نظمت مؤسسة "مصريون في وطن واحد" ومجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" مؤتمراً تحت شعار "دستور الدولة المدنية الحديثة" بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة يوم الأحد الموافق 10 نوفمبر 2013 والذي ضم نخبة من المفكرين والمثقفين والكُتاب والسياسيين المصريين ممن طرحوا رؤى وأوراق عمل حول دستور البلاد الذي تقوم اللجنة التأسيسية في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ مصر بصياغته تعديلاً لدستور 2012 الثيوقراطي. وقد كانت الرؤى والأوراق التي قدمت للمؤتمر والمناقشات التي تمت على هامش جلساته -التي امتدت من العاشرة والنصف صباحاً إلي السادسة مساء تدور حول المبادئ الأخلاقية والقانونية والأهداف الأساسية التي نادت بها ثورة مصر بموجتيها في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 لتأسيس دولة المواطنة التي يتساوى فيها كل المصريين في الحقوق والحريات والواجبات العامة، بما يضمن "مدنية الدولة" ويناهض التمييز بين مواطنيها.
كان اندلاع الثورة في 25 يناير 2011 إيذاناً بميلاد عصرٍ جديدٍ يتمتع فيه كل المصريون بحقوق أساسية - أهدرها نظام "مبارك" - في ظل مواطنةٍ تكفل تساوياً في الحقوق والواجبات وتوفر حريةً أفتقدها المصريون، فإذا بقوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين تهدر أحلام المصريين في غدٍ أفضل بدءاً من استفتاء مارس 2011 الذي استخدمت فيه منابر المساجد للحشد صوب توجهٍ لا يخدم مصالح الوطن بل يصب بالأساس في مصلحة "الإخوان المسلمين" وحلفائهم من تيار الإسلام السياسي دون النظر لمطالب الثورة وأهدافها، فكان بمثابة إعلان للبدء في مسارٍ خاطئٍ كاد يورد الوطن موارد التهلكة لولا أن تم تصحيح الأوضاع بقيام ثورة يونيو 2013. وقد كانت ممارسات جماعة "الإخوان المسلمين" وحلفائها من تيار الإسلام السياسي من أهم أسباب قيام الموجة الثانية للثورة في يونيو 2013 مستندة إلي دستورٍ ثيوقراطي يرسخ لدولة دينية مذهبية وكان مسوغاً لما شهدته البلاد من موجات عنف متتالية ضد الأقباط والنساء والبهائيين والشيعة، لم تر مصر مثيلاً لها على مدار التاريخ بما قَسَم المجتمع وهدد سلامه الاجتماعي وتماسكه الداخلي، فضلاً عما ورد به من ظلمٍ وإجحافٍ بحق عمال مصر من خلال النص على ربط أجورهم بالإنتاج - لا بالأسعار - على نحو يخالف أبسط قواعد العدالة الاجتماعية ويهدر مكاسب الثورة.
و قد اقتضى نجاح الموجة الثانية من الثورة في يونيو 2013 - التي أطاحت بحكم "الإخوان المسلمين" وحلفائهم من تيار الإسلام السياسي - ضرورة صياغة دستورٍ جديدٍ يليق بالبلاد، إلا أن الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2013 نص على تعديل دستور 2012 فكان أن تمت صياغة المسودة الأولي لتعديل الدستور الجديد بمعرفة "لجنة العشرة" لتبدأ "لجنة الخمسين" على ضوئه عملها.
وفي ضوء ما تنامي إلي علم المصريين من تصريحات على لسان المتحدث الرسمي باسم "لجنة الخمسين"، وما جاء على لسان بعض من أعضائها، وما تم تسريبه من مسوداتٍ لوسائل الإعلام المختلفة، بما يحرك المخاوف من ترسيخ لدولة غير مدنية، والتنافس بين بعض الفئات المهنية للحصول على حماية دستورية، وحرصاً من مؤسسة "مصريون في وطن واحد" ومجموعة "مصريون ضد التمييز الديني" على أن يكون دستور 2013 معبراً عن مطالب الثورة وحتى لا يصب التصويت عليه في صالح قوي الظلام والرجعية، فقد كان لزاماً على مؤسستينا أن تدعوا إلى هذا المؤتمر الذي أكد المشاركون فيه - والذين مثلوا الطيف السياسي والاجتماعي وأجيالاً مختلفة من الحركة الوطنية المصرية - على ضرورة استمرار الحوار المجتمعي بشأن مدنية الدولة وتقديم توصيات للجنة "الخمسين" وللشعب المصري العظيم الذي يستحق ما هو أكرم وأفضل لأجل الانطلاق إلي المستقبل تلافياً لتكريس السلطات الدينية التي تهدد مرة أخري مشروع الدستور الدائم لمصر كدولة مدنية حديثة ترتكز على المواطنةِ والقانون.
التوصيات:
أولاً: فيما يخص المواد التي تكرس الدولة الدينية والطائفية والتمييز بكل أشكاله في المجتمع وخاصة التمييز الديني والعرقي والتمييز ضد المرأة:
• لمناهضة التمييز الديني يجب أن يتبنى الدستور التنظيم السياسي للمجتمع الذي لا تمارس فيه الدولة أية سلطة دينية، ولا تمارس فيه المؤسسات الدينية أية سلطة سياسية، ويقوم على حياد الدولة تجاه الشأن الديني يعني أنها لا تتخذ من دين أي مواطنيها دينا رسميا لها، حتى لا يتحول باقي المواطنين إلى مجرد مقيمين أو ذميين وتمنع رجال الدين من التدخل في السياسة حتى لا يسخرها كل منهم لخدمة دين ضد أديان مواطنين آخرين، وهو ما يعني أننا يجب أن نرفض صراحة المادة الثانية كاملة لاحتوائها على عبارة "الاسلام دين الدولة" و"الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
• عدم تضمين نص أو روح المادة 219 من دستور 2012 الساقط في أي مادة أخرى من الدستور أو في الديباجة فتفسير مبادئ الشريعة في هذه المادة (تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة) يجيء مخالفاً لتفسير المحكمة الدستورية التى سبق ونصت (فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هى التى يكون الاجتهاد فيها ممتنعا لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلا أو تبديلا) وهو بذلك يفتح الباب للمشرع للاستناد على نصوص قابلة للتأويل مما سينتج عنه فوضى تشريعية كما سيعطي رجال الدين اليد العلىا فوق المشرع في تفسير النص الديني، في تغول واضح على استقلال السلطة التشريعية وهذا يفتح الباب تماما لترسيخ الدولة الدينية الطائفية.
• حذف المادة 3 (مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية) التي تكرس التقسيم الطائفي للمجتمع في الدستور،على أن يتم العمل على اصدار تشريع قانون أحوال شخصية موحد للمسلمين وغير المسلمين يجمع ما هو متفق عليه في الشرائع والأديان مع مراعاة الاختلافات الدينية في المسائل العقيدية.
• حذف المادة 4 الخاصة بالأزهر الشريف لأنها بحجة الدفاع عن استقلال الأزهر تكرس وضعه دستورياً كسلطة دينية، وخاصةً مع ورودها في باب الدولة.
• تعديل المادة 47 بحيث تضمن الدولة للمواطن حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية دون تحديدها على الأديان السماوية، علماً بأن مصطلح الأديان السماوية أدخل حديثاً في القانون - في الثمانينيات من القرن الماضي – ولا يعرفه التراث القانوني أو الشريعة ولم يرد فى القرآن الكريم.
• النص الصريح أن الترشيح لجميع المناصب على مختلف المستويات الوظيفية والسياسية مفتوح أمام الرجال والنساء على حد السواء.
• تضمين أحكام اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" التي صدقت عليه ا مصر عام 1981 في متن الدستور.
• يجب أن يتضمن الدستور تمييزا ايجابيا للفئات التي تعرضت لظلم تاريخي وخاصة النساء لفترة مؤقتة من الزمان باعتبار التمييز الايجابي جزء من مكافحة التمييز ويجب وضع ضوابط له لكي لا يتم استغلاله من القطاعات الأوفر حظا داخل الفئة المستهدفة.
• يجب تضمين الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان في الدستور كمرجعية لا تفرق بين البشر وتتيح للمواطن التقاضي فيما يخص حرياته وحقوقه الأساسية دون تمييز .
• النص في المادة 1 (أو في مادة مستحدثة) على أن مصر متعددة الأديان والثقافات، وتضمن الدولة احترام حقوق الأقليات الدينية والعرقية والثقافية بها، وأن تحمى الدولة الثقافة الوطنية بكل مكوناتها وروافدها، وأن تعمل الدولة بوجه خاص على الاهتمام بالحضارة النوبية ورعاية الخصوصية الثقافية لأهل النوبة والحفاظ على تراثهم الثقافي والحضاري والفني والمعماري، وتحرص على رعاية الخصوصية الثقافية لأهل البادية وتراثهم.
• يجب أن يتضمن الدستور الجديد بجانب النصوص التي تكفل المساواة التامة بين المواطنين، وإلزام الدولة بالقضاء علي كافة أشكال التمييز، وضمان إعمال مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمواطنات ومحاربة العادات والتقاليد والأنماط الثقافية والاجتماعية التي ترسخ التمييز والمحسوبية،
ثانياً: فيما يخص المواد التي تهدد شكل الدولة المدنية الحديثة القائمة على إستقلال السلطات يوصي المؤتمر بما يلي:
• النص على مدنية الدولة ونظامها الجمهوري الديمقراطي في المادة 1.
• حذف النص على إجازة المحاكمات العسكرية للمدنيين في المادة 173 لما يتيحه من هيمنة المؤسسة العسكرية على المجتمع المدني.
• حذف النص على استقلالية القضاء العسكري من المادة 173 والذي ظهر لأول مرة في دستور 2012 – لعدم استقلاليته حيث يعين أعضاءه بقرار من وزير الدفاع، ويخضع للتصديق على أحكامه ويمكن إلغاء هذه الاحكام بقرار.
• حذف النص في المادة 170 على أن وزير الدفاع يعين من بين ضباط القوات المسلحة وبموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فمثل هذا العرف لم ينص عليه في أي دستور على امتداد تاريخ مصر قبل دستور 2012 الإخواني.
• إعادة ترتيب انتماءات مصر في المادة 1 بما يحقق مصالحها القومية - فلا يجوز التعامل مع انتماء مصر للقارة الإفريقية باعتباره حقيقةً جغرافيةً فقط بينما مصر عضو مؤسس في منظمة الوحدة الإفريقية ومن بعدها في الإتحاد الإفريقي، وغني عن التوضيح أهمية هذا الانتماء لمستقبل مصر السياسى والاقتصادى وخاصة فيما يخص الموارد المائية.
• تدعيم وتقوية العمل الأهلي المدني لحل مشكلات المجتمع.
ثالثاً : فيما يخص المواد التي تحدد الشكل الاقتصادي للدولة:
• حذف بعض النصوص في المواد المستحدثة كالمادة 5 و23 مكرر والذين تم تسريبهما لوسائل الإعلام بشأن اعتماد النظام الاقتصادي علي "آليات السوق" والاقتصار علي النص علي أن النظام الاقتصادي يقوم علي العدالة الاجتماعية وتنمية النشاط الاقتصادي وفقاً لخطة تنمية شاملة دون الإخلال بحقوق العمال ومكتسباتهم بما يعمل علي زيادة الدخل القومي وعدالة التوزيع ورفع مستوي المعيشة والقضاء علي الفقر والبطالة وزيادة فرص العمل والإنتاج
• محاربة الاحتكار وتقريب الفوارق بين الدخول من خلال النص على التزام الدولة بوضع حد أدني للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة للمواطنين وحد أقصي في أجهزة الدولة وشركات القطاع العام والأعمال العام علي أن يعاد النظر بصفة سنوية في قيمة الحد الأدنى في ضوء مستويات الاسعار من خلال دراسات يجريها المجلس القومي للأجور والذي يجب النص علي استقلاليته عن الجهاز التنفيذي للدولة
• ضرورة صياغة باقي مواد الدستور فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية في إطار نظام شامل لا يقتصر فقط علي فرض الحد الأدنى والأقصى للأجور ولكن يمتد ليشمل إلزام الدولة بفرض سياسات عادلة للرعاية الصحية والإسكان والأمان الاجتماعي وضبط الأسواق.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com