مسلمى أمريكا وإشكاليات الإنتماء والولاء
بقلم: منير بشاي
اليوم هو الخامس من نوفمبر ٢٠٠٩ والخبر الهام الذى تتناقله وكالات الأنباء الأمريكية والعالمية، قادم من ولاية تكساس ويقول أن ضابطا أمريكيا من أصول فلسطينية مسلمة فتح النيران على زملائه الجنود الأمريكيين فى قاعدة فورت هود بينما كان يصرخ " الله أكبر" وكانت النتيجة هى قتل ۱٣ جنديا وأصابة ٣٠ آخرين بجروح وقد أصيب هو بأربع طلقات وجهتها له حارسة متواجدة بالمبنى، ونقل على اثرها الى المستشفى، وهو الآن فى حالة غيبوبة. التفاصيل مازالت تتوالى ولكن مما نعرفه حتى الآن أن الضابط وإسمه مالك نضال حسن ويحمل رتبة ميجور ويعمل طبيبا نفسيا فى القوات الأمريكية. وقد تطوع للقوات المسلحة وتعلم على نفقة الجيش حتى تخرج من كلية الطب وتخصص فى العلاج النفسى. أما الدافع وراء الجريمة فيعتقد أنه بسبب تضايقه إثر تلقيه الأوامر بالإستعداد للسفر إلى أفغانستان للإنضمام للقوات الأمريكية التى تحارب هناك ضد القاعدة وطالبان.
ليست هذه المرة الأولى التى يصوب فيها أمريكى من أصول إسلامية بندقيته تجاه زملائه من الجنود الأمريكيين فهناك قائمة طويلة لحالات مماثلة وعلى سبيل المثال فى ۲٣ مارس ٢۰۰٣ قام حسن أكبر بقتل إثنين من زملائه وهما كابتن كريستوفر سايفرت و ميجور جريجورى ستون وأصاب ۱٤ جنديا بجروح بينما كانوا يحاربون معا فى العراق. ليس هذا مبررا لإصدار إدانة عامة ضد جميع مسلمى أمريكا أو وصفهم بأنهم لا إنتماء أو ولاء لهم لوطنهم الجديد. الولايات المتحدة هى الوطن لحوالى ما بين ثلاثة الى ستة ملايين مسلم. معظم هؤلاء هاجروا إلى أمريكا هربا من الإضطهاد فى بلادهم الإسلامية. وقد ضمتهم أمريكا إليها وأعطتهم الأمن والأمان. ولا شك أن الكثير من مسلمى أمريكا مواطنون مسالمون. وهم يعملون بإجتهاد لكسب معيشتهم وتحقيق الحلم الأمريكى والإزدهار لهم ولأسرتهم. وبالتالى هم يسهمون فى إزدهار المجتمع كله بما يقدمونه من خدمات وما يدفعونه من ضرائب ولكن هذه الحوادث المتكررة داخل الجيش، بل وحوادث الإرهاب الأخرى التى ارتكبتها بعض العناصر الإسلامية والحوادث الأخرى التى تم احباطها والخوف من إحتمال حدوث المزيد من العمليات بواسطة الخلايا النائمة – كل هذا يدفع كل مخلص على سلامة هذا البلد أن يتساءل عن ما هى الأيديولوجية الدينية التى تدفع البعض من المتشددين المسلمين فى أن يأخذوا موقفا معاديا ضد نفس البلد الذى مد لهم يد الإحسان؟ من المؤكد أن المسلمين الذين يتبنون هذا الفكر الإسلامى الأصولى لا يدينون بالولاء إلا للإسلام، والوطنية بالنسبة لهم لا تحمل أى وزن. وما يزال عالقا بالذهن ما صرح به مرشد اللأخوان المسلمين فى مصر عندما قال "طظ فى مصر".
وإذا كان هذا هو الشعور بالنسبة لمصر البلد الإسلامية ومقر الأزهر الشريف فما بالك بأمريكا التى يدين معظم سكانها بالمسيحية ويوجد بها أكبر تجمع يهودى فى العالم وأيضا البلد التى تقوم حاليا بحربين ضد المسلمين أحداهما فى العراق والآخر فى أفغانستان؟. هذا وأيضا من مبادىء العقيدة التى يؤمن بها هؤلاء أن المسلم لا يقتل مسلما مهما كانت الأسباب، بل وعلى المسلم ان ينصر أخاه المسلم ظالما أو مظلوما. وقد قيل أن نضال حسن قال عن نفسه مرة أنه مسلم أولا وأمريكى ثانيا. ومن شهادة الأئمة فى المساجد التى كان يتردد عليها انه كان مسلما ملتزما الإسلام له أحكامه الواضحة فى كل أمور الحياة ومنها ما يتعلق بمسألة الهجرة والعيش فى البلاد التى يدين معظم سكانها بغير الإسلام يقسم الإسلام العالم الى معسكرين : دار الإأسلام ودار الحرب. دار الإسلام هى البلاد الإسلامية ودار الحرب هى البلاد التى يكون معظم سكانها من غير المسلمين. يؤمن المسلم أنه كمواطن ينتمى الى دار الإأسلام، هو بالتالى فى حالة حرب دائمة مع غير المسلمين الذين يعيشون فى دار الحرب إلى أن يتم هزيمتهم أو تحويلهم إلى الإسلام. والمبدأ العام أن المسلم لا يجب أن يقيم إلا فى دار الأسلام.
فإذا كان يعيش فى وسط المشركين فإنه يتحتم عليه أن يهجرها ويذهب الى بلاد المسلمين إلا إذا كان هناك أسبابا قوية مقبولة تمنعه من ذلك.يبنى هذا على ما جاء فى القرآن. "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يغفر لهم وكان الله عفوا غفورا"(سورة النساء: ٩٧-٩٩) ومن الأحاديث النبوية قول رسول الإسلام "أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"ولكن هناك من الأسباب التى تبرر للمسلم عدم هجرته من بلاد الكفار وإستمراره للعيش بين أهل الشرك وهذا ما قاله القرطبى "يجوز ترك الهجرة عند فقدان الزاد والراحلة "ومعناه إذا لم يتوفر للمسلم المال والوسيلة التى تنقله من تلك البلاد. ولكن الرأى العام لعلماء المسلمين أنه لا يستحب للمسلم أن يقيم فى دار الكفار إلا إذا ترتب على بقائه مصلحة للمسلمين ويدللوا على ذلك أن العباس عندما بقى فى مكة بين المشركين، بعد هجرة النبى والصحابة الى المدينة، كان وجوده بمثابة عين لمحمد (جاسوس) يكتب له ويعرفه بأخبار المشركين. ومع ذلك فبقاء المسلم فى دار الكفار لا يجد تشجيعا بين العلماء لخوفهم من أن يتأثر المسلم بسلوك الكفار ويقلدهم. كما يتفق العلماء على تحذير المسلم من التجنس بجنسية إحدى الدول الكافرة لأنها ستؤدى إلى إجبار المتجنس للدخول فى الجيش وعلى التجنيد الإجبارى ومن ثم أن يخوضوا كل الحروب التى تخوضها بلاد المتجنسين بجنسيتها ولو كانت ضد الدول الإسلامية كما حدث الآن فى العراق وأفغانستا.
هذه المبادىء الإسلامية تضفى الشك فى نوايا المسلمين وخاصة اذا كانوا من المتمسكين باوصول الدين الإسلامى إذا كان يصرون على العيش فى بلد مثل أمريكا، ويجب أن تدفعنا الى التساؤل عن ما اذا كانت لهم أجندة خاصة من بقائهم فى أمريكا. على أمريكا أن تفطن إلى أن عقيدة هؤلاء تفرض عليهم بما لا يقبل التأويل تحريم الإشتراك فى أى حرب تقوم بها وخاصة إذا كانت موجهة ضد دولة إسلامية. والغريب أنه مع علم المسلمين بهذا الا انهم هم الذين يتطوعون إلى الإنضمام للجيش الأمريكى طلبا للمزايا المالية السخية التى يتلقونها ومنها التعليم المجانى على نفقة الجيش الأمريكى. وقد قدر ما أنفقته أمريكا على تعليم نضال حوالى نصف مليون دولار. وقد تطوع نضال بارادته بل وكذب فى طلب الإلتحاق عندما كتب أنه ليس له أى انتماءات دينية. وتقول الإحصائيات ان هناك ما بين عشرة الى عشرين الف مسلم متطوعون فى الجيش الأمريكى. وربما السبب أنهم يأملون فى الإستفادة بهذه المزايا ويتعشمون فى نفس الوقت أن يحالفهم الحظ فى أن لا يضطرا إلى الإشتراك فى الحروب. وتقع المشكلة عندما يفاجأوا بالأوامر للرحيل إلى المعركة وحينئذ تحدث الكارثة ويقول وليد شوباط المتنصر الذى كان يوما عضوا فى منظمة فتح "على أمريكا أن تستيقظ من نومها وتواجه مشكلة وجود الأصوليين الإسلاميين فى وسطها التى هى بدون شك سبب المأساة التى حدثت فى فورت هود." ويضيف شوباط "هناك قرارات خطيرة يجب أن تتخذ قبل أن نفكر فى إستئمان المسلمين لحماية هذا البلد، لأنه من المستحيل التأكد من ما إذا كانوا شرفاء أم ثعالب نضعهم فى نفس القفص مع الدجاج.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :