فاروق عطية
لم تكن الثورة على بيبي الثاني والمسماة “ثورة الجياع” التي انهت عصر الأسرة السادسة هي آخر ثورات المصريين القدماء، ففي العام التاسع والعشرين من حكم الفرعون رمسيس الثالث"الأسرة العشرين 1182- 1152 ق. م" وكان آخر الملوك العظماء في عصر الملوك الرعامسة, خرج المصريون مرة ثانية كما خرج أجدادهم من قبل في ثورة شعبية عارمة، وكان أبطال الثورة هم “عمال دير المدينة” وقد قامت ثورتهم بعد ان انخرط الملك رمسيس الثالث في
أواخر أيامه في الملذات، وكان من جراء ذلك ارتفاع الاسعار وتدهور الحالة الاقتصادية للبلاد وتأخر صرف اجور العمال “عمال البناء أو الجبانة” في دير المدينة في منطقة البر الغربي بطيبة وكان عددهم كبير للغايةوكانت الإنشاءات كثيرة جدا، وتتم في تلك الفترة سنويا وبشكل مستمر حيث تُغدق عليها الأموال الطائلة، وأهملت الدولة إعطاء العمال مستحقاتهم المالية أكثر من مرة مما تسبب في أول إضراب في نهاية حكمه, فتوقف العمال عن العمل من
منطقة عملهم داخل المقابر الملكية، وتوجهوا الي الوزير “تا” المقيم بمعبد الرامسيوم ورفعوا إليه شكواهم ولكن دون جدوي، وفي اليوم الثاني قاموا بالهجوم على المعابد الكبرى مثل معبد الرمسيوم، ومعبد رمسيس الثاني، وذلك لما فيها من ثراء وذهب، حيث كانت للمعابد الهبات من أوقاف وأراض وأموال، والمأخوذة من مخصصات القصور الملكية، كما هجموا على مخازن الغلال والتموين والأموال وهم يصيحون: جائعون. جائعون، وبعدها اضطر الوزير للتدخل لمنحهم حقوقهم. لم يكن إضراب العمال هو السبب الوحيد لقيام الثورة وانتشار الفوضى في البلاد، كان السبب الرئيسي للثورة هو تولى الأجانب
وظائف الدولة العامة وخاصة في البلاط الملكي، ليصيروا أمناء للملك،الذيكان يستمع لنصائحهم مما زاد من الأزمة الاقتصادية التي سببت ارتفاعا كبيرا في أسعار الحبوب الغذائية بصورة لم يكن للشعب عهد بها من قبل، وحين كان فقراء المصريون يموتون جوعا كانتالحبوب والغلال وأكوام الذهب تتكدس في مخازن أمون، مما زاد من حنق الشعبفهاجموا ونهبوا كل مكان في الدولة أثناء ثورتهم الغاضبة. وهكذا انتهى حكم الملك رمسيس الثالث. وكانت هذه الثورة هي البداية الأولى، لخضوع مصر تحت الحكم الأجنبي، فقد حدثت العديد من المؤامرات داخل القصر الملكي كان هدفها قتل الملك رمسيس الثالث والتخلص منه، والتي دبرتها إحدى زوجاته لتدفع بابنها (بنتاؤور) وليا للعهد، وأطلق على هذه المؤامرة، مؤامرة “الحريم”، وانتهت عظمة مصر بنهاية إمبراطورية أعظم الملوك بقتلرمسيس الثالث في عام 1152 ق.م.
وقد سجلت إحدى البرديات المعروفة بورقة «هاريس» في المتحف الإيطالي «فلورانس» قصة بدلية ونهاية رمسيس الثالث: كانت بداية حكم رمسيس الثالث مزدهرة، ومن أهم معاركة الحربية:
- معركة زاهي: في عهده تجددت أخطار شعوب البحر المتوسط الذين هاجموا مصر ولكن رمسيس الثالث استطاع هزيمة قواتهم البرية عند مدينة رفح وانتصر على سفنهم الكبيرة عند مصب النيل الغربي وبهذا استطاع أن يبعد خطرا لا يقل أهمية عن خطر الهكسوس.
- معركة دلتا: طمع الليبيون في عهده في الاستيلاء على مصر لكن رمسيس الثالث هزمهم بالقرب من وأدى النطرون.
وراح يوطد علاقاته مع الممالك المجاورة ويعيد للدولة مكانتها، وتدريجياً بدأت زوجته الثانية تتوغل في دهاليز السلطة، ويتسع نفوذها، لدي حريم القصر ومحظيات الفرعون، وأقاربهن من الموظفين والعامة، وكان للملك زوجات أخريات، لكن «تيا مرن إيست» كان لها شأن في الدولة ولدي العسكر وقادة الجند وحراس القصر، وكبير أمن القصر، ولهذه الزوجة ابن اسمه «بنتاؤور» أرادت بشتى الطرق توريثه حكم مصر. وبدأت الفوضى تعم أرجاء البلاد
وازداد عدد الفقراء، وفقد رمسيس الثالث قدرته على إدارة شئون الدولة لكبر سنه، فهو حكم 30 عاما في الفترة من 1182 ــ 1152 ق.م، في عهده تنامت سطوة «الحريم» فقد كانت الوظيفة الخاصة بهن قبلههي تسلية الملك، فلم يكن لهن أي اتصال بالعالم الخارجي وكن معزولات عن قصر الملك ومعبده، لكن بوجود هذه الزوجة التي تريد توريث العرش لابنها، زاد نفوذهن، وأصبحن يتعلقن بالعالم الخارجي، فنشط الاقتصاد وسوق العقارات لأنهن لعبن في هذا المجال بمعاونة الزوجة والابن. ساهمت رغبة الملكة «تيا» في تولية ابنهابقدر كبير في انتشار المؤامرات داخل القصر بين أبناء الملك من زوجات
أخريات، لكن «تيا» استخدمت «الحريم» في التواصل مع العالم خارج القصر، وعلي العمال الذين يوردون المؤن ولوازم القصور الملكية، وقد دونت السجلات وقتها كراهية العمال لسيدهم الملك، وزكت الملكة هذه التوجهات وعندما اتسعت دائرة الفقر، لتشمل قطاعات عريضة من الرعية، ومن بينهم «البنائون» العاملون في المعابد والمقابر الملكية، الذين قرروا القيام بأول إضراب عمالي في التاريخ، والذي تنامي إلي ثورة شعبية غاضبة طالبت بالقضاء علي الملك رمسيس الثالث.استغلت «تيا» علاقاتها مع أهل السلطة ووجدت ضالتها في شخصين من أقرب الموظفين في القصر الملكي وهما كبير الأمناء «بايبك آمون» وساقي الملك «مسو سورع» وأفشت برغبتها لهما في القضاء علي الملك وتولية ابنها، وبدأت تغذي تلك الرغبة في عدد من رجال الحاشية للانضمام الي المتآمرين الرئيسيين حتي تجاوز عددهم عشرة من الموظفين ومنهم مشرف الخزانة يدعي «باب رع» وضابط مرمي الملك النوبي
«بنموس» بتأثير من اخت له من حريم الملك، واستطاعت «تيا» أن تستقطب الي المتآمرين قائد الجيش «يببسي» ولأن هؤلاء المتآمرون من المقربين للملك كان الأمر غاية في الخطورة، واستطاع المتآمرين أن يضموا إليهم نساء بوابة القصر لضمان توصيل المراسلات بين الملكة وابنها وبقية الأفراد خارج القصر، وقد أرسلت أخت قائد الجيش خطابا لأخيها توصيه فيه بحض الأهالي علي عصيان فرعون، والعمل علي إثارة الفتنة، والقيام بثورة لقلب نظام الحكم وتولية «بنتاؤور» علي عرش مصر وهو ما جري ودارت المعارك وانكشفت خيوط المؤامرة بعد أنشرب الملك السم، وعندما شعر بأن الأمر انتهي الأمر بمحاكمة المتورطين في هذه الثورة ومكث 18 يوما يصارع الموت حتي انتهي فتدخل الكهنة ورجال الدين لحماية الوريث الشرعي للملك والوقوف الي جانبه بما لهم من سطوة واتباع وولوه علي عرش مصر وهو رمسيس الرابع وراحوا يديرون البلاد باسمه، وجرت محاكمة «بنتاؤور» والآخرين وانتحر بنتاؤور برشف السم،أما الملكة فسجنت مع بقية الحريم وداخل السجن أدارت مؤامرة علي الشرطة باستخدام الحريم في الإغواء بغرض الانقلاب علي نجاح ثورة الكهنة ورجال الدين وأتباعهم، الذين نصبوا رمسيس الرابع علي العرش، لكن اكتشفت مؤامرتها وجري إعدام الجميع.
فكانت النهاية المأساوية لرمسيس الثالث ورجال حكمه وزوجته وابنه «بنتاؤور» الذي دفن بأحشائه بعد انتحاره بالسم، ودفن في المقابر الملكية، وتم العثور علي مقبرته والمومياء الخاصة به في المقبرة رقم 5،واكتشفها الأثري الأمريكي «كنت ويكسي» منذ بضع سنوات وبدون أي هوية أوأوراق لكن قصته وأمه وأبيه وجدت مدونة علي ورقة أو مخطوطة «هاريس» الي جانب بعض الرسومات المنقوشة علي الجدران التي كانت تبين وتوضح رفاهية عائلة رمسيس الثالث، الزوجة والأبناء والمقربين منهم الي جانب الكهنة وذلك في الوقت الذي ساد فيه الجوع والفقر وعدم اكتمال بعض المشروعات والمعابد التي لم تكتمل حتي الآن.
مؤخرا نشرت المجلة الطبية البريطانية نتائج البحث الذي أجراه الفريق المصري برئاسة عالم الأثار زاهي حواس لدراسة المومياوات الملكية عن كشف أثري هام حول ظروف وفاة رمسيس الثالث، اذ تم الكشف والتأكد من أن الملك قتل بسكين حاد تسبب في قطع ذبحي في الرقبة أحدثه القاتل الذي فاجأ ضحيته من الخلف. كما درس الفريق المصري الحمض النووي لمومياء الرجل المجهولة الذي كان قد عثر عليها داخل خبيئة المومياوات وتأكد ارتباط المومياء بصلة الابن للأب الملك رمسيس الثالث، بنتاؤور والذي كان مشتركا في المؤامرة على حياة ابيه. والمفاجأة أن المومياء لم تحنط وإنما تم لف الجسد في جلد الماعز وليس الكتان المعتاد، ولم يكن جلد الماعز طاهرا في العقيدة المصرية القديمة حيث اعتبر الماعز من الحيوانات التي تعادي إله الشمس رع. والمعروف أيضا ان فم المومياء المجهولة وجد مفتوحا تنطق ملامح الوجه بالخوف من المصير الأليم. كما وجدت علامات لأثار حبال الشنق على منطقة الحنجرة، مما يؤكد وفاة الشاب شانقا نفسه وليس راشفا للسم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com