ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

مصر بين المتغيرات السياسية

بقلم : عبد السيد مليك | 2013-09-07 09:06:17

بين ليلة وضحاها أصبحت مصر جزءا من مخطط مدروس بعناية للعبة سياسية كبيرة لا تستهدف مصر فحسب، بل منطقة الافرو – عربي والاسيو – عربي، نالت منها مصر وسوريا نصيب الاسد، وشملت ليبيا وتونس والبحرين، وسبق كل هؤلاء التقسيم الفكري والمذهبي للعراق والتقسيم الجغرافي للسودان الجنوبي والشمالي والتقسيم العرقي للاكراد في تركيا والعراق، وما زالت رقعة اللعبة السياسية تتسع في المنطقة من خلال خلايا تعمل بكل جهد لتنفيذ اجندة غربية اميركية لتفتيت المنطقة مذهبيا وسياسيا وجغرافيا من خلال الترويج لما يعرف بثورة او ثورات الربيع العربي.

وتحت هذه الشعارات البراقة انجرف او انخدع الكثير من العامة ومن بينهم ايضا الكثير من المفكرين والسياسيين او من المقهورين من فساد الانظمة السابقة. وما حدث من ضجيج في منطقة الشرق الاوسط نهاية 2010 ما هو الا مشروع ثورة ولدت من رحم المعاناة والغليان والبطالة وتدني المستوى الاجتماعي والجهل والفقر والشحن الطائفي الذي باشرته الانظمة السابقة بعناية شديدة وفعّلته.

وعلى الرغم من فساد المنظومة السياسية السابقة، الذي استغلته القوى الخارجية لاثارة الفوضى المنظمة بتفعيل دور المقهورين واعطائهم مساحة من حرية التعبير عن الرأي والتظاهر، إلا ان القوى الخارجية نفسها هي التي فعلت دور انظمة سياسية اخرى ودعمتها بقوة لتدفعها كنظام بديل للدولة الديموكتاتورية في المنطقة، فلم يختلط الامر على نخبة السياسيين والمفكرين لقراءة المشهد المتباين للولايات المتحدة الاميركية من دعمها الدور القطري، الذي يدعم التيار الديني المتشدد، وبين قراراتها وبيانات البيت الابيض في دعم الديموقراطية وحرية التعبير عن الرأي وحرية الاختيار، وبين دورها في الغرف المظلمة.

وتأتي في مقدمة هذه الاجتماعات زيارة جون كيري للقاهرة في كانون الثاني 2012 بحجة لقاء قيادات حزب الحرية والعدالة كغطاء سياسي للالتقاء بقيادات جماعة الاخوان المسلمين، التي اعلنتها الخارجية الاميركية في ما بعد، ان الاخوان قدموا الى الاميركيين تطمينات مؤكدة انهم سيحافظون على المعاهدات مع اسرائيل.

وفي ضوء هذه الخطوة، سافر الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين بصفته الرجل الاول في الجماعة الى تركيا للقاء المسؤول الاميركي المصنف رقم واحد لتأكيد الحوار الذي دار بين ماكين وقيادات الاخوان حول التزام معاهدة السلام مع اسرائيل.

والسؤال: ما هي علاقة التيار الديني بالولايات المتحدة؟ بالرغم من تجربة الولايات المتحدة مع التيارات المتشددة والتي باءت جميعها بالفشل، واحداث 11 أيلول هي الشاهد التاريخي على ذلك مما دفع الولايات المتحدة الى رفض التفاوض مع وفد الاخوان المسلمين في السفارة الاميركية بالقاهرة عام 2004، معللة ذلك بانها لا تقبل التفاوض مع اي تيارات سياسية ذات مرجعية دينية، الا اننا في نهاية 2010 وبداية ما اطلق عليه ثورات الربيع العربي وجدنا ان الغرف المظلمة جمعت الطرفين من جديد في احدى ابشع جرائم العهر السياسي في العصر الحديث. إذاً ما السر في تمسك الولايات المتحدة بجماعة مصنفة ارهابية، على حد تعبير مدير مكتب الاتصال بالجمهور والمساعدات في البيت الابيض في رسالته الى السيدة جيلفر مزراحي مديرة مؤسسة اميركية تهتم بالشأن الاسرائيلي، في خطابه الذي قال فيه "إن البيت الابيض في حيرة حقيقية من جماعة الاخوان المسلمين ولا يستطيع ان يصنفها الا على انها منظمة ارهابية..."؟.

طيلة ثمانين عاما لم تعمل هذه الجماعة سوى في الانفاق المظلمة، وهي ذات تاريخ دموي ليس لديها الحد الادنى من الفكر السياسي والاقتصادي، ولم تحاول تجميل موقفها بالاستعانة بأهل الخبرة في هذه المجالات لانقاذ ما يمكن انقاذه مما آل اليه الوضع الداخلي طيلة عام كامل من حكم الاخوان لمصر، لكنها تقوقعت على نفسها وفضلت الاستعانة بأهل الثقة من الاهل والعشيرة وهم جميعهم قامات قصيرة جدا لادارة البلاد، لذلك فهي جماعة يسهل توجيهها لتنفيذ اجندة الرجل الاسود في البيت الابيض. ثانيا، وهو الاهم، ان هذه الجماعة في حال نجاحها او سقوطها قادرة على الفرز الطائفي بين المصريين واثارة نوع من الفوضى في الشارع وزعزعة الامن الدخلي للبلاد، وهذا ما لجأت اليه بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 آب من اعتداءات على الاقباط وممتلكاتهم وحرق الكنائس والاعتداء على اقسام الشرطة. فلو كان هدف الولايات المتحدة تجاه مصر والمنطقة ترسيخ قواعد الديموقراطية الحقيقية لكانت فعّلت دور بعض الاحزاب السياسية ذات التوجه الليبرالي (الوفد او التجمع...) القادرة على حمل الراية حتى ولو بصفة مؤقتة لحين استقرار الاوضاع الداخلية للبلاد، او من خلال دعم مجلس انتقالي للثورة يتكون من رؤساء الاحزاب السياسية والتي تمثل كل التوجهات السياسية لادارة الازمة. اما ان كان دور اميركا هو العبث بمقدسات المنطقة وتفتيتها الى دويلات هشة، فمصر شعبا وجيشا قبلت التحدي ولقنت الاميركيين درسا قاسيا وصفعة مدوية ستسطر على كل شبر في جدران البيت الابيض عندما استأصل المصريون وحلفاؤهم الاخوان المسلمين من الحياة السياسية نهائيا، وبذلك تكون انتصرت الارادة المصرية وأفقدت الولايات المتحدة اتزانها من خلال خسارتها اكبر شبكة جاسوسية في المنطقة.

نقلا عن النهار اللبنانية

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com