقبل الحب بالحب ..وكان آدم فى حياته السعيدة فى عشرة كاملة مع الله فى طهارة وقداسة ..فى حياة أبدية. وعن هذه العلاقة بين الله والإنسان نصلى له كل صباح فى القداس الغريغورى قائلين" من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتنى .إذ لم أكن ..أقمت السماء لى سقفا ..وثبت الأرض لأمشى عليها .من أجلى ألجمت البحر .من أجلى أظهرت طبيعة الحيوان .أخضعت كل شيئ تحت قدمي.لم تدعنى معوزا شيئا من أعمال كرامتك.أنت الذى جبلتنى ووضعت يدك علي .وكتبت في صورة سلطانك ووضعت في موهبة النطق.وفتحت لى الفردوس لأتنعم. أعطيتنى علم معرفتك.." هكذا كانت نعم الله فى خلقه للإنسان أن يعيش معه فى علاقة حميمة ‘ ولكن لحسد إبليس أسقط آدم والبشرية كلها.
وبالسقوط والخطية مات آدم موتا روحيا وطرد من الجنة ‘ وأصبح الله يتكلم والإنسان الواقع تحت عبودية إبليس لا يسمع لكلمة الله ‘ بل وإن سمع لم يكن قادرا على التجاوب مع إرادة ومشيئة الله لفساد طبيعته على غير الطبيعة التى خلقه الله عليها‘ وتحول قلب الإنسان الى قلب حجر ‘ولتغلغل الخطية فقد الإنسان التواصل مع الله لموته الروحى . وإيذاء هذا التحول من قلب الإنسان قدم الله له كلمته المكتوبة على لوحى حجر ‘رمزا لتحول قلب الانسان من قطعه لحمية تمتليئ بحب الله الى قطعة حجرية صامتة‘ وكقول القديس يوحنا ذهبي الفم " ياله من شر عظيم قد أصابنا فقد كان ينبغى أن نعيش فى نقاوة فلا نحتاج الى كلمة مكتوبة. وإنما نخضع قلوبنا لروح الله ككتب ‘ ولكننا فقدنا هذه الكرامة وصرنا فى حاجة الى الكلمة المكتوبة فى كتب."
ويجيب على سؤالنا القديس أغسطينوس فيقرر" ان الله قدم لنا الكلمة المكتوبة كمصابيح تشهد للنهار الأبدى. قدمها من أجل ضعفنا البشرى لتنير لنا‘ نحن الذين كنا فى ظلمة وأما الآن فنور فى الرب."ولذلك يقول معلمنا بولس الرسول" لأنكم كنتم فى ظلمة وأما الآن فنور فى الرب . اسلكوا كأولاد نور." أف5: 8. وبالكلمة المكتوبة صرنا أبناء للنور لكى ندخل بها الى بهاء النور الكامل ‘ ونلتقى بالكلمة الإلهى ذاته وجها لوجه."
ويتبادر الى الذهن سؤال عن كيفية كتابة رجل الله أو الأنبياء والرسل الكتاب المقدس ووصل الينا بالصورة التى بين أيدينا؟ وماهو دور رجل الله الذى أوحى له بالروح القدس ليكتب ؟ ونورد فيما يلى مفهوم الكنيسة المسيحية والآباء القديسين وإجابتهم عن هذه الأسئلة:
1- "كل الكتاب موحى به من الله . ونافع للتعليم والتوبيخ وللتقويم والتأديب . الذى فى البر ليكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح."2تيمو3: 16و17.
2- "عالمين هذا أولا أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص.لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة انسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس ."2بط1: 20و21.
إذا الكتاب كله موحى به من الروح القدس ‘ ومن محبة الله للبشر ترك للكاتب ان يكتب مايوحى به اليه حسب شخصيته وإمكانياته الثقافية والتعليمية ‘ ومهارته وموهبته ولغته ‘ ويؤكد على ذلك أقوال الآباء : - قول العلامة أوريجانوس " ليس حرف واحد أو عنوان كتب فى الكتاب المقدس لا يتمم عمله الخاص بالنسبة للقادرين على إستخدامه." ‘ وأيضا القديس ايريناؤس (من القرن الثانى) "ان الكتاب المقدس حتى فى اجزائه الغامضه روحى بكليته"‘ وعن القديس جيروم " فى الكتب الإلهيه كل كلمة ومقطع وعلامة ونقطة تلتحف بعنى " أما القديس يوحنا ذهبى الفم فيقول عن كلمة الله المكتوبة" أنه إعلان كنوز الحكمة المخفية فى كل كلمة نطق بها"
الكتاب المقدس وحدة متكاملة ومطابقة بأسفارها فى العهد القديم والجديد ‘ وهذا من فم الرب الكريم "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ‘ماجئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل."مت5: 17و18‘ وأيضا قوله عن العهد القديم "فتشوا الكتب لأنكم تظنون ان لكم فيها حياة أبدية .وهى التى تشهد لى." يو5: 39‘ وتأكيده على عدم تحريف كلمته المكتوبة " السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول ."مر13: 31.
الكتاب المقدس إنجيل روحى وليس كغيرة من الكتب على وجه الأرض ‘ والفهم الروحى قبل العقل مطلوب فى قرائته‘ وهذا الفهم الروحى يكون نتيجة تكوين علاقة مباشرة مع الله بالصلاة أولا ثم بطلب إرشاد الروح القدس الذى يعلمنا ويرشدنا ‘ والذى هو داخلنا ونحن هيكلا له ‘ وأخيرا بإطاعة وصاياه والعمل بها‘ وهنا نقول للرب " تكلم يارب لأن عبدك سامع "كما قال صموئيل النبى استجابة لنداء الله له.
الله يعطينا نعمة وإرشاد الروح القدس حتى نسمع ونفهم ونعرف ونعمل بأناجيله المقدسة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com