الأقباط متحدون | 30 يونيو والنص المقدس
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٩:٠٣ | الاربعاء ١٩ يونيو ٢٠١٣ | ١٢ بؤونة ١٧٢٩ ش     |     العدد ٣١٦٢ السنة الثامنة    
الأرشيف
شريط الأخبار

30 يونيو والنص المقدس

الاربعاء ١٩ يونيو ٢٠١٣ - ٠٠: ٠٨ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : القس نصيف هارون فلتس 
سيدني - استراليا.
سأل صديق لي قائلا: هل يجوز للأقباط المسيحيين في مصر المشاركة في الحملات والتظاهرات ضد نظام الحكم؟ بمعنى أخر، هل يجوز - كتابيا ولاهوتيا- للمسيحيين ان يشتركوا في المظاهرات التي تدعو لها حملة تمرد يوم 30 يونيو 2013 بالرغم من النصوص الكتابية الصريحة التي تطالب بالخضوع للسلاطين والرياسات؟ علي سبيل المثال، يقول الرسول بولس في رسالته الي اهل رومية: "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين  الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ  حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ." (رومية 13: 1- 5).
بل اوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس بأن تُقام طلباتٌ وصلواتٌ وابتهالاتٌ وتشكراتٌ لأجل جميع الناس (عامة) ولأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب...لأن هذا حسن ومقبول" (تيموثاوس الأولى 2: 1- 2). فكيف يصلي المؤمن لشخص ثم ينقلب عليه ويثور ضده متمرداَ عليه؛ هذا هو السؤال؟
هناك العديد من النصوص الكتابية في العهدين القديم والجديد التي تعلمنا ان السلطات القائمة هي مرتبة من الله وبأمره. فيقول الحكيم في سفر الامثال "بِي تَمْلِكُ الْمُلُوكُ وَتَقْضِي الْعُظَمَاءُ عَدْلاً. بِي تَتَرَأَّسُ الرُّؤَسَاءُ وَالشُّرَفَاءُ كُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ (امثال 8: 15-16)؛ ويقول ايضا "قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ" (امثال 21: 1). فكيف يكون الملك أو الرئيس بترتيب من الله والمؤمن يقاوم هذا الملك أو الرئيس؟ أليس هذا مقاومة صريحة لترتيب الله وكلامه؟
وهنا اريد ان أتحدث في بعض المبادئ العامة ثم اختم اجابتي بوجهة نظري الشخصية وفهمي الخاص بالموقف.
أولا. رسالة النص
ان ما يقوله الرسول بولس في رومية الاصحاح الثالث عشر يأتي في قرينة دور المؤمن المسيحي تجاه الوطن. فهو يحث المؤمن على المواطنة الصالحة والصحيحة حتى أن كان النظام فاسدا او مضطهدا هذا لا يعفي المؤمن من المواطنة الصالحة. فمعظمنا يعلم ان الرسول بولس كتب هذه الايات وقت الامبراطور الروماني القاسي المضطهد للكنيسة "نيرون" والذي استشهد الرسول بولس في عصره مع كثيرين من المسيحيين. بالرغم من هذا، يدعو الرسول بولس إلى الايجابية والتحلي بالايمان معلنا ان دورنا هو فعل الصلاح والخضوع للنظام والقانون. فالحاكم "القانون" لايحمل السيف عبثا ولا ينتقم من الاعمال الصالحة، فالحكام ليسوا خوفا للاعمال الصالحة.
 
دعني انتقل لمبدا اخر، فالحاكم - بالطبع- لا ينبغي أن يحكم وفقا لاهوائه بل لقانون ودستور معلنا ونظام حكم متفق عليه ومقبول من الشعب الذي اختار هذا الحاكم. والذي بموجبه تُعاقب الاعمال الشريرة "الجرائم والتعدي على حقوق الغير وغيرها من امثال هذه الافعال" والعكس صحيح تماما ينبغي ان القانون والدستور يجازي حسنا اولئك الذين يجتهدون ويحسنون. فالثورة ليست ضد شخص بعينه بل لانه خالف القانون. هنا يُعتبر الحاكم نفسه خارجا عن القانون بانتهاكه حريات الموطنين واستغلالهم والاضرار باقتصادهم وعدم توفير حياة أمنه لهم والاولادهم.
 
كما أن رسالة النص وهي تشجيعية للمؤمنين في رومية - وعصرنا ايضا- تقول ان الله وهو صاحب السلطان المطلق والنهائي في الحياة. فهو الذي يغير الاوقات والازمنة يعزل ملوكا وينصب ملوكا. يعطي الحكماء حكمة ويعلم العارفين فهما" (دانيال 2: 21). ومايقوله سفر الامثال الاصحاح الثامن عن الحكمة ان الملوك تملك وتسود بي "بالحكمة" اذا حكمت بالحكمة وقضت بالعدل، هنا يستمر الحكم. لكن اذا لم يعدل الملك او لم يحكم بالحكمة فهو يحكم على نفسه وملكه بالانقضاء والنهاية. الرب لا يثبت مملكة الاشرار الي الابد. فسفر الامثال يعلمنا ان الرب وهو مصدر الحكمة الحقيقي يعطي الفهم والمشورة والرأي الصالح وعلى الحكام والرؤساء ان يمارسوا العدل والمساواة في الحكم حتى يكون لهم الخضوع من المحكومين.
 
يعلمنا الكتاب ان الرب الخالق كلي القدرة أعطي للانسان المخلوق - حاكما أو محكوما- حرية الارادة والاختيار والتي لا تنتقص ابدا من سلطان الله. كل انسان منا عليه ان يُعمل عقله في قراراته. هذا المبدأ يتح لنا الاجتهاد العاقل كما يخلق فينا مقداراً من الأمان والإيمان. فاننا نؤمن ان الانسان شريك في صناعة التاريخ. ومصر الأن تكتب تاريخها من جديد، فلابد ان يُكتب باقلام حرة وأيادي طاهرة من سفك الدماء وعقول مفكرة مستنيرة. 
ثاينا: النص يشجع على:
يحث النص على الايجابية كما قلت. فهو يدعو المؤمن ان يكون ايجابيا في الوطن وليس سلبيا منعزلا عن احداثه واموره. نعم هناك فصل بين الدين والسياسة ولكن كل منهما متدخلا في الاخر بمقدار اهميتمها في حياة الفرد وتشيكله. فالسياسة تؤثر على الانسان وحياته الروحية والعكس صحيح تماما.
 
النص لا ينقض حرية التعبير عن الرأي وهذا واضحا في الايات التي تقول ان كل فرد سينال جزأ ما فعل. من هنا تنطلق الحرية للتعبير عن الرأي، كما لا ينبغي ان نخلط بين الحاكم كأنسان وبين نظام الحكم. فالمصريون لا يتمرد على شخص بل على نظام حكم واسلوب غير عادل في الادارة واتجار بالدين في السياسة. المصريون لا شك انهم يتمردون على اهدار حريتهم وكرامتهم باسم الدين او جماعة ما. كلنا يعلم ان نظام الحكم في دولة ما ليس منزلا من الله، وهنا الثورة والتمرد على ما هو نسبي من صنع البشر.اني اري الثورة على الظلم والفقر والجهل في رسالة الانبياء والصمت على الظلم يرسخ لحكم الظالمين بل ويشترك في صنعهم وهو ما يخالف النص المقدس.  
 
النص المقدس يُعلي من قيمة المواطنة، هذه المواطنة التي اصابها الشلل في نفوس الكثيرين في مصر بسبب نظام حكم فاسد يفرق بين المواطنين بسبب الدين أو الجنس أو الانتماء لجماعة معينة دون غيرها. نظام حكم يفرق بين الرجل وزوجته، الابن وامه، والاخ واخته باتباع سياسة التمييز بين الرجل والمرأة وغيرها من انماط التمييز وهذا ما يضعف بل يقتل مبدأ المواطنة ويخلق مواطنين درجة اولي وآخرين ثانية وثالثة وهو ما ينبغي الثورة علية ورفضه جملة وتفصيلا.
ثالثا: النص يحذر من
ان الرسول بولس وكل الكتاب يضا يحذر من الاعمال الشريرة، والاضرار بمصالح الاخرين والتعدي على حقوقهم. وهذا ما نرفضه في التظاهرات. فالايمان المسيحي يرفض العنف وسفك الدماء وتدمير المنشأت الوطنية والمؤسسات التي هي ملك للجميع. فلا يُعقل ان يثور انسان على نظام ما فيدمر ما يمتلكه من منشأت حيويه لخدمة الجميع بما فيها نفسه. نعم اقولها صريحة للثورة السلمية والتعبير الناضج عن الاراء والرفض المشروع للظلم والسلبية والفقر واستغلال حقوق الناس. لا للاتجار بالدين والنصوص لخدمة اغراض شخصية انانية. نعم للحرية العيش والكرامة الاجتماعية.
 
النص ايضا يحذر ويرفض عدم الخضوع للقانون. وكما اعلم انه لا يوجد قانون او نص في الدستور يمنع التظاهرات السلمية والتعبير عن الرأي بل العكس الدستور يكفل حرية الرأي للجميع. فالمظاهرات والاحتجاجات تدخل تحت الخضوع للقانون وممارسة الحقوق الدستورية والتي لا تتعارض مع النص الديني. ومن هنا لا اري انا شخصيا في 30 يونيو مخالفة للنص الديني المقدس بل العكس تماما. وارجو ان يفهم البعض ان هذا هو رأي الشخصي وليس رأي الكنيسة الانجيلية وان اتفقت معي في الرأي. فالكنيسة تعطي للمتعبدين حرية الراي في شئونهم السياسية ولا ترغمهم على اتباع اسلوب دون الاخر. 
 
اخيرا: اصلي ان يحفظ الرب بلادنا المصرية والمواطنين في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد. ويحفظ الرب أيدي المصريين الشرفاء طاهرة من سفك الدماء وقتل الابرياء. وأني اؤمن أن صوت الحق أعلى وأقوي من الباطل والظلم والاستبداد.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :