فى مقال سابق فى «المصرى اليوم» قلت إن ثورة ٣٠ يونيو كانت بمثابة ولادة لدولة مصرية جديدة، وتقديرى أن هذه الدولة الجديدة التى خلقتها الملايين، التى نزلت فى شوارع القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات، بل فى المراكز والقرى، التى خرج فيها النساء يزغردن، لأن الجميع كانوا يشعرون بفرح الولادة الجديدة.
هذه الولادة الجديدة وشرعيتها الجديدة هى شرعية شعبية كاملة، وإذا كانت هذه الشرعية قد أعطت تفويضاً وأمراً للفريق أول عبدالفتاح السيسى – الذى يرى فيه الناس صورة من جمال عبد الناصر – وساهم ذلك كله فى اقتلاع نظام كان يعيش فى القرون الوسطى، ويدعى الإسلام، ولا صلة له بالإسلام، ويحكم مصر لصالح إسرائيل وحاميتها الكبرى.
بعد هذا التطور العميق فإن مصر لا يصلح لها «ترقيع» فى دستور هو فى حقيقة نشأته «غير دستورى» وإنما مصر فى ظل هذه الأوضاع الجديدة كلها تحتاج إلى دستور جديد كامل.
ومصر والحمد لله فيها ميراث دستورى غنى، ولن تبدأ من جديد، وتقديرى أن دستور ١٩٢٣ فى وقته كان بداية لا بأس بها، وكان نتاجا لثورة ١٩١٩. ثم جاءت دساتير ما بعد ١٩٥٢ لتضيف الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وأبعاد العدالة الاقتصادية لهذه الدساتير.
وبعد أن تولى الرئيس أنور السادات الحكم بدأت عملية وضع دستور ١٩٧١ بطريقة كانت فيها ملامح ديمقراطية، إذ إن المجلس المنتخب، وأضيف إليه عدد من الخبراء وفقاً لقواعد معينة، هى التى وضعت ذلك الدستور – دستور ١٩٧١.
وتقديرى أن دستور ١٩٧١ قبل أن يدخل عليه حسنى مبارك التعديلات التى أطلقت عليها فى وقتها «خطايا دستورية» هذا الدستور يضاف إلى الثروة الدستورية المصرية.
وسأكرر هنا ما قلته من قبل عن تجربة مجلس الوفاق القومى، الذى شارك فيه عضوان اختارتهما كل جامعة وعضو من كل الأحزاب، التى كانت قائمة عدا حزب الحرية والعدالة، الذى رفض المشاركة، وكذلك عضو من النوادى الرياضية الكبرى. المهم أن هذا المجلس ترك ثروة مازالت محفوظة فى سكرتارية مجلس الشعب، الذى كان قائماً آنذاك.
أريد من هذا كله أن أقول إننا لن نبدأ من فراغ.ولكن كيف نبدأ. كيف نضع دستوراً جديداً.
هنا يجوز لى أن استحضر التجربة التونسية – رغم ما أصابها أخيراً من نكسات – فى تكوين مجلس تأسيسى منتخب بالكامل، بهدف وضع مشروع الدستور، الذى يطرح بعد ذلك على الشعب صاحب القول الفصل.
وقد اقترح أن ينتخب أعضاء المجلس التأسيسى وفقاً لمعايير معينة فى المرشحين، فلا يرشح نفسه لذلك المجلس التأسيسى، إلا من كان حاصلاً على شهادة جامعية، وأن يمثل فى المجلس الأقباط والنساء والشباب تمثيلاً كافياً وفقاً لمعايير معينة، وليس وفقاً لهوى أحد.
وهذا الذى أقترحه لتكوين المجلس التأسيسى مجرد رأى، قابل للمراجعة والمناقشة، وتقديرى أن رئيس الجمهورية المؤقت وهو قاضى دستورى قديم، والأخ الدكتور حازم الببلاوى، وهو قانونى ضليع قبل أن يكون اقتصادياً فذاً، يمكن أن يكون لهما رأى فى الطريق التى يتكون بها المجلس التأسيسى.
والدساتير الحديثة تعنى أول ما تعنى بقضية حقوق الإنسان، التى لم تعد الدول مطلقة السيادة بشأنها، وإنما يقيدها ما تعارف عليه المجتمع الدولى، ومواثيق حقوق الإنسان، والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وكلها تقيد سيادة الدولة، فيما يتعلق بهذه الحقوق التى اتسعت لتشمل إلى جوار الحقوق السياسية، الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية.
ثم يأتى بعد ذلك باقى السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأتصور أنه إلى جوار المجلس التأسيسى المنتخب، يوجد عدد من أساتذة القانون الدستورى المشهود لهم بالكفاءة والموضوعية والخبرة، يكونوا إلى جوار المجلس التأسيسى، خبراء بغير حق التصويت.
وإذا كانت ثورة ٣٠ مايو قد قامت لإعادة الدولة الحديثة الديمقراطية، فقد يجوز لى أن اقترح على المجلس التأسيسى نصاً أراه حتمياً وضرورياً يقول «يمنع منعاً باتاً قيام أحزاب على أساس دينى أو ذات مرجعية دينية».
والله هو الموفق والمستعان.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com