هو ملك يفخر ويزهو به مواطنوه، وهو خادم للحرمين الشريفين وخادم لشعبه ولأمته العربية، وهو أيضا رجل دولة عظيم وابن رجل دولة مؤسس، وهذا طراز نادر في التاريخ، وهو صديق لمصر والمصريين. إنني أنتهز هذه الفرصة لأنحني له إجلالا وشكرا وتقديرا لقراره بالوقوف بلا تحفظ وبكل إمكانيات المملكة إلى جوار مصر في الحرب التي تخوضها ضد الإرهابيين. لقد جاء هذا القرار في وقته تماما، بل في اللحظة التي كانت فيها مصر قد بدأت تشعر بأنها تخوض حربا لا حلفاء لها فيها. وكأن المنطقة العربية غافلة عما يمكن أن يحدث لها في حال استولت قوى الخراب على مصر، وجعلت منها قاعدة ترسل منها سرايا الموت إلى سائر المنطقة، في تلك اللحظة الفارقة جاء قرار السعودية.
منذ ثلاثة أعوام تقريبا، دعيت مع عدة مئات من مثقفي العالم لحضور مهرجان الجنادرية، ودعانا جلالته إلى تناول الغداء في أحد القصور الملكية، كنا نحو أربعمائة وعشرين مدعوا، وفى إحدى قاعات القصر وقفنا في طابور طويل ملتف حول نفسه لكي نصافح خادم الحرمين، كان الرجل واقفا وبجواره أحد مساعديه الذي أذهلني بأنه يعرف كل المدعوين فردا فردا. السؤال الذي وجهته لنفسي هو: لا أحد سيلوم الرجل إذا صافحنا وهو جالس..
كيف يمكن أن يتحمل مصافحة كل هذا العدد وهو واقف على قدميه؟ بالطبع بيننا أصحاب حاجات، وصاحب الحاجة لا يرى إلا حاجته، لذلك كان بعض المدعوين يتوقفون أمامه ليشرحوا مشكلاتهم، وهنا كان يستمع إليهم بإنصات ويتبادل معهم بعض الكلمات ويأخذ منهم أوراقهم ويناولها لأحد مساعديه. في تلك الليلة قلت لصديقي مشاري الذايدي: لقد عرفت الآن مفتاح شخصية عاهل المملكة العربية السعودية، إنه الإحساس القوي بالواجب وأداؤه مهما كلفه الأمر، هو يرى أن هؤلاء ضيوف المملكة، يعني ضيوفه الشخصيين، لذلك تحمل ما تحمل ليقف ويصافحهم جميعا.
إنه الإحساس بالواجب، وهو العلامة الفارقة بين رجل السياسة الذي يغرق في حساباتها المعقدة ورجل الدولة الذي يملي عليه إحساسه بالواجب ما يجب عليه أن يفعله. والإحساس بالواجب ليس منفصلا عن الحس التاريخي عند رجل الدولة، هناك تيار متصل من الأفعال يربط رجال الدولة التاريخيين ويمكنهم من الحفاظ على الاستقرار بين شعوبهم، تعالوا نقلب صفحة من التاريخ القريب.
ألم يكن هذا هو بالضبط ما فعله الملك فيصل، رحمه الله، مع مصر في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة 1967؟ لا أستطيع في هذه الزاوية أن أذكر كلمة واحدة من تلك الكلمات التي كان يصف بها جمال عبد الناصر، الملك فيصل. غير أن الرجل ارتفع فوق كل ذلك، لأنه مدرك أن مصر ليست زعيما عابرا، مصر هي الشعب المصري، وعليه أن يخف إلى نجدته في محنته. إنه الإحساس القوي بالواجب، مرة أخرى، الشكر والاحترام والإجلال لخادم الحرمين الشريفين، أمد الله في عمره، ومتعه بالصحة والعافية.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com