بقلم: حنا حنا المحامي
راودتنى عدة خواطر مصدرها المشهد الحالى فى مصر وقد أثار اندهاشى لعدة أسباب.
فإننا نرى ونعلم ونلمس ونشاهد ونعى كل ماحدث خلال العام الاسود الذى اعتلى فيه الاخوان المسلمون السلطه فى مصر. وقد كان الممثل الجهبذ لهؤلاء الاخوان الدكتور محمد مرسى عيسى العياط.
شاهدنا حالة المصريين الذين اضطهدوا على أرضهم فى وطنهم وكيف أنهم حرموا حتى من خيرات بلادهم. الوقود يصدر لحماس وتقف طوابير السيارات بالعشرات تنتظر بالساعات لتحصل على ما تبقى من وقود بلادها بعد إرساله للاهل والعشيره. اسطوانات الغاز يرتفع ثمنها إلى الاضعاف فى السوق السوداء بسبب قلتها أو على الاصح بسبب ندرتها. الخبز وهو الغذاء الصرورى والاساسى فى مصر يصل إلى درجة الشح والندره وتصطف المئات من الشعب أمام أفران الخبز عسى أن ينالوا رغيف لكل فرد من العائله. المصانع تغلق أبوابها وتزداد البطاله أضعافا مضاعفه. سيناء المصريه لحما ودما ورمالا أصبحت مرتعا للمجرمين والمتطفلين والارهابيين. وهذا جزء من كل.
وهنا يثور التساؤل: ما هى الدوله فى العالم أو فى التاريخ التى يمكن أن تقبل هذا التفتت وذلك التسيد الذى لا يعترف بآدمية أو إنسانيه شعب من أكرم شعوب الارض وصل تعداده إلى ما يربو على التسعين مليونا. شعب يحرم من خيرات بلاده, شعب يلوذ بالحرمان من خيرات بلاده, ويتجرع مرارة الاستبداد من حكامه الذين فرضوا عليه فرضا. شعب كاد أن يجمع على أن اليوم الذى تبوأ فيه هذا الحاكم وتلك الشرذمه من الاعوان الذين أجمعوا على إذلال شعب من أكرم شعوب الارض وتجويع ذلك الشعب حتى يركع طائعا ذليلا للحاكم المستبد بخيرات البلاد ومقدرات الشعب ومستقبله وكرامته وأبسط حقوقه الانسانيه.
كانت هذه جميعا صوره تذكرنا بالثوره الفرنسيه التى ثارت على طغيان الملوك وأعوانهم وما لبث أن تحرر من ذلك الاستبداد وهذا الطغيان.
لم تكن فقط هذه هى الصوره الحاليه التى عانى منها الشعب وعانت منها كرامته. بل عاش فى ألم وحرمان بلا حرية فالحريه جريمه وقول الحق جنايه والسكوت على الباطل فضيله ووطنيه. كل هذا عانى منه الشعب جيلا بعد جيل على مدى ستين عاما.
من هنا تصور الحاكم الاخير أنه إذا استبد بالشعب فهى نزهه بسيطه سوف تؤدى إلى تحقيق مراميه وأهدافه فى سهوله ويسر. وما هى تلك الاهداف والمرامى؟
لم يكن خفيا أن مرسى العياط لم يكن رئيسا لمصر بالمعنى السياسى وإن كان رئيسا بالمعنى الواقعى. فالامر جد واضح ذلك أنه لم يكن صاحب أكثر الاعداد لمن صوت لصالحه بل فرض تلك الاغلبيه بالبلطجه والتزوير وبكل وسيله غير مشروعه. وهذه الوسائل غير المشروعه فقط هى التى أتت به إلى هذا الكرسى .... كرسى رئاسة الجمهوريه ... جمهورية مصر العريقه العظيمه.
تاريخ طويل من المعاناه والحرمان والالم والاضطهاد تارة للاقباط وتارة أخرى لكل طوائف الشعب وأطيافه.
أمام كل تلك المآسى لم يحرك المجتمع الدولى ساكنا. علما بأن هناك شئ اسمه حقوق الانسان, وشئ اسمه السلام الاجتماعى. والسند القانونى لتلك السلبيه هو أن هذه الامور مشكله داخليه ولا يجوز للمجتمع الدولى أن يتدخل فيها. فضلا عن أن حق اللجوء إلى المنظمات الدوليه مغلق تماما أمام أى مجموعه داخليه بمقولة "مشكله داخليه".
من الامثال المأثوره "كتر الضغط يولد الانفجار". وهذا ما حدث فى 30 يونيو سنة .2013
نتيجه طبيعيه لاعمال غير طبيعيه. جيشنا العظيم تجاوب مع الشعب ليحميه ويسانده فى رغبته وإصراره وإرادته. نعم تجاوب الجيش مع الشعب وإرادة الشعب. كما أن تلك الاراده كانت مشروعه لانها تطالب بحق البقاء وحق مباشرة حقها فى الديمقراطيه تلك الديمقراطيه التى لا يزال يتشدق بها الساده الاخوان –لا أقول المسلمون لان الاسلام دين حنيف يتبرأ من أمثال الدمويين والانانيين والخونه والكظذبه".
أمام رغبة الشعب الحر العارمه والهادره والعازمه والمصممه لم يجد الجيش بفيادة قائده العظيم إلا أن يحقق رغبة الشعب ويقف معه. ويتعين أن يكون لنا هنا وقفه. ذلك أن موقف الجيش إما أن يحمى الشباب الاعزل ويسانده فى تحقيق رغبته المشروعه التى أجمع عليه الشعب أو كاد, إما أن يقف فى دور المتغرج حتى تتطور الامور فقد تؤدى إلى مذبحة هؤلاء الشباب الطاهر الاعزل إلا من الوطنيه والايمان بالله وبوطنه. ومن ثم كان من مستلزمات الامور التى ليس منها أى مفر أن يقف الجيش ليؤدى واجبه فى حماية الشعب وحماية الرأى الهادر الجامع.
وضع طبيعى تستلزمه أى أخلاق أو وطنيه أو مبادئ تسعى إلى السلام ولحماية الشعب الذى هو صاحب الرأى الاول والاخير فى اختيار حاكمه.
ولكن ما حدث بعد ذلك يجعل الانسان يفقد ثقته بالمبادى والمثل العليا والمواثيق الدومليه والحقوق الانسانيه والديمقراطيه المزعومه.
كان من الطبيعى أن يعزل الرئيس الذى استبد بالشعب وجعله يتجرع حرمانا فوق حرمان ببساطه لأن الشعب لا يريده. واندفاع ما يقبرب من ثلاثه وثلاثين مليونا فى الشوارع فى صوت واحد وهدف واحد كفيل بأن يلزم الكره الارضيه على احترام رغبة هذا الشعب وإرادته.
ولكن ..... وآه من لكن هذه, هل احترم المجتمع الدولى إرادة هذا الشعب؟ هل الدول التى تنادى بالديمقراطيه احترمت إرادة الشعب؟ هل دول العالم الذى رأى وشاهد ولمس البطش بالشعب والحرمان للشعب والاضطهاد للشعب والتهميش لحفنه ليست بالقليله من الشعب بغرض الاباده احترم إرادة الشعب أى الاراده الانسانيه للشعب الذى لم يثر إلا من أجل حقه فى الحريه والعداله والحياه الكريمه؟ البادى أن هذا لم يحدث.
إن الدول الرائده فى الحريه والديمقرطيه وحقوق الانسان, وللاسف الشديد لم تتحرك قيد أنمله من أجل الشعب المطحون والمغلوب على أمره. ولكن هذه الدول انقضت حماية للطالم, إهدارا لحقوق الانسان, تأييدا للطغيان, ولم ترع مبدأ قانونيا واحدا وهو أن شأن الحاكم شأن داخلى يتعين أن يحترم لانه من أهم حقوق الانسان, تلك الحقوق التى تعطى الشعب الحق وللشعب فقط أن يختار حاكمه.
لعله كان من حق المجتمع الدولى أن يطمئن على سلامة الحاكم الذى أطاح به الشعب, علما بأنه من المعلوم أن هذا الشعب الراقى لا ينتقم بنفسه ولكن يترك هذا للقانون وللقضاء.
راعنى أن أجد دول العالم الحر والغير حر يهرع قلقا على مرسى. الاتحاد الاوروبى يرسل السفيره أشتون للاطمئنان على مرسى بل هى التى تعرض عليه أن يخرج خروجا أمنا من مصر. وهنا يثور التساؤل ماهو حق السفيره فى أن تعرض مثل هذا العرض؟ ما هى سلطتها؟ ما هو نفوذها؟
كذلك المستشاره الالمانيه تسأل قلقه على مرسى. وكذا أردوغان وكذا يحضر وفد أفريقى للاطمئنان على مرسى, وسكرتير عام الامم المتحده, ووزير خارجية فرنسا وبعضهم يطلب بالافراج عن مرسى.
ولست أدرى ما هو حق هؤلاء جميعا فى مثل هذا التدخل فى الامور الداخليه لمصر؟ ما هو النص فى القانون الدولى الذى يعطى هذه الدول حق التدخل فى مسأله داخليه هى من صلب الشأن الداخلى لمصر؟
لقد كان هناك بالعايير المجرده البحت اعتداء سافرا على حرية الشعب المصرى وكان ثمة مساومه على أراضى الوطن المصرى, وكان هناك تعد على رجال الشعب المصرى الذى أباح هذا الرئيس دمه وكرامته. وفى غضون هذه الحقبه السوداء فى تاريخ مصر لم تتحرك تلك الدول لمثل هذا التحرك وكأن الشعب المصرى فتاه (بضم الفاء) تتساقط من الشعوب لا حق له ولا كرامه ولا دستور ولا مبادئ.
وإلى شعوب وحكام الكره الارضيه أرجو أن يعوا أن القانون هو القانون. وما لا ترضاه أى دوله على نفسها لا يمكن أن ترضاه مصر على نفسها. كذلك لا يجب أن يترجم صبر الشعب المصرى بكل فئاته وطوائفه على أنه خنوع للذل والمهانه. كما أريد أن أؤكد لشعوب العالم أن الشعب المصرى الذى عانى على مضد قد انطلق ولن يتراجع إلا على دمائه وجثته وإذا كان رجل من قلب الشعب خان الشعب واستمرأ حقوقه وكرامته فقد لقى هذا الرجل جزاءه وسيكمل القضاء باقى المهمه.
ومن الغريب أن مرسى وأعوانه يريدون لمرسى أن يعود لتطبيق الديمقراطيه. وهذا القول يتضمن استخفاف بعقول الشعب المصرى كما هى عادتهم. ذلك أنه قد تولى مقاليد البلاد لمدة عام كامل فلماذا لم يطبق الديمقراطيه. كذلك لما كانت الديمقراطيه هى حكم الشعب بالشعب, فقد قال الشعب كلمته فى 30 يونيو. فلماذا يا يرضخ مرسى وأعوانه ورؤساؤه ومريدوه بحكم الشعب وقرار الشعب؟ أليست هذه هى الديمقراطيه؟ ونفس الكلام موجه إلى الدول التى تزعم أنه حامية الديمقراطيه. وهذا يتضمن أن أى كلمه أو محاوله لعودة مرسى تتضمن تحد لأرادة الشعب المصرى. وهذا ليس للديمقراطيه فى شئ بل هو تحد للديمقراطيه.
كذلك كما هو الامر فى كل دول العالم الحر والغير حر إن من يخون بلده ووطنه يتعين أن يحاكم وهذا حق الشعب وليس حق الدول الاجنبيه بل لا يجوز لأى دوله فى العالم أن تحرم الشعب من حقوقه المشروعه قانونا ودوليا. وإذا كانت أى دوله من الدول التى تتدخل فى شأن مصر الداخلى تقبل على نفسها خيانة حاكمها فإن مصر لن تقبل دلك مطلقا.
وأقولها مدوية للعالم أجمع إن مصر كانت وستطل مقبرة للغزاه حتى لو كان الغزاه من أبنائها الذين خانوا كرامتها وأهدروا عزتها.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com